يحاول سوريون استراق الحياة بمتابعة نهائيات بطولة كأس العالم لكرة القدم المقامة حاليا فى البرازيل، رغم الحرب الدائرة فى البلاد منذ أكثر من ثلاثة أعوام، لكن الظروف أجبرتهم على تغيير ما اعتادوا عليه خلال البطولة الكروية، فلا أعلام ولا مقاه، ولحسن الحظ فقد توفر النقل بشكل مجانى لبث المباريات. رغم أن المتابعة لمباريات المونديال فى حدودها الدنيا، ولا تتصدر اهتمامات السوريين، لكن البطولة حظيت بمتابعة قطاع لا بأس به. أبومعتز، موظف فى الثلاثينيات من عمره، مولع بلعبة كرة القدم، قال إن "المونديال لا يتكرر إلا مرة خلال أربعة أعوام، لذلك فإن المتابعة لازمة وضرورية". واستطرد :"أعلم أن الظروف فى بلدى سوريا غير مواتية لأى اهتمامات جانبية لكن هذه الظروف مستمرة ولا يوقفها مونديال أوغيره". وشددت زوجته ميرنا على رأيه، قائلة إنها تقوم بمشاهدة المباريات معه، وتحاول تفهم ما يجرى رغم ضحالة ثقافتها الكروية، لكنها رأت فيها قاسما ممتعا لمشاهدتها مع زوجها، ونسيان مآسى الحرب فى بلدهم. وأوضحت ميرنا أنه رغم الظروف الحالية فإن مشاهدة مباريات رياضة كرة القدم، لا تؤثر لا سلبا ولا إيجابا على الأوضاع، لذلك فإن التمتع بالمشاهدة لن يضر أحدا. ويرى منير أن الرأى الكروى لا يجب أن يتعارض مع الرأى الوطني،لافتا إلى أن ظاهرة التعبير عن المتابعة لفريق معين أوتشجيعه من خلال رفع علمه تراجعت بشكل كبير، فلم يعد يجرؤ الكثيرون على رفع أعلام منتخب دول وبلدان، خاصة منها تلك المعادية للنظام فى سوريا خوفا من ردود فعل عناصر مسلحة موالية له. وأوضح منير: "أنا أشجع فرنسا، وفرنسا تعد من الدول التى تلعب دور رأس حربة فى التحريض على قيام عمل عسكرى ضد النظام فى سوريا لا أجرؤ نهائيا على التعبير صراحة عن تضامنى مع المنتخب الفرنسى، كما أننى لم أقم بوضع أى علم على نافذتى". وأثر الصراع الدائر فى البلاد بشكل كبير على إعلان المتابعين والمشجعين السوريين لمنتخبات دول غربية صراحة عن ذلك، فلم يعد يستطيع أى مشجع لمنتخبات أوروبية تعليق أعلام تلك الدول، وسجلت عدة حالات، قامت عناصر مسلحة بنزع الإعلام وحرقها مباشرة، وكيل الشتائم لكل من علق تلك الأعلام سواء كانت فرنسية أوألمانية أوبريطانية على سبيل المثال. ويقول أبوفراس أحد من تعرض لهذا الموقف: "لقد تم اتهامى بعدم الوطنية لمجرد رفعى علم ألمانيا على شرفتي، من قبل عدة عناصر مسلحة موالية للنظام"، مضيفا :"حاولت أن أشرح لهم أن ذلك فقط تشجيع للمنتخب الكروى، لكن مجرد نقاشى لهم كاد أن يتطور لمحاولة ضربي، لذلك قبلت بكلامهم والتزمت الصمت بعد أن مزقوا العلم وأحرقوه". على الجانب الآخر، لم يقابل تعليق مشجعين سوريين لأعلام دول كروسيا وإيران أودولة من دول البريكس أى منع، بل على العكس، لوحظ تعليق العلم السورى (المعارضة تعتبره علم نظام بشار الأسد ولديها علم غيره) إلى جانب تلك الأعلام، فى محاولة للتعبير عن مدى التضامن معهم، ما يشير إلى تأثر الرياضة، والقسم التشجيعى فيها، بالرأى السياسي. ويرى أبوصالح أنه من المعروف أن إيران وروسيا من الدول التى تقل حظوظها عن بقية المنتخبات، "لكن مواقفها الوطنية تجاه أزمتنا الحالية يجبرنا على تشجيعها والوقوف جنبها فى مبارياتها". ويرفض معظم السكان فى سوريا مؤخرًا التعريف باسمهم الحقيقى خوفا من مسلحى النظام وأحيانا مسلحى المعارضة إذا وصلوا لمناطق سيطرة النظام ولفت إلى أنه يشجع البرازيل، وهى من دول "البريكس" التى لها أيضا مواقف جيدة من الأحداث فى سوريا، مشيرا إلى أنه لوكان يشجع منتخب اتخذ خطوات معادية لسوريا لامتنع فورا عن تشجيعه. الاهتمام بمتابعة مباريات كأس العالم، اصطدم بعوائق عدة، بدءا من مشكلة الكلفة المرتفعة للاشتراك بالقنوات المشفرة الناقلة للمباريات، ولم تنتهى بالكهرباء التى تنقطع لساعات طويلة، قد تشمل مواعيد مباراتين. ولفت قيس إلى أن قناة "المونديال" المحلية التى افتتحت مع بداية فعاليات كأس العالم حلت مشكلة الاشتراكات المرتفعة، وراقت للكثيرين من محبى ومتابعى هذا الحدث، لكنها لم تستطع حل مشكلة الكهرباء، متابعا :"الرمد أحسن من العمى". وافتتحت قناة على تردد محلى تقوم ببث مقرصن لمباريات كأس العالم، وتبدوواضحة عملية السرقة، إذ أن الصورة المنقولة تأتى من قناة والصوت المنقول من قناة أخرى. أما بالنسبة للمقاهى، فقد حاول البعض منها مواكبة الحدث والاستفادة منه، لاسيما مع ارتفاع أجور الاشتراكات لمشاهدة النقل النظامى لبث المباريات، من خلال وضع عروض مناسبة لروادها من حيث السعر والخدمة. وأوضح أحمد مدير أحد المقاهى فى ساروجة إن زبائن المقهى يتوافدون لمشاهدة المباريات لاسيما ذات التوقيت المبكر، مشيرا إلى توفر مولد طاقة كهربائية للتغلب على مشكلة انقطاع الكهرباء التى تعانى منها المدن السوريا. وبرغم الظروف التى تمر بها البلاد من حرب أدت إلى غلاء فاحش فى الأسعار وتردى الحالة الأمنية، مع انتشار المعارك والاشتباكات وتساقط القذائف، فإن محبى الكرة المستديرة ما زالوا يحاولون متابعة أهم حدث عالمى للعبة، ومشاهدة نجومها وهم يتألقون، على أمل أن ينتهى الصراع الدائر فى بلدهم.