عشت مع والدتى مشاعر المرارة التى شعرت بها لسنوات وهى تحاول خلالها الحصول على حقها فى ميراث والدها، دون جدوى سوى من تلك الجملة التى أشعرتنى أنا أيضا بالمرارة «ماحدش غريب يدخل أرضنا».. وكان هذا الغريب هو والدى، وبالتالى كنت أنا أيضا وإخوتى غرباء فى نظرهم، فيما كان أولاد خالى هم أبناء العائلة فقط كما يرونهم.. يشرح صلاح فاروق عباس، الذى يعمل بمركز جسور للتدريب وحقوق الإنسان بمحافظة الشرقية، كيف أخذ عهدا على نفسه أن يواجه العادات والتقاليد التى تمنع المرأة من حقوقها التى كفلتها الأديان والقوانين، ويخجل من أن يعرف نفسه دائما فى كل مكان بأنه «ناشط نسوى»، كما أنه يفخر باللقب الذى يناديه به أصدقاؤه «يا نصير المرأة». صلاح وأحمد وبهى وهانى ومحمد وغيرهم.. يعرفون أنفسهم فى الكثير من اللقاءات والندوات التى تعقد بالقرى أو بالقاهرة بفخر بأنهم «نشطاء نسويون»، ولديهم الكثير من الخطط والآمال التى يريدون تحقيقها للمرأة، فى السطور التالية.. نتكلم معهم.. وعنهم. صلاح يضع أمام عينيه الآن إحدى المشكلات التى مازالت تعانى منها المرأة فى الريف المصرى وخاصة فى الصعيد، وهى مشكلة العاملات الزراعيات اللاتى يعملن باليومية، ويتنقلن من قرية إلى أخرى، وهن معرضات لمخاطر الطريق والمرض والتحرش من قبل مقاول الأنفار أو صاحب المزرعة التى يعملن بها أو ابنه مثلا.
يسعى صلاح لأن تحصل العاملات الزراعيات على حقوقهن فى الضمان الاجتماعى، وسيسير فى خطته بمساندة حقوقيين آخرين من زملائه فى المؤسسة وفى مؤسسات أخرى فى ريف مصر.
∎ التحرش والكوتة
ومن الشرقية إلى القاهرة، وضع محمد فاضل المحامى فى أكاديمية دعم المشاركة السياسية للمرأة، حق المرأة فى الوصول إلى مراكز صنع القرار، مهمة شخصية له، بعدما لاحظ تهميش دورها السياسى خلال العشرة أعوام الماضية، يقول محمد: لقد أعطى الدستور الجديد للمرأة حق التمييز الإيجابى فى المشاركة السياسية فى المحليات فقط وهذا لا يكفى، لذلك سأطالب بتغيير بعض بنود الدستور، لتنص على كوتة للمرأة فى البرلمان، لأن المحليات والبرلمان هما من يشكلان القوانين الحاكمة للدولة فى الفترة القادمة.
ويكمل: نحن كحقوقيين ننتظر نتائج تعديلات قانونى مباشرة الحقوق السياسية، والانتخابات البرلمانية، ونأمل أن تقر الانتخابات البرلمانية بنظام القائمة التراتبية بالمناصفة، بمعنى أن يأتى مثلا اسم امرأة بعد اسم رجل وهكذا، لا أن توضع أسماؤهن فى ذيل القائمة بحيث لا ينجحن فى الانتخابات.
وفى ذات الوقت يشير محمد إلى خطورة الانتخابات بالنظام الفردى لما لها من نتائج سلبية على نجاح المرأة، لتأثرها بالأعراف القبلية والرشاوى الانتخابية.
«على الدولة تعديل التشريعات القانونية الخاصة بالتحرش، لأن القوانين لا توضح الحالات ولا تبين عقوبة المتحرش» هذه خلاصة ما توصل له فاضل من خلال مشاركته الميدانية فى حملات ضد التحرش، منذ أواخر عام 2011 إلى منتصف 2013 ، فقد شاهد بنفسه حالات التحرش الممنهج الذى حدث فى ميدان التحرير فى العديد من المليونيات وخاصة فى ذكرى 25 يناير الثانية، وكيف أنه كان يطلب من الفتيات المجنى عليهن بضرورة الإبلاغ عن وقائع التحرش، وتحرير محاضر فى أقسام الشرطة بصورة جدية بصرف النظر عما ستفضى إليه نتائج البلاغ. ∎ تلك الحادثة لا أنساها
الشىء نفسه يشعر به أحمد أمين حمزة، الذى يرى أن دفاعه عن حقوق المرأة هو دفاع عن حقوق المجتمع ككل، وأن الرجل جزء من هذا المجتمع، وسيحيا حياة مستقرة إذا ما شعرت زوجته أو والدته أو أخته وعمته وخالته بأن هناك من يدافع عن حقوقها ويسعى لتحقيق العدالة.
أحمد الذى يعمل فى جمعية المرأة للتنمية الإنسانية، بالقليوبية، يقول إنه كان متخوفا فى بداية عمله، خاصة أنه يعمل فى قرى ريفية، ولكنه رأى أن من واجبه أن يغير الفكر الخاطئ الذى يعتقده بعض الرجال بأن المرأة أخذت حقوقا أكثر من الرجال، وهو لا ينسى أيضا كيف أن حادثة وفاة فتاة نتيجة إجرائها لعملية ختان فى قريته بالقليوبية كانت سببا مهما فى تبنيه الدفاع عن قضايا المرأة وخاصة من العنف الذى يقع عليها فقط لكونها امرأة.
ويتذكر أحمد ذلك اليوم الذى أعلن فيه عن قرية سندوب التابعة لمركز القناطر بأنها خالية من ختان البنات عام 2008، نتيجة لمجهوداته مع الجمعية، وهو الآن يكرر نفس التجربة فى 4 قرى تابعة لمركز القناطر للإعلان عن خلوها من الختان، بالتعاون مع الصندوق العربى لحقوق الإنسان بلبنان.
ومن خلال الجمعية التى يعمل بها كنصير لقضايا المرأة استطاعوا بالتعاون مع محافظة القليوبية، توفير 005 فرصة عمل للمرأة المعيلة وتوفير أماكن لسكن بعضهن.
∎ البراءة للغارمات
وبصوت تملؤه الفرحة يروى «هانى مدحت» الناشط فى مجال حقوق المرأة وصاحب جمعية حياة للمرأة وحقوق الإنسان، كيف أنه استطاع الحصول على الإفراج بل البراءة، عن الكثير من النساء الغارمات، بالتعاون مع إحدى الجمعيات الخيرية التى تولت سداد مديونيات الغارمات اللاتى كن يقبعن فى السجون بسبب توقيعهن، على شيكات على بياض أو بأثمان أكبر بكثير من ثمن إيصالات شراء أدوات وأجهزة منزلية قمن بشرائها لتجهيز بناتهن أو لاستعمالهن الشخصى، ولم يستطعن السداد.
هانى يريد إلغاء فكرة أن يكون الشيك على بياض سببا فى السجن وألا يسجن شخص بسبب عدم سداد 100 ألف جنيه مثلا.
هانى يدافع أيضا عن حقوق خادمات المنازل ضمن مشروع الإتجار فى البشر الذى تتبناه المنظمة الدولية للهجرة واستطاع أن يحصل على حكم بالبراءة لبعضهن من اللاتى تعرضن للعنف وهربن وقبض عليهن من الفلبين وسيرلانكا وتم ترحيلهن إلى بلادهن.
هانى يرى أن خادمات المنازل هن أكثر فئة تتعرض للعنف، بل إلى القتل فى بعض الأحيان ويكون الجانى امرأة فى الكثير من القضايا، ويقول «أحيانا تكون مهمة نصير المرأة أن يحميها من المرأة أيضا».
∎ حق النساء فى السكن
«محمد عبد العظيم البهى» المحامى هو أيضا ناشط فى حقوق المرأة، بالمركز المصرى للإصلاح المدنى والتشريع والدفاع عن المرأة، ويتبنى قضية حق المرأة وخاصة المطلقة التى تسكن العشوائيات، فى الحصول على سكن من المشروعات السكنية الحكومية، من خلال ملاحظته لأوضاعهن فى منطقة الدويقة وقلعة الكبش عندما تم إخلاؤها ولم تعط الحكومة للزوجة المطلقة مسكنا وأرغمت على السكن مع مطلقها وزوجته!
يستنكر البهى معايير لجان الحصر التابعة للأحياء التى يحدث بها تطوير للعشوائيات ونقل السكان إلى مساكن بديلة، فهى لا تلتفت إلى البطاقة الشخصية كدليل للإقامة، وإنما تدخل اللجان وتبحث داخل المنزل المراد إزالته عن ملابس النساء الداخلية لتثبت أنها كثيرة ومستعملة كدليل على الإقامة والحق فى مسكن بديل.
وينتقد البهى أيضا ضياع حق المرأة فى الحصول على مسكن أو قطعة أرض ضمن مشروعات إسكان الشباب وغيرها فالأولوية تكون للرجال بحسب الثقافة الاجتماعية وتترك لمزاج الموظف المختص فى ظل غياب القوانين، بما لا يتماشى مع ما أقره الدستور من عدم التمييز والحق فى السكن.
أما محمد على نصر، الناشط فى جمعية الميدان للتنمية وحقوق الإنسان، فيطالب بالعمل على تغيير المادة 60 من قانون العقوبات المصرى، التى وضعت عام 1937، وتسمح للزوج بمعاقبة زوجته، شريطة ألا يترك أثرا لهذا العقاب على جسدها، وقيل خطأ أنها وضعت تماشيا مع الشريعة الإسلامية وهذا غير صحيح، لذلك نطالب بإلغائها، فليس من حق الرجل من قريب أو بعيد أن يعاقب زوجته بالضرب.
يعمل نصر أيضا على التوعية بحق النساء فى التعيين فى النيابة العامة، خاصة مع عدم وجود قوانين تمنع تعيينها فى هذا المجال، وسيكون هذا بمساعدة وسائل الإعلام، على غرار الحملة الناجحة التى قادتها الجمعيات الأهلية من قبل لمنح الجنسية المصرية لأبناء الأم المصرية، مساواة بحق الأب المصرى فى ذلك.