يعيش المصريون فى عصر كثر فيه الفساد، وكثر فيه أيضاً الأشخاص ذوو النوايا السيئة مداخل الفساد ثمانية، أولها أن أحدا لا يشير إليه بوضوح، وثانيها أن يفهم الناس صور الفساد حسب مزاجهم، وبقية المداخل أن تنسى العقول مقدمات كل فكر منطقى، ويتم التسليم بتصالح الفساد مع كل عصر. فى ذلك العصر تماوج رجالات السلطة وأصحاب الجاه يستأثرون بكل حمامات المتعة، ويسطون على القضاة بأعراف وقوانين تصنع أحزمة العفة، وكان صلاح أمر الرجال والنساء قرين بانتشار الحرية ووضوح النوايا بين الجميع. فى عصرنا الحديث تخلو الساحة من ديمقراطية اختيار القيادات، وتمتلئ شاشات العرض العام بفضائل من يعيثون فى أرض مصر ظلاما وفسادا، وأصبح لبعض المسئولين ألقابا طويلة ومكاتب مكيفة، يتواثبون كل يوم على مناصب كل سلطة، ويمرحون فى حجر كهنة كل منصب، فى مثل هذا العصر يفقد الناس معيار الحكم على الفساد، ويناور المسئولون فى تمهل وترقب قاصدين أن ينحاز القضاة فى أحكامهم على الفساد والمفسدين، هكذا تتهاوى القيم فى المجتمع، الضعفاء يلبسون أحزمة العفة والفاسدون يهربون من كل قيد. فى كل عصور النهضة لا يجهض الفساد غير الفحص العلنى لحزام عفة كل الموظفين وجالبى الرزق وصانعى القيم قيل «إنما الأممُ الأخلاق ما بقيت فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا» لا أدعى الصلاح ولا الإصلاح ولا أزكى نفسى، وإنما اجتهد ومن اجتهد وأصاب فله أجران، ومن اجتهد وأخطأ فله أجر الاجتهاد، وحسبى أجر الاجتهاد.. وما أكتبه هو من منطلق وطنى وحبى لبلدى مصر.. وحباً فى أن تكون مصرنا الحبيبة دوماً وأبداً فى الطليعة. وإذا ما حاولنا تعريف الفساد فلا نجد له تعريفاً محدداً، فهو قد يعنى فى علم الاقتصاد شيئاً وفى علم السياسة شيئاً، وفى علم القانون شيئاً وفى علم الاجتماع شيئاً وفى علم الإدارة شيئاً آخر.. إلخ ومهما اختلفت التعريفات فى بعض جوانبها إلاَّ أنها جميعاً تعبر عن مفهوم الفساد الذى يعنى فى اللغة «خروج الشىء عن الاعتدال والمألوف مثل: التلف، والعطب، والاضطراب، والخلل، وإلحاق الضرر.. والكثير من الناس يحصر الفساد بمفهوم الفساد الإدارى أو الاقتصادى «المالى» الذى يعنى بالسلوك الذى يخالف الواجبات الرسمية للمنصب العام تطلعاً إلى تحقيق مكاسب خاصة مادية أو معنوية.. وهو كما حددته "منظمة الشفافية الدولية" بأنه: «كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية لنفسه أو لجماعته.. فالفساد الإدارى: أن يكون ممارس الفساد موظفاً فى المؤسسات العامة أو المختلطة ويستثمر موقعه لممارسة الفعل غير المألوف».. وقد ربط الفساد بالإنسان منذ الأزل حيث قال رب العزة «وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعلُ فى الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إنى أعلم ما لا تعلمون»، لذلك من القصور أن ننظر للفساد من المنظور الإدارى أو الاقتصادى فقط، فالفساد بمفهومه العام أعم وأشمل، فهناك أعمال إفساد تصدر من أشخاص ليسوا منتمين إلى وظيفة عامة أو خاصة وقد يكون المفسد من أفراد يعملون فى الدولة، ولكنهم لا يستثمرون مواقعهم الوظيفية فى تلك الأعمال، الأمر الذى ينفى عن ممارستهم صفة الفساد الإدارى ويجعلها أقرب إلى الفساد بمعناه العام، مثل عملية التهريب والثأر... إلخ، كما أن الكيل بمكيالين أو ممارسة الكذب نوع من أنواع الفساد، والإحجام عن الحق هو فساد، والخيانة وتدبير الدسائس والحيل ضد بعضنا البعض من أشد أنواع الفساد الذى يقود إلى الفساد الأخلاقى والاجتماعى.. عجباً لأولئك الناس كيف ينظرون إلى أنفسهم - الهينة بأفعالها - باحترام ورضى وكيف لهم أن يعتبروا أنفسهم من أولئك الشرفاء البانين للأوطان؟! والوطن برىءٌ منهم..