صدق الرئيس مبارك عندما قال رداً على ما كتب وقيل فى مصر عن الفساد فى الدولة بأن الفساد ظاهرة عالمية وموجودة فى كل مكان، ما قاله الرئيس حقيقة ولكن هناك أموراً فى موضوع الفساد أعتقد أنه يجب توضيحها. أولاً: الفساد له حجم وقد تضخم الفساد وارتفعت درجته وزادت خطورته، وقد تأسست هيئات دولية محايدة لقياس درجة الفساد فى كل دول العالم وتقرير الفساد هو مواز لتقرير الشفافية وللأسف الشديد تقع المنطقة العربية بأكملها فى ذيل الجدول بما يعنى أن الفساد مستشر وخطير وتقع مصر فى وضع سيئ فى المنطقة العربية، مما يشير إلى حجم هائل للفساد. نعم الفساد فى العالم كله، ولكن هناك درجات من الفساد، البسيط والمتوسط والأكبر من المتوسط والكبير والعظيم والأعظم، ونحن نقع فى دائرة الفساد الأعظم. ثانياً: هناك الفساد الصغير وهو متواجد فى دول العالم الثالث فقط وهو الفساد المتمثل فى عسكرى البوليس الذى يتقاضى خمسة جنيهات ليسمح لراكب السيارة بالوقوف فى الممنوع أو موظف الشهر العقارى الذى يأخذ عشرة جنيهات لكى تمر الأوراق فى مسيرتها الطبيعية دون تعقيدات ومعوقات أو الذى يشترى لك تذكرة القطار مقابل خمسة جنيهات بدلاً من الوقوف بالطابور- بالطبع بالتقاسم مع موظف الشباك- هذا النوع من الفساد الصغير أصبح شيئاً طبيعياً وعادياً ومقبولاً فى مصر من الشعب ومن الدولة وحين كانت النكت زمان والكاريكاتير ينشر فى الصحف عن الشاويش الذى أخذ جنيهاً للتغاضى عن مخالفة. لم تصبح مثل هذه الأمور نكتة أو محل غضب أو حتى زعل من أحد. ثالثاً: هناك فساد متوسط يقوم به بعض الأفراد كتهريب سلعة مثلاً أو غش منتج تجارى وهذا الفساد يكون نتيجة إهمال الدولة فى ضبط الفساد ومحاكمة المفسدين أو بشراكة الدولة ممثلة فى صغار أو كبار موظفيها حسب درجة الفساد ونوعه فالتغاضى عن التهريب وإعطاء ترخيص لسلع مزورة ومغشوشة ومضرة يتم بواسطة أجهزتها، وهؤلاء الفاسدون من الجانبين يستطيعون أن يصبحوا من الأغنياء فى صفقة فاسدة واحدة. رابعاً: هناك الفساد الأكبر والذى يتمثل فى مئات الألوف يدفعها المقاولون لكبار موظفى الدولة عند رسو العطاء عليهم، ومرة أخرى عند تسليم مشروع غير مطابق للمواصفات، وهذا أمر أصبح روتينياً وطبيعياً ومعروفاً للجميع فى أى مناقصة حكومية وهو يتمثل أيضاً فى العمولات الضخمة التى يتقاضاها عدد من المسؤولين من وكلاء الشركات العالمية لقبول عرض ورفض الآخر وبصفقة واحدة يصبح الوكيل مليونيراً وتستورد الدولة المنتج الأقل جودة، وربما الأغلى ثمناً، وهناك أمثلة كبيرة فى هذا النوع من الفساد خلقت طبقة عريضة من المليونيرات من كل من رجال الأعمال والموظفين المتعاونين معهم، ويدخل فى هذه النوعية من الفساد الوزير الذى يحصل على أكثر من فيلا من وزير الإسكان ويبيعها بعد عام بخمسة أو عشرة أضعاف الثمن الذى اشتراها به، ولم يعد هذا يعتبر نوعاً من الفساد من كثرة انتشاره، بل أصبح حقاً مكتسباً لجميع المسؤولين. خامساً: الفساد الأعظم: يدخل فى نوعية هذا الفساد بضعة أفراد لهم علاقة وثيقة بالسلطة السياسية وعن طريق النفوذ الهائل حصلوا على أراض شاسعة لتسقيعها وبيعها بأضعاف أضعاف ثمنها، وهناك القلة من هذه الفئة التى احتكرت سلعة أساسية عن طريق مساعدة الدولة بطرق فاسدة ولكن يمكن طبخها بطرق تبدو عليها مسحة قانونية باهتة. وهناك من احتكر خطاً ملاحياً مهماً بسفن وعبارات متهالكة وحقق مئات الملايين من الأرباح دون وجه حق حتى غرقت عبارة بأكثر من ألف مصرى، ومضى لحال سبيله دون أى عقاب. سادساً: تحارب الدولة المصرية الفساد بطريقتين، الأولى محاكمة أحد الفاسدين من متوسطى القامة من حين إلى آخر، والثانية مكافأة بعض كبار الفاسدين بوظائف عليا ورواتب تقدر بالملايين. سابعاً: يحاول العالم كله أن يقاوم الفساد ويتفق على آليات لمحاربته، وكان منظراً لطيفاً ومسلياً فى المؤتمر الأخير أن نرى مندوبى الدول الفاسدة ومن ضمنها مصر وهى متحمسة بشدة للرفض التام لمشروع مكافحة الفساد بدعوى عدم السماح بالتدخل فى شؤونهم الخاصة بينما الولاياتالمتحدة لا تتدخل فقط فى الشؤون الخاصة لهذه الدول، وإنما تعطى أوامر واجب تنفيذها، عاشت دول الفساد والمفسدين.