سيدى الرئيس، أكتب إلى سيادتكم بلسان حال آلاف الغارمات من سيدات مصر اللاتى فقدن حريتهن وزج بهن فى غيابات السجون على ذمة قضايا "إيصالات أمانة" أجبرن على توقيعها مقابل الحصول على بعض تجهيزات الزواج البسيطة لستر بناتهن. عشت معهن آلامهن وأحزانهن وسعيت مع الكثيرات منهن لفك أسرهن، فيحضرنى على سبيل المثال قصة الحاجة "رتيبة"، الحاصلة على العفو الرئاسى فى 2014، بعد استغاثة للمستشار عدلى منصور، بعد الحكم عليها بالسجن 47 عامًا، بالإضافة إلى حبس بناتها وأبنائها، لسقوطها فريسة لإحدى شركات الاتجار بالبشر، إحدى آفات إفراز الغارمات بالمجتمع المصرى. المشكلة تتلخص فى ثلاث شركات احتكرت الاتجار ب"غُلب" وجهل وحاجة هؤلاء الغارمات، واستغلال حاجتهن وقلة حيلتهن تجاه تجهيز بناتهم للزواج، بتوقيع إيصالات أمانة بأضعاف ثمن السلع المشتراه بالإضافة إلى الفوائد، فينتهى الحال بالأم وابنتها فى السجن، لأنه غالبًا ما تكون الابنة هى الضامن لوالدتها فى عملية الشراء فبدلاً من ستر البنات يتحول لسجن البنات. يجب دراسة الأمر برمته، قانونيًا وإنسانيًا، فكيف تتخطى ديون إحداهن 180 ألف جنيه مقابل "ثلاجة" و"بوتاجاز"، وأين الضرائب وجهاز حماية المستهلك من هذه الشركات التى ترتع دون رقابة؟، وأين القانون من وضع آلية لإيصال الأمانة أسوة بالشيك الخطى؟! سيدى الرئيس، استنجد بسيادتكم باعتباركم الأب الروحى لمبادرة العفو عن الغارمات فى 2013، فبرغم كل الجهود، إلا أن سد الفجوة أضحى بعيد الأمد، فما زال يزج بمئات الغارمات فى السجون يوميًا. ففى ظل الأوضاع الاقتصادية والتغيرات التى طرأت على المجتمع المصرى فى الفترة الأخيرة مع زيادة نسب الطلاق والبطالة، أضحت هؤلاء الغارمات هن العائل الوحيد لأسرهن، وبالتالى فحبسهن يؤدى إلى التفكك الأسرى وعمالة الأطفال، وإفراز جيل جديد من أطفال الشوارع، إلى آخر ذلك من الموبقات الاجتماعية. سيدى الرئيس، أناشد سيادتكم النظر بعين رب الأسرة المصرية تجاه القضية، ومحاولة إيجاد صيغة قانونية للعفو عن أمهاتنا الغارمات، لتوفير مليارات الجنيهات المهدرة التى يمكن الاستفادة بها لخدمة هذه الشريحة، من خلال القروض الدوارة أو المنح الصغيرة فى ضوء الأهداف الإنمائية للقضاء على الفقر المدقع بالمشاريع الصغيرة التى تدر دخل يومي، فتكلفة إعاشة الغارمات داخل السجون المصرية يقدرها البعض بالمليار جنيه سنويًا. مع وضع ضوابط وقواعد لمن لهن حق الإعفاء، وهذا سيكون دور المؤسسات الأهلية بدلاً من اتخاذ قضية الغارمات جزءًا من المزايدات للحصول على المنح والهبات الملكية، وتوظيف البحث الاجتماعى فى تحديد المستحقات للعفو. سيدى الرئيس، أطالب سيادتكم بعفو مشروط، وفقًا لبرنامج محدد بمقتضاه تعطى السيدة الغارمة جزءًا من وقتها لخدمة مجتمعية أخرى بقدر حكم حبسها، سواء فى دور الرعاية الاجتماعية كدور رعاية المسنين والأيتام والمعاقين، لترسيخ مبدأ العطاء الاجتماعى، مع دعمها بقرض حسن صغير تمنحه المؤسسات والجمعيات التى تجمع الهبات والتبرعات للغارمات، وبذلك سيكون هناك برنامج للغارمات بين الحماية الاجتماعية والتمكين الاقتصادى شريطة محو الأمية لهن.. تحيا مصر.