على هامش الحادث يقف فى وضع المراقب ممسكاً بعدسة تسجيل اللحظة التى تقشعر لها الأبدان بينما لا يحرك هو ساكناً أمام جريمة بشعة أو حادث تحرش قد يصل لحد هتك العرض وموت الضحية، ويبقى هو بطل المشهد الذى يقف خلف الكاميرا معلناً عن تركيبة معقدة لشخصية لا تقل جرماً عن مرتكب الحادث نفسه، كما يبقى دوره أكثر فعالية من مرتكب الحادث بتسجيل الجريمة وتصويرها كاملة دون تدخل، بل وإضافة بعد آخر لجرائم التحرش وهو "فضح" الأمر ونشره علناً، دون مراعاة الاعتبارات الأخلاقية أو الاجتماعية لما تسجل عدسته من لحظات قد تزيد من سوء الأمور أكثر من إصلاحها. تصوير الفضائح والتلذذ بنشرها وتداولها، هى واحدة من الجرائم الاجتماعية التى بدأت فى الظهور على السطح بقوة فى الفترة الأخيرة، وخاصة فى حادث التحرش الأخير بفتاة فى ميدان التحرير، وهو مقطع الفيديو الذى آثار تساؤلاً عن شخصية المصور الذى تحمل البقاء صامداً أمام ما يحدث لتصويره كاملاً، والحرص على نشره، ورغم أن هذه الظاهرة ليست جديدة..إلا أنها تزايدت فى الآونة الأخيرة..وساعد فى انتشارها مواقع التواصل الاجتماعى وموقع اليوتيوب، وانتشار الهواتف المحمولة والكاميرات، التى خلقت ظاهرة جديدة مما أطلق عليه علماء النفس والاجتماع "التحرش السلبى". مقاطع فيديو الجرائم، والأفلام القصيرة التى انتشرت مؤخراً لنشر ظاهرة التحرش بالصوت والصورة، واضعة بقعة ضوء إعلامية على ظاهرة وصلت للذروة وحددت أركان الجريمة كاملة بداية من شرارة الحادثة وحتى توضيح هوية المغتصب أو المتحرش، ووجه الضحية، ووصولاً لانتهاء الجريمة وتسجيلها كاملة، هى المقاطع والأفلام التى وضعت إلى جانب الأبطال السابقين، بطلاً جديداً لا يظهر وجهه ولا يعلن عن هويته، وهى الشخصية التى يصفها علم النفس بالشخصية السيكوباتية التى لا تتألم لآلام الآخرين، وتحولت مع الوقت وكثرة المقاطع التى تظهر حوادث التحرش إلى ظاهرة موازية لا تقل خطورتها الاجتماعية عن ظاهرة التحرش نفسها كما أكدت الدكتورة "هبة عيسوى" أستاذ الطب النفسى بجامعة عين شمس والتى تحدثت عن معالم شخصية مصور "جرائم التحرش" قائلة: مع انتشار ظاهرة التحرش وتطور وسائل التوثيق بداية من الهواتف المحولة ومواقع التواصل الاجتماعى، ظهرت ظاهرة أخرى يمكن تعريفها بالتحرش السلبى، وهى الظاهرة التى يقف فيها البطل خلف الكاميرا متلذذاً بتسجيل الحادث دون أن يحرك ساكناً، وهى شخصية تتسم بالسيكوباتية أو الشخصية التى لا تتألم لآلام الآخرين، إلى جانب كونها شخصية أنانية جداً، تسارع للتفاخر بتسجيل الحادثة ونشرها دون النظر إلى المعايير الأخلاقية والاجتماعية، وهو ما ظهر على هامش ظاهرة التحرش التى أضاف لها المصور بعداً آخر لا يقل خطورة عن ظاهرة التحرش نفسها، وهو بعد الاتجاه إلى الفضائح ومتابعتها. وتكمل "عيسوى": الشخصية التى تميل إلى تصوير جرائم التحرش غالباً ما تعانى من اضطرابات نفسية، وقد يصل حد الاضطراب إلى استخدام هذه المقاطع فى الاستثارة الجنسية، ونشر الجرائم كنوع من الأفلام أو المقاطع الإباحية دون النظر لحجم الألم الذى تتعرض له الضحية، وهو ما يدخل فى نطاق السادية أو الميل إلى تعذيب للآخرين. أما عن الرأى السائد فى دور هذه المقاطع فى كشف الظاهرة فتحلل "عيسوى" قائلة: إذا كانت النية من تصوير هذه الجريمة فضح المتحرش فالأولى هو وصول هذه المقاطع للشرطة أو المسئولين عن حساب المتحرشين، وليس نشرها على الملأ، مراعاة لظروف الضحية، وهو ما لم يحدث فى أى جريمة سابقة تم تصويرها ونشرها، ويجب معاقبة "المتحرش السلبى" كجزء من الجريمة، لأن خطورته لا تقل عن المتحرش نفسه. رأى آخر عقّب به الدكتور "محمد غنيم" أستاذ علم الاجتماع عن تصوير جرائم التحرش والميل لنشرها قائلاً: نشر الفضائح وتصوير جرائم التحرش، نوع من أنواع الفوضى الاجتماعية والأخلاقية التى انتشرت فى الفترة الأخيرة لغياب السيطرة على المجتمع وانفتاح الإنترنت، وهو نوع جديد من التحول الاجتماعى المتلاحق الذى عاشته مصر فى السنوات الأخيرة، وكان نتيجة لعدد من المتغيرات السياسية والاجتماعية والأخلاقية التى خلقت تركيبة اجتماعية مختلفة تماماً عن التركيبة المصرية المعروفة. ووصف "غنيم" هذا النوع من السلوك بأنه أصعب وأخطر من ظاهرة التحرش نظراً لصعوبة السيطرة عليها وأضاف: السيطرة على المتحرشين والحد من ظاهرة التحرش ممكناً رغم صعوبة تحقيقه، ولكن الأصعب هو السيطرة على سلوك نقل الفضائح أو تصوير الجريمة لأنه راجع لحرية يتيحها الإنترنت وسهولة التواصل والنقل والمتابعة من خلال مواقع التواصل الاجتماعى، وهى الظاهرة التى يجب لمحاربتها ومواجتها وتعديل سلوكيات الأفراد، والعود إلى القيم الاجتماعية التى نشأنا عليها.