التاريخ ليس قصصا للتسلية، ولا مادة للدرس الأكاديمى بالمدارس والجامعات فقط وإنما دروس وعبر وعظات يتعلم منها النابهون والمُعتَبِرون ويتجاهله الحمقى والأغبياء.. صحيحٌ أن التاريخ لا يعيد نفسه، لأن لكل زمان ظروفه وملابساته التى تختلف عن سوابقها، ولكنه فى الوقت ذاته يقدم الدروس التى إذا ما تم تجاهلها يدفع المتجاهل الثمن غاليا. فما استطاعت دولة أن ترسى دعائم ملكها على أسس قوية وثابتة ما لم تتخلص وبشكل كامل من رجال سابقتها فى الحكم... هكذا تكلم التاريخ. ولن نعود إلى تاريخ غريب علينا حتى لا نعطى فرصة لمعترض، ولكننا سنعود إلى تاريخنا الإسلامى حيث إنه خصب جدا للبرهنة على هذه القضية بطريقة لا ينقصها اليقين. فإذا ما انقضى عصر الخلفاء الراشدين – رضى الله عنهم جميعا- وجاء الأمويون إلى الحكم فإذا بيزيد بن المقفع يقوم خطيبا فيقول: "أمير المؤمنين هذا، ويشير إلى معاوية، فإن هلك فهذا، وأشار إلى يزيد ابنه، فمن أبى فهذا، وأشار إلى سيفه! فقال له معاوية: أجلس فأنت سيد الخطباء!! وبالفعل يتم التخلص من أبناء على بن أبى طالب رضى الله عنه وكرم الله وجهه، وهم من هم آل البيت ذوو الشرف الرفيع. وحتى عندما تنازل الخليفة الأموى الثالث معاوية الثانى بن يزيد بن معاوية عن الخلافة وأخذ الخلافة عبدالله بن الزبير بن العوام ذو النسب الشريف أيضًا، فلما آل الأمر لمروان بن الحكم الذى لم تلبث جيوشه حتى دخلت مكةالمكرمة وقتلت عبدالله بن الزبير ومثلوا بجثته ولاحقوا أنصاره حتى قضوا عليهم تماما. الأمر نفسه فعله العباسيون مع فلول الدولة الأموية فقد ثبت تاريخياً أن العباسيين قد استعملوا كل الوسائل من قتل وغدر للقضاء على المعارضة الأموية، ولا يكاد يخلو تاريخ أى خليفة عباسى من وقائعه مع الأمويين، فقد تم طردهم وملاحقتهم حتى وصلوا الأندلس. نفس الأمر حدث مع ابن طولون مؤسس الدولة الطولونية الذى تخلص من أميره بقبق (بكباك) واستمال بن المدبر. كذلك فعل محمد بن طغج الإخشيد مؤسس الدولة الإخشيدية من محمد بن على المادرائى وسائر المدرائيين واستمال مؤيديهم. ثم استولى المماليك على ملك الأيوبيين حتى جاء سليم الأول فقتل رؤساءهم وأبقى على العسكر وجعل منهم مشايخ البلد فقامت المحاولات الانفصالية تباعا كان أشهرها محاولة على بك الكبير، ففطن إلى ذلك محمد على باشا فأبادهم فى مذبحة القلعة فاستطاع أن يهنأ بتأسيس دولة قوية وصلت حتى حدود تركيا. ثم جاءت ثورة يوليو البيضاء وإن لم تقتل الملك إلا أنها تخلصت من الملك بالنفى غير الصريح، وتخلصت من العائلة المالكة وصادرت أملاكها تحت مسمى القضاء على الإقطاع وأعوانه فبقيت قوية حينا من الدهر. ثم جاءت ثورة يناير مثلها مثل ثورات الربيع العربى فلم تتخلص من الأنظمة السابقة فركبها الانتهازيون والوصوليون تحت مسميات دينية، وعمل هؤلاء الوصوليون على السيطرة والتكويش على كل شىء لهم فقط، فكان عليهم أن يتخلصوا من الشعب كله ولذلك فشلوا!! وبعد أن عادت الأمور إلى مدارها الصحيح - فى مصر على الأقل- كان على النظام الحالى أن يتخلص من أصحاب النظام السابق، فهذه ضرورة لا يمكن إغفالها. وإن كنا نرى ضرورة التخلص منهم لكن ليس على طريقة التصفية الجسدية أو الاعتقال أو النفى، فالحل الأمنى وحده لا يكفى.. ولكن بمواجهة الفكرة بالفكرة والرأى بالرأى حتى نستفيد من سائر الجهود لبناء أمة قوية فى عصر التحديات، فمن أبى بعد ذلك فجزاؤه جزاؤه...علماً بأن التاريخ لا يرحم الحمقى والأغبياء!