يحزننا كمصريين مسلمين ومسيحيين سماع أن هناك توترا ببعض قرانا المصرية بين مصرى مسلم ومصرى مسيحى، ونتألم كلما شعرنا أن هناك شوائب بالعلاقة التى تجمع قوالب بناء أمتنا المصرية. أيضا قول البعض إن هناك أقلية مسيحية فى مصر، وقول البعض إن هناك اضطهادا دينيا فى مصر فتلك الأقوال وغيرها يجب أن تتوقف، فنحن جميعا مصريون نشكل نسيج هذا الوطن، وبدون أى منا يفقد الوطن قيمته وتاريخه. فكل منا مصرى تشكلت حياته كإنسان مصرى، وإن كان هناك شىء من المعاناة فالكل شارك تلك المعاناة، وإن كان هناك شىء من الفرح فالكل أيضا شارك ذلك الفرح. ما يصيب أحد المصريين يصيب جميع المصريين. ولسنا فى حاجة لبرهنة ذلك. فهو واضح وجلى مع أى نجاح أو إخفاق مع أى نصر أو هزيمة لمصر ومع أى شىء يمس كرامة مصر، فالأثر يعمنا جميعاً ونتفاعل معه جميعا كمصريين، بنفس اللحظة، وبنفس الدرجة. وإذا تحدثنا عن تاريخ مصر مع الديانات سنجد أن شعب مصر القبطى ظل يعبد آلهته الفرعونية حتى بعد انتشار المسيحية على يد الرومان والبيزنطيين، فكانت المسيحية منتشرة أكثر بين اليونانيين وليس بين المصريين. ثم أعلن الإمبراطور الرومانى ثيوديوس فى عام 391م المسيحية ديانة رسمية. وبالنسبة إلى الإسلام فقد جاء إلى مصر مع العرب، ولا ننسى أن العرب هم من أبناء إسماعيل عليه السلام الذى هو بدوره ابن إبراهيم عليه السلام وهاجر رضى الله عنها المصرية الخالصة. فى البداية لم يكن بمصر مسلم أو مسيحى، فمصر كانت وستكون دوما للمصريين مسلمين ومسيحيين، فقبل الرومان هى مصر المصريين، ومع الرومان دخلت المسيحية مصر، واعتنقها كثير من المصريين، واستقر من استقر من الرومان بمصر، ومع العرب دخل الإسلام مصر، واعتنقه أيضاً كثير من المصريين، واستقر فى مصر من أراد من العرب، فالأساس فى مصر هو احتواء المصريين للآخر، وسهوله اندماج الآخر مع المصريين، رومان وعرب، مسيحيين ومسلمين. الأساس فى مصر هو وجود المصريين. أنا فقط أريد بتلك المقدمة العودة إلى أن الأصل لجميع المصريين الذى يشترك فيه الجميع هو مصر... وأن المصريين المسلمين والمصريين المسيحيين كلهم مصريون. كنا دوما من أوائل الشعوب التى تسعى إلى الدين والإيمان بالله والإيمان بالبعث، لأن بداخلنا رغبة لوجود دين فى حياتنا، حيث نرى فى وجود الله أمانا لنا بالحياة وبعد الموت. وإلى الآن، مازال التدين من سماتنا، لأن جينات التدين راسخة بثبات فى أجسانا منذ آلاف السنين، كمصريين. ولا بد من الاعتراف أننا كمصريين من أكثر شعوب العالم تدينا، مسلم و مسيحى، فالدين هو العامل الأساسى لتشكيل الثقافة الشخصية للغالبية العظمى من أفراد الشعب المصرى. والاختلاف الوحيد الذى يكمن فينا الآن هو جوهر الدين الذى ندين به. ولعل هذا هو السبب الرئيسى لطيبة شعبنا المصرى. لأن الروحانيات التى نحيا بها وتغلف تعاملاتنا تجعل منا شعبا طيبا. وإذا ذهب أى منا إلى القرى أو النجوع وتعامل مع بعض المصريين هناك، من الصعب استطاعة التفريق بين مصرى وآخر، فنفس الآمال ونفس الماضى ونفس الحياة يشترك فيها الجميع. فقط يلاحظ الاختلاف عند التطرق فى الحديث إلى الدين. ولكن الدين لايجب أن ينسينا مصريتنا، فقداسة الدين وأهميته لا تتعارض مع قداسة الوطن وأهميته. ولننظر لدول العالم المتقدم، ليس به هذه العصبية للدين التى تظهر من آن إلى أخر بمصر، فالأساس فى تلك الدول هو الوطن، وأى رابط آخر يمكن أن يولد الحديث عن أقليات داخل الدولة هو من الأمور غير القابلة للنقاش والتى يتم- بحسم وبسرعة متناهية- حلها والسيطرة عليها، هذا إن وجدت... فالكل يحمل هوية الوطن التى تحتوى الجميع، وذلك كى لا يستخدم بالدولة لفظ أقلية، أى كانت الهوية التى ستجتمع حولها هذه الأقلية. ولنأخذ مثالا على ذلك فرنسا مثلا، هناك مناطق كان لها لغتها المميزة، أتحدث هنا عن لغة وليس عن دين، ولأن ذلك يعنى وجود أقلية، فالحكومة الفرنسية منعت تدريس هذه اللغة بل عاقبت من يتعلمها وأصبح تعلمها سرا... وبفرنسا أيضا هناك العديد من الجزائريين والمغاربة والتونسيين المتجنسين بالفرنسية وما زالوا مسلمين ولكن دور الدولة الفرنسية هو المساعدة على أن يتم إدماجهم مع الثقافة الفرنسية، لتتجنب مشاكل تكون أقليات بالمجتمع الفرنسى. فالدولة تحدد الملامح التى ترغب فى بناء المواطن على أساسها لتشييد مواطن سليم.. ونشأة المواطن لا تتم بطريقة عشوائية... ولكن هناك سياسة للدولة... وهناك هدف للدولة وهو أن يكون جميع المواطنين لهم نفس القالب... القالب الذى تريده الدولة للمواطنين بغض النظر عن الدين... فلا يترك تكوين المواطنين للنمو بشكل عشوائى بدون رعاية من الدولة... وهذا الدور للدولة لا يتعارض مع وجود مسلمين ومسيحيين. التساؤل الآن : أين دور الدولة ومؤسساتها فى تحديد ملامح وبناء قالب للإنسان المصرى بغض النظر عن دينه؟ أين درو الدولة ومؤسساتها أثناء تشكل الاتجاهات الفكرية للأفراد المسئولين من الدولة بالمراحل العمرية المختلفة؟ أين دور الدولة ومؤسساتها لجعل الخطاب الدينى المسلم والمسيحى خطابا جادا وبناء، يدعو للعمل من أجل الوطن، يدعو للتسامح والتعاون والتعاطف لن أقول مع الآخر ولكن مع النفس لأننا جميعاً مصريون، كيان واحد، نفس واحدة، آمال واحدة، طموحات واحدة، معاناة واحدة، أرض واحدة، سماء واحدة، ماض واحد، حاضر واحد، مستقبل واحد. أين دور الدولة ومؤسساتها لكى لا تترك مجال لأجندات خارجية وداخلية، أجنبية وعربية، مسلمة ومسيحية بالتعاون مع بعض الأيادى الخبيثة داخلياً للعبث بأفراد الوطن بهدف واحد فقط هو بعثرتنا وتشتيتنا لإضعافنا داخليا وذلك بتوجيه اهتماماتنا ومقدراتنا دولة وشعبا للانشغال بمواجهة تلك المشاكل الداخلية المفتعلة... وما يترتب على ذلك بالتأكيد لن يكون فى صالح الوطن... حيث سنفقد قدرتنا للقيام بدورنا الخارجى ونترك المجال لجميع المستفيدين والمتربصين بنا. فى النهاية: ليس المطلوب من الدولة ومؤسساتها أن تجفف منابع الدين من الوطن أو محاربة الدين، فهذا يعطى أرضا خصبة لأجندات خارجية مسلمة ومسيحية أو غيرها لزراعة مذاهب واتجاهات دينية أخرى. المطلوب من الدولة ومؤسساتها هو الحفاظ على الاعتدال الدينى المسلم والمسيحى للإنسان المصرى، والمشاركة بصورة جادة فى تحديد وتشكيل القالب المطلوب للإنسان المواطن المصرى بدلا من تركه ينمو عشوائيا ويصبح هدفا سهلاً ليتلاعب به من يشاء. المطلوب من الدولة ومؤسساتها هو رعاية مصرية المصريين والحفاظ عليها. أرجو ألا ينسى أى مصرى ما قدمه المسيحيون لمصر أرجو ألا ينسى أى مصرى ما قدمه المسلمون لمصر آسف... أرجو ألا ينسى أى مصرى ما قدمه المصريون لمصر.