عشنا جميعا على قاعدة واحدة وهى أن الجيوش تحارب فقط، حتى حينما رأينا القوات المسلحة المصرية تدخل فى مشروعات تنموية فى مصر، وجدنا من يعترض على ذلك بحجج واهية، رغم أن هذا الدور موجود فى كل دول العالم، فالجيوش ليس فقط مهمتها عسكرية، وإنما لها علاقة بكل ما يتعلق بالأمن القومى للدولة التى يتولى الدفاع عنها، والدفاع هنا مقصود به عسكرياً واقتصادياً وتنموياً. لذلك لم يكن غريبا أن نسمع بأن دولة كبرى مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية تقرر إرسال جنودها إلى الدول الأفريقية التى تعانى من فيروس «إيبولا»، وهؤلاء لن يحاربوا الوباء بالسلاح، وإنما بالعلم، وهدفهم واضح ومحدد قاله الرئيس الأمريكى باراك أوباما: «إن أمن الولاياتالمتحدة من ال«إيبولا» يبدأ من أفريقيا، لذلك يمكننا التغلب على هذا المرض ولكن علينا الحذر»، لذلك أعلنت واشنطن عن إرسال قوة 3 آلاف عسكرى أمريكى لمكافحة ال«إيبولا» فى غرب أفريقيا، وهذه القوة هدفها «تحويل المسار» فيما يتعلق بجهود مكافحة الوباء، حيث يتولى هؤلاء الجنود نقل الإمدادات الطبية واللوجستية وزيادة عدد الأسرة اللازمة لعزل وعلاج ضحايا الوباء، كما وضعت واشنطن خطة لمكافحة ال«إيبولا» تشمل جهودا لتدريب ما يقرب من 500 من العاملين فى حقل الرعاية الصحية أسبوعيا وإنشاء 17 مرفقا للرعاية فى منطقة دول غرب أفريقيا. إذن الولاياتالمتحدة نظرت للوباء على أنه قضية أمن قومى، حتى وإن كان فى غرب أفريقيا، لكنها توقعت أن يصل إلى مواطنيها فى أى لحظة، فاستعانت بجيشها لكى يساعد الدول التى تعانى من المرض، ولم نسمع من يعترض على ذلك أو يسخر من مشاركة الجيش الأمريكى فى مكافحة ال«إيبولا»، لم نسمع عن وجود لهؤلاء، لأن الشعب الأمريكى يعلم حدود أمنه القومى ويؤمن بأن للجيش مهاما متعددة لا تقف على حدود العمليات العسكرية، وإنما له وجود، ما دام الأمن القومى مهددا، سواء كان ذلك بمرض أو بأزمة اقتصادية أو غير ذلك. ربما أجد من المهم أن أذكر القارئ العزيز بما وصل إليه الحال، فيما يتعلق بال«إيبولا» فمنظمة الصحة العالمية، قالت من أسبوع تقريبا: إن حصيلة معدل وفيات «إيبولا» تشير إلى وفاة 4951 شخصا فى ثمانية بلدان، من بين 13 ألفا و567 شخصا أصيبوا بالحمى النزفية التى يسببها «إيبولا» وتشير أرقام المنظمة إلى أن 6535 شخصا أصيبوا ب«إيبولا» فى ليبيريا توفى منهم 2413 مريضا بينما بلغ عدد الإصابات فى سيراليون 5338 والوفيات 1510. أما فى غينيا التى انتشر منها المرض، فقد أصيب 1667 بالفيروس توفى منهم 1018، كما حذر أحد الأطباء العاملين فى منظمة أطباء بلا حدود من أن الوضع أقرب إلى كارثة فى سيراليون، حيث قضى «إيبولا» على سكان قرى بأكملها، هذه الحصيلة تتحدث عن دول أفريقية، نعم الوباء وصل إلى دول أوروبية عن طريق اكتشاف حالة فى إسبانيا وأخرى فى الولاياتالمتحدة، لكن هذه الدول لا تستهين بأى شىء، فقررت اعتبار الأمر قضية أمن قومى تستدعى وجود القوات المسلحة. قد يقول أحد المتابعين: إن واشنطن غالباً ما تبالغ فى الأمر، وأنها قررت مشاركة جيشها حتى تشير إلى خطورة الوباء، لكن هل ألمانيا لديها نفس المنهج، فبرلين أعلنت أن جيشها يعزز من استعداداته للقيام بمهمة معاونة فى مكافحة وباء ال«إيبولا» فى غرب أفريقيا، مشيرة إلى أن جنودا تابعين للجيش الألمانى يخوضون فى الوقت الراهن تدريبات على التعامل مع حالة الطوارئ داخل أحد المختبرات المتخصصة المتنقلة بمدينة ميونيخ جنوبى ألمانيا، وتهدف التدريبات إلى اكساب الجنود القدرة على تحديد ما إذا كان شخص ما مصابا بال«إيبولا» أو الملاريا فى غضون أربع ساعات.