تعنى كلمة درويش فى اللغة العربية الزاهد الجوال، ولكنها فى حياتنا الراهنة قد تم تحوير معناها وتغيير اصطلاحها إلى ذلك المتنطع المتفيهق والمتحذلق الذى يتكلم فى أمر العامة وهو لا يدرى شيئا ولا يعلم أنه لا يدرى، وقد تخفى ووراء زى الدين، وتخيل نفسه المتحدث الرسمى باسم الله ورسوله، وأنه مالك رسمى للحقيقة المطلقة الذى لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها. هكذا هيأ لهم خيالهم المريض، ثم أشاعوا هذا الخيال بين العامة الذين رأوا فيهم الخاصة المصطفين الذين سيخلصونهم من فساد وجبروت وطغيان الحكومات التى مرت على مصر وخاصة فى الثلاثين عامًا الأخيرة. ثم قاموا بعد ذلك بتصديق تلك الأكذوبة التى تخيلوها ثم أشاعوها عن أنفسهم ثم عاشوا فيها وأخذوا يدافعون عنها وقد تحولت أيضًا إلى حقيقة مطلقة.. وقد ساعدهم على ذلك اختيار العامة لهم فى انتخابات المجالس النيابية والرئاسة عقب ثورة الشباب المجيدة فى الخامس والعشرين من يناير، والتى لم يلحق بها دراويش الإخوان إلا فى يومها الرابع عقب فشل مفاوضات المساومة على المكاسب والغنائم التى سيقدمها لهم الحزب الحاكم ورجاله مقابل وأد الثورة فى مهدها! أما الفريق الآخر من دولة الدراويش وهم السلفيون فهؤلاء لم يشاركوا فى الثورة لا فى يومها الرابع ولا فى اليوم الأخير، ورفعوا شعار أنه لا يجوز الخروج على الحاكم ولو جلد ظهرك فاستكانوا وخنعوا. وتشكلت دولة الدراويش برئاسة الدرويش الأكبر صاحب الخطب العنترية عن محبوبته الشرعية، وحكومته من دراويش لا نعلم من أين أتوا، وأصبح برلمان الثورة أضحوكة أمام العالم كله.. فمعظم أعضائه لا يعرفون عن أمور السياسة إلا كمعرفة حلاق القرية بأمور الطب والجراحة العامة، فهذا عضو لا يفرق بين برلمان الأمة وبين المسجد فيؤذن للصلاة بدون استئذان من رئيس المجلس وكأنه يجلس فى المصلى الموجود على الزراعية فى كفر درويش، ثم يقوم الآخر منادياً وصائحا فى المجلس بإلغاء تدريس اللغة الإنجليزية فى المدارس لأنها لغة الكفرة الفجرة ! فى واقعة غريبة وعجيبة لكنها تعكس خلفية الدروشة التى جاءوا منها جميعاً ، أما الثالث فيلجأ إلى إجراء عملية تجميل لأنفه المعوج والكبير ليبدو أكثر وسامة فى نظر المعجبات وخاصة الذين سيأتون إليه فى مكتب النائب لقضاء الحوائج!! والعجيب والمريب أن العملية الجراحية كانت بأموال الشعب الذى ادعى كذبا وبهتانا بأن (البلطجية) هاجموه على الطريق الدائرى وسرقوا أموال الشعب !!! وتستمر أمور الدروشة المختلطة بسوء الأدب ليتطاول أحدهم على فنانة مشهورة ويتهمها فى عرضها دون أن يأتى بشاهد واحد وليس بأربع كما قال الشرع !! ثم يضبط نائب آخر فى موضع للشبهات مع امرأة فى سيارة بمكان ناء.. هذا كله فى عام واحد فماذا لو استمر الحال لوقت أطول!! وهؤلاء هم الصفوة المختارة فما بالك بالعامة ولم تحقق دولة الدراويش برلمانًا ورئيسًا سوى ضياع الأمن وانتشار أفعال والتخريب والسطو على الممتلكات الخاصة والعامة، وزيادة التضخم فى ميزانية الدولة وضياع الاحتياطى النقدى.. وهم مشغولون بالاستحواذ والتكويش على المناصب السيادية فى الوزارات والمحافظات وتقسيم الغنائم حتى اختلفوا مع شركائهم السلفيين، الذى باعوهم فى أول محطة لينحازوا إلى أعداء الأمس، وينضموا لتأييد ثورة يونيو بحثا عن المكاسب التى لم يجدوها عند أصدقاء الأمس أعداء اليوم فى دروشة عجيبة ومريبة.. لكنى أقول لهم فى النهاية قد انكشفتم جميعا فلن تعودا ولن يأت بكم أحد فلا تلوموا أحدًا ولكن لوموا أنفسكم.. وأخيرًا أقول أهلا بدولة العلم والمدنية ووداعًا دولة الدراويش.