الكلية الفنية العسكرية تفتح باب التسجيل ببرامج الدراسات العليا    «التنظيم والإدارة»: تطبيق هيكل جديد بنظام الشباك الواحد أول أكتوبر    تعاون بين قطاع الأعمال والأكاديمية العربية للعلوم الإدارية لتدريب الكوادر البشرية    «البحوث الزراعية» ينظم برنامج تدريبي على إدارة الأزمات البيئية بالجيزة ودمياط    «صحة غزة»: 58 شهيداً و185 مصابًا جراء غارات الاحتلال خلال 24 ساعة    الهلال الأحمر يدفع 2300 طن مساعدات غذائية وطبية في قافلة إلى غزة    لافروف: وقعنا مع الأردن اتفاقية لإلغاء التأشيرات لتعزيز الروابط التجارية    مدبولي لقادة الدول: حان الوقت لاتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة لردع العدوان الإسرائيلي والاعتراف بالدولة الفلسطينية    حماة الوطن: التعنت الإسرائيلي يعرقل جهود التهدئة والمقترح المصري القطري نافذة أمل جديدة للفلسطينيين    تفاصيل جديدة في إصابة إمام عاشور.. الكسر لم يلتئم    استراحة السوبر السعودي - القادسية (1)-(4) أهلي جدة.. نهاية الشوط الأول    كرة نسائية – سحب قرعة الدوري.. تعرف على مباريات الجولة الأولى    بدون شكاوى.. انتظام امتحانات الدور الثاني للثانوية العامة بشمال سيناء    ضبط المتهم بالتعدي على «قطة» في الإسكندرية    تموين الأقصر تضبط ربع طن أجزاء دواجن وكبده بقرى مجهولة المصدر بسيارة ثلاجة    كنوز| 101 شمعة لفيلسوف الأدب الأشهر فى شارع صاحبة الجلالة    «التضامن»: التدخل السريع يتعامل مع حالات مسنين بلا مأوى في عدة محافظات    حملة موسعة على منشآت الرعاية الأولية في المنوفية    محافظ الإسماعيلية يتفقد عددًا من القطاعات الخدمية في جولة مفاجئة | صور    الأوقاف:681 ندوة علمية للتأكيد على ضرورة صون الجوارح عما يغضب الله    «دوري مو».. محمد صلاح يدفع جماهير ليفربول لطلب عاجل بشأن البريميرليج    إزالة 19 حالة تعد على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة في المنيا    بعد وفاة الطفل حمزة.. هل النودلز تؤدي إلى الوفاة؟ (خبيرة تغذية تجيب)    علي جمعة يكشف عن 3 محاور لمسؤولية الفرد الشرعية في المجتمع    ما حكم إخبار بما في الخاطب من عيوب؟    تجديد الثقة في المهندس خالد محمد مديرًا لتموين أسيوط    رئيس جامعة القاهرة: تطوير وصيانة المدن الجامعية أولوية قصوى للطلاب    أحمد العجوز: لن نصمت عن الأخطاء التحكيمية التي أضرت بالنادي الإسماعيلي    تحرك عاجل من "سلامة الغذاء" بشأن شكوى مواطن من مطعم بالبحيرة    الليلة.. إيهاب توفيق يلتقي جمهوره في حفل غنائي بمهرجان القلعة    انطلاق مهرجان يعقوب الشاروني لمسرح الطفل    عمر طاهر على شاشة التليفزيون المصري قريبا    "كلنا بندعيلك من قلوبنا".. ريهام عبدالحكيم توجه رسالة دعم لأنغام    بعد نجاح «قرار شخصي».. حمزة نمرة يستعد لطرح ألبوم ثاني في 2025    وزير الإسكان يستعرض جهود التنمية السياحية في ترشيد الإنفاق    كاتب فلسطينى: مقترح مصر ضرورى لوقف الحرب على غزة وإنقاذ شعبنا    حالة الطقس في الإمارات.. تقلبات جوية وسحب ركامية وأمطار رعدية    كيف يكون بر الوالدين بعد وفاتهما؟.. الإفتاء تجيب    القبض على طرفي مشاجرة بسبب خلافات الجيرة بالسلام    مقتل شاب في مشاجرة بدار السلام بسبب خلافات الجيرة    تغيير اسم مطار برج العرب إلى مطار الإسكندرية الدولي    العقارب تلدغ طفلين في أعمار حرجة بالفرافرة وسط موجة حر قاسية    جامعة الإسكندرية شريك استراتيجي في إنجاح منظومة التأمين الصحي الشامل    الزمالك: منفحتون على التفاوض وحل أزمة أرض النادي في 6 أكتوبر    توقيع مذكرة تفاهم للتعاون بين اقتصادية قناة السويس وحكومة طوكيو في مجال الهيدروجين الأخضر    ضبط 111 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    وزير الدفاع يلتقي مقاتلي المنطقة الشمالية.. ويطالب بالاستعداد القتالي الدائم والتدريب الجاد    اليوم.. افتتاح معرض السويس الثالث للكتاب    محافظ القاهرة يقرر النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بالثانوي العام    20 أغسطس 2025.. أسعار الذهب تتراجع بقيمة 20 جنيها وعيار 21 يسجل 4520 جنيها    رئيس الوزراء: أدعو الطلاب اليابانيين للدراسة في مصر    قافلة "زاد العزة" ال19 تعبر ميناء رفح لإيصال المساعدات إلى غزة    الاحتلال الإسرائيلي يقتل نجم كرة السلة الفلسطينى محمد شعلان أثناء محاولته الحصول على المساعدات    الموعد والقناة الناقلة لمباراة الأهلي والقادسية في كأس السوبر السعودي    رعاية القلوب    حبس سائق أتوبيس بتهمة تعاطي المخدرات والقيادة تحت تأثيرها بالمطرية    تنسيق الدبلومات الفنية 2025 .. كليات ومعاهد دبلوم تجارة 3 سنوات وتوقعات الحد الأدنى للقبول    وسام أبو علي يكشف رقم قميصه مع كولومبوس كرو الأمريكي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سياحة الدروع البشرية فى عربستان
نشر في اليوم السابع يوم 19 - 02 - 2010

دخول القوات الأمريكية إلى بغداد فى ذلك اليوم المشئوم، 19 أبريل عام 2003، جعلت منى منظماً لرحلات سياسية-سياحية، أو ما يطلق عليه البعض بسياحة "الدروع البشرية"، إلى جانب كونى مدرساً للعلوم للسياسية فى جامعة أوروبية، وقد ساعدتنى وظيفتى كثيرًا دون استغلال لها، فقد كنت ومازلت أرى، أن الرأى والرأى الآخر لا يتوقف فقط على قاعات الدرس المحدودة بالجدران الأربع، ولا على فنجان القهوة الذى تتناوله مع الطلاب وزملاء المهنة والمهتمين بالشأن العربى، ولا الحديث العابر فى ممرات المعاهد والمكتبات الذاخرة بالرأى الآخر، ولا محاضرات التوعية التى لا تعد كونها دون مقابل، بل تعدتها لتصل إلى لقاء المسئولين راسمى السياسات وأبناء البلد فى البلاد المستهدفة والمعرضين للدمار فى كل وقت، وكلهم بالطبع فى المنطقة التى أنتمى إليها، والتى تسجل أدبيات الصراع -المتحيزة جدًا- عنها، كونها المنطقة التى نعيش فيها على بترول الغرب، فإن لم نكن بالقادرين على حماية بترولهم، بالإضافة إلى ضمان أمن إسرائيل لهم، فلديهم القدرة على التدخل السريع والبطىء، واختراع الأكاذيب المتعلقة بحقوق الإنسان والديمقراطية وحيازة أسلحة الدمار الشامل من بيولوجى إلى كيمائى وذرى، كما فى حالة صدام العراق.
وكان مجموع الكذب المقصود والمفضوح جدًا الذى روج له كل من بوش الابن وبلير والمعارضة الألمانية المتمثلة فى السيدة ميركل وقتها عن علاقة صدام بالقاعدة وخطره على سلام وأمن العالم بحيازته على كل ما هو ممنوع من الأسلحة، وهو الموضوع الذى لم يطرح للبحث بعد، كان يحرضنى وبشدة على منعهم من الوصول إلى الهدف التالى - سوريا – وكنت ومازلت أتمسك بعبارة الثوار فى الحرب الأهلية الأسبانية وأضعها شعارًا لى، وهى "لن تمروا"، فما تعرض له العراق ونعايشه من مهازل، قصد منها كذبة "حفظ سلام العالم" ليكون مدخلاً للديمقراطية - على طريقتهم لا الطريق الثالث- فى هذا البلد العربى الأصيل، وتنفيذها فيه بأموال بتروله، أو بترولهم كما كانوا يقصدون، كمثال مرسوم بحذاقة مهنية لكل المنطقة ليتحول العراق معها إلى ثلاث دويلات متناحرة ضعيفة أو أكثر من أجل عيون أمن إسرائيل، وليتحول البترول العراقى إلى كارثة على أهله تفوق ما كان من صدام والبعث، والدليل واضح.
ومن هنا بدأت زياراتى مع طلابى وزملائى لسوريا، رغم ما قيل ويقال عنها، لنضع وببساطة شديدة جدًا إطارًا بديلاً للعلاقات بين الأفراد والدول لا يعتمد على مفهوم القوة فى حل المشاكل بينها، بل يعتمد على النزول من على دبابة القهر والخديعة والموت للحوار مع البسطاء، حكامًا ومحكومين، فرغم قهر حكامنا لشعوبنا، إلا أنهم منا أولاً وأخيرًا، وحضهم على الحوار معنا (لا معهم هم) هو بداية التغيير، فهذا التغيير لابد وأن يكون سلميًا أولاً، ومن داخل المنطقة ثانيًا، ولصالح أهلها ثالثًا ورابعًا وخامسًا وأخيرًا. فإن كان التغيير أولاً لصالح أهل المنطقة، وهو ما يجب أن يكون، فسوف يستفيد منه الجميع بما فيهم الجيران بالتأكيد، ولكن ليس علينا بالضرورة أن نغير فقط من أجل حفظ أمن الجيران وسلامتهم قبل سلامتنا، فنحن نريد أن نغير لأن التغيير يلزمنا ويلزم مستقبل أولادنا ومستقبل هذه الأرض التى آن لأولادها أن يستريحوا عليها لا تحتها فقط.
وأن كانت كل هذه الزيارات قد تمت منذ غزو العراق وبنجاح بالغ، إلا أنى كنت الوحيد الذى عليه أن يتحمل من المتاعب ما يفوق طاقة البشر. فالعقبة الأولى تمثلت فى تخطى، أنا العربى، لحاجز الأمن عند الوصول إلى مطارات شرقستان وغربستان وجنوبستان وأخص بالذكر مطار دولة ذل ستان، فالعربى مطلوب فى كل المطارات العربية، وها هو ضابط الحدود فى مطار دمشق يجد لى جريمة مسجلة، ارتكبتها، كما قال لى، منذ تسع سنوات تم على أثرها ترحيلى نهائيًا من البلاد، ولم تفلح شروحاتى بأنى لم أزر سوريا فى حياتى، ولم أخط دمشق الشام إلا فى أجمل أحلام المنام مع حكايات ألف ليلة وليلة، لتستمر المهزلة لساعات بين شد وجذب، ليسألنى طلابى والزملاء عما تكون المشكلة، لأقول لهم، إنى وفى حياة سابقة لى وبعد أن كنت حلاقًا فى بغداد أصبحت لصًا فى دمشق ومزورًا ومرحلاً عنها، لا يحق لى دخولها إلا جسدًا فى صندوق، كما فى حالة نزار. ومع الزيارة الثانية لدمشق العظيمة، علمت أن ما حدث معى كان بمثابة "الشَّدَة" لكل جديد، والذى عليه الصبر لتخطى الامتحان ولدخول الجنة بتسليم صكوك الغفران، وهذا ما كان، ففى الزيارات التضامنية اللاحقة لنا لها، كانت تفتح لنا صالة كبار الزوار وتقدم لنا المرطبات من كبار المسئولين ليجرى الحوار البالغ النجاح مع الدقيقة الأولى للزيارة لينتهى فى نفس المكان وبالتوديع من أصدقاء لأصدقاء على أمل اللقاء.
وهذا ما حاولت أن أكرره مع عدد من طلابى والزملاء لمصرنا العزيزة، لتكون واقعة "الشَّدَة" المتوقعة كالعادة أكثر وطأ على النفس من كل شدات مطارستان الأخرى المعروفة، وإن كانت شَدَة مطار القاهرة قد تحسنت عما كانت عليه سابقًا، فقديمًا كان دفتر المطلوبين والمنتظر وصولهم، مثلى، يتصفح يدويًا من أشخاص تبدو عليهم ملامح التشفى الواضح للعيان بالوصول إلى الأسماء المقصودة، لتدار بعدها محادثاتهم التليفونية مع الأجهزة، وليسمع المنتظر – مثلى أيضًا - لعبارات محفوظة منا عن ظهر قلب، مثل، "مين يا فندم، قسم مكافحة الشيوعية"، "الشيوعية فى لاظوغلى"، "أبعته لسعادتكم دلوقت"، "مش عاوزه سعادتك دلوقت، طب بس عنوانه فسكندرية"، تليها سماع العبارة الأبدية، "دا تشابه فى الأسماء، كلها خمس دقائق وتخلص، انتظر حضرتك شوية هنا على جنب!".
ولكن فى هذه المرة كان معى عشرون ضيفًا، شاهدين على المأساة، لتبدأ المسرحية الساقطة بقيام ضابط الشباك بتمرير الجواز إلى السيدة عاملة الشباك الجالسة خلفه، لتقوم هى بالفرز بالكمبيوتر الموجود عن بعد أمتار عدة، ليصل الجواز منها بعدها إلى يد مساعد شرطة ينظر لك بنظرة معروفة للجميع، ليأمرك معها بالمضى معه إلى "خن" جانبى تتجمع فيه كتلة بشرية من المسئولين المتشحين بسواد الزى الرسمى المضاء الأكتاف بصف من النجوم والصقور والسيوف المتقاطعة، ليقوم واحد منهم بالكشف على الجواز مع النظر خلسة إلى حضرتك، ليسألك مرة أخرى عن محل الإقامة، وليكتب عدة أسطر لا تحتاج إلى تخمين ماهيتها، فهى لا تختلف عما كان يقال أيام الفرز اليدوى، ليسلم الجواز بدوره إلى نفس المساعد ليسحبك كواحد من قطيع غنم إلى نفس الشباك، ليتضح بعدها أن الضابط قد وقع فى جواز السفر الخاص بحضرتى بالترحيل/ المغادرة بدلاً من التصريح بالدخول، ليجرى البحث عن حضرته، حيث إنه كان "فى راحة وراح يشرب سيجارة وجاى"، ليغير رئيسه ذو الأكتاف الأكثر لمعانًا الختم من الترحيل والمغادرة إلى دخول الجنة وبئس المصير، لتنادى عليك نفس الشخصية وبصوت بالغ القوة، وأنت واقف وسطهم، لتأخذ جوازك كمنحة وإكرامية، ولتصحبك أخيرًا الابتسامات المنتظرة لشىء لا يصعب عليك تخمينه أيضًا (قد تكون تعنى "حلاوة الوصول")، ولتجد ابتسامات أخرى أعرض من الأولى من مرافقيك الأوروبيين، وليسأل البعض منهم عما تم فى الدقائق الطوال هذه، لترد بالصمت ثم الصمت حتى لا أفسد عليهم متعة الوصول إلى جنتى، ولكنى كنت أخص نفسى بالحزن على نفسى - وهذا حقى على، وهو ما جرى تعويضه بلقاءات منظمة جرت أثناء الزيارة، منها لقاء "اليوم السابع"، والتى سأعرض له فى مقال لاحق.
محاضر فى العلوم السياسية فى جامعة انسبروك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.