يعتبر نظام الحكم فى أى دولة مؤشرًا كاشفًا عن حاضرها ومستقبلها، «فالحكم الرشيد» يقف على أعمدةٍ ثابتة من الاستقرار الناجم عن القبول العام بنظام الحكم وتركيبة السلطة والمناخ الذى يسود العلاقة بين الأفراد والدولة، ويحدد فى النهاية مدى حيوية النظام السياسى ودرجة تقبله، ونحن نريد هنا أن نرد على نظرية تزعم أن ظهور «داعش» وربما «القاعدة» أيضًا قبلها، إنما يرجع إلى غياب «الديمقراطية» فى دول المنطقة، وذلك فى ظنى تفسير جزئى للحقيقة، إذ إننا شهدنا «الإرهاب» يعصف بدولٍ لأسباب أخرى يكاد يكون معظمها منطلقًا من رغبةٍ فى التغيير نتيجة تطلعٍ للسلطة وبدافعٍ من شهوة الحكم. ولكن الأمر الخطير الذى يميز معظم الحركات الجهادية فى المنطقة هو أنها تستخدم الدين ستارًا وتلوذ به كغطاء لها فى مواجهة الشعوب والمجتمعات، لأنها تدرك أن «الدين» متجذر فى هذه المنطقة، كما أن معظم الأفكار التى انطلقت منها كانت ذات طابع دينى فى أغلبها أو اعتمدت على تأثير «الإسلام» فى نفوس أتباعه، فجاءت تلك الحركات التى تلجأ إلى العنف وهى تضع على رأسها «عمامة الإسلام» وتتستر به، وقد تكون تصرفاتها وممارساتها على النقيض، مما تبديه فى الظاهر وتعلنه على الناس، فالجماعات الإرهابية فى أعقد صورها تبدو وكأنها تمثل توجهاً سلفياً يعود إلى «فجر الإسلام» و«ضحاه» معتمدين على ذاكرةٍ قومية تتذكر أن «السنوسية» حاربت من أجل تحرير «ليبيا» وأن «المهدية» ناضلت فى «السودان» كما أن «الوهابية» ظلت إطاراً فكرياً لتفسير صحيح الإسلام فى أنحاء «الجزيرة العربية» بعيداً عما لحق به من افتراءات وادعاءات بل وخزعبلات! إننا أمام مشهدٍ جديد يجعلنا نتأمل العلاقة بين نظم الحكم فى جانب وتنامى ظاهرة «الإرهاب» فى جانب آخر، لكى نجد أن التفسير لا يزال جزئيًا وليس كاملاً.