لا تقف العلاقة بين الفرد والجماعة لمجرد انتهاج أسلوب علمى فى التفكير الرشيد، ولكنها تتجاوز ذلك، لتعكس حالة مكشوفة من تضارب المصالح الذى نشهده فيما يبدو على السطح من خلافاتٍ وحواراتٍ ومواجهات، فالناس فى عصرنا الحالى يتعاملون من منطلقات مصلحية، وليست أخلاقية أو حتى عاطفية، ولا شك أن حالة التردى التى شاعت فى السنوات الأخيرة لم تأت لأن حاجز الخوف قد سقط بعد الثورة، فذلك تطورٌ إيجابى، ولكن الذى حدث هو أن حاجز «الاحترام» قد سقط هو الآخر، وذلك هو مصدر البلاء، فما أكثر الشعارات المرفوعة والتصريحات البراقة، ولكنها تخفى وراءها حالةً من الشره الشديد والنهم الواضح لمصالح فردية كامنة، فلا يعنيها صالح عام بقدر ما يعنيها تحقق الأهداف الشخصية والوصول إلى الغايات الذاتية. إن جوهر المشكلة يكمن فى ضعف الولاء واهتزاز الانتماء والرغبة فى اقتناص الفرص، وانتهاز اللحظة ولو جاءت على حساب المبادئ والقيم، بل التقاليد، إننى لا أقول ذلك من فرط التشاؤم ولكننى أقوله من فرط الرغبة فى إحداث توازن بين حاجات الفرد ومصلحة الجماعة البشرية التى تسعى فى النهاية إلى تحقيق الذات وفرض السيطرة وإعلاء دور الفرد مهما كانت التكاليف، وفى غمار ذلك تضيع الحقيقة وتطل الشخصنة من وراء ستار، وهو داء نحلم باستئصاله حتى يبرأ المجتمع من أخطر أمراضه، وبالمناسبة فنحن لا نشكك فى أهمية «الحافز الشخصى» وضرورة احترام المصالح العليا للبلاد والتوقف عن تنفيذ أجندات خاصة التى لا ننكر وجودها، ولكننا نأمل ترشيدها حتى تستقيم الأوضاع ويبدأ الوطن المكبَّل بالتآمر والمحاط بالاستهداف فى الانطلاق من جديد.