عادت بريطانيا التي كانت يومًا صوتًا لنزع السلاح النووي، لتقود سباق التسلح الذري، تحت مظلة «الردع النووي»، وبحجة «مُواجهة التهديدات الروسية»، حيث يُراهن مراقبون أن لندن يُمكن أن تجرّ العالم إلى عصر ما بعد الحرب الباردة نحو مُواجهة نووية مفتوحة. ففي تحليلٍ ناري، حذر الكاتب سيمون تيسدال وهو معلق الشؤون الخارجية بصحيفة «الجارديان» البريطانية، من أن حكومة رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر تقود البلاد إلى مسار بالغ الخطورة بإعادة تحديث وتوسيع ترسانتها النووية، كما كشفته مراجعة الدفاع الاستراتيجية لعام 2025. ويرى تيسدال، أن هذه الخطوة لا تُهدد فقط جهود نزع السلاح الدولي، بل تُؤجج أيضًا سباق تسلح عالمي تقوده قوى كبرى مثل الولاياتالمتحدة، وروسيا، والصين، في وقتٍ تتصاعد فيه النزاعات وتنهار فيه أنظمة ضبط الانتشار. اقرأ أيضًا| تحذير ألماني من معركة وشيكة بين روسيا والناتو| هل تستعد أوروبا لحرب باردة جديدة؟ تفاصيل نزع السلاح النووي بحسب التحليل ذاته، ما يحدث اليوم يُمثل قطيعة تامة مع المواقف التي تبناها حزب العمال البرريطاني في التسعينيات، حين قاد وزير الخارجية آنذاك روبن كوك حملة لنزع السلاح النووي الأحادي، وساهم في إنهاء العمل بقنابل الجاذبية النووية. أما الآن، فتعتمد الحكومة البريطانية الحالية على سياسة "ردع مُعسكرة" توصف بأنها لا إنسانية، لا أخلاقية، وربما تنتهك القانون الدولي.. والأخطر من ذلك، لا تملك بريطانيا الإمكانيات الاقتصادية ولا الزمن الكافي لتنفيذها بنجاح، وسط أزمة مالية خانقة تجتاح البلاد. فيما برر رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر ضخ 15 مليار جنيه إسترليني إضافية لتصنيع رؤوس نووية خاصة بغواصات "دريدنوت" الأربع، رغم أن المشروع الأساسي يبلغ أصلاً 41 مليار جنيه، ويشهد تضخمًا متسارعًا في تكلفته. ورغم حديثه عن "تغير التهديدات العالمية"، يلفت التحليل، إلى أن الواقع لم يتغير كثيرًا منذ الحرب الباردة، فالدول النووية ما تزال مُتمسكة بترساناتها النووية، وبعضها عزّز قدراته بشكل لافت، خاصة الصينوروسيا. ومع تدهور البيئة الأمنية، تزداد الدول النووية تمسكًا بسلاحها الذري، رغم الالتزام القانوني بنزع السلاح "بحسن نية" وفقًا للمادة السادسة من معاهدة عدم الانتشار النووي (NPT) لعام 1970. ويبدو أن بريطانيا تسير على نفس الطريق، رغم مزاعمها المتكررة بالالتزام بقيادة جهود الحد من الانتشار، ويرى محللون أن هذا الموقف يُقوّض مصداقية لندن أمام الدول التي تُعارض طموحاتها النووية. بوتين انهيار نظام الرقابة الدولية على الأسلحة النووية يشير التحليل، إلى أن معاهدة "البداية الجديدة" (New START) التي تُعد آخر اتفاقية للحد من الترسانات النووية بين واشنطن وموسكو، ستنتهي صلاحيتها في فبراير 2026، ولا توجد بوادر حقيقية لتمديدها. كما تعاني المُعاهدات الدولية الأخرى من الشلل، بينما تضخ الولاياتالمتحدة نحو تريليوني دولار خلال 30 عامًا على مشاريعها النووية، بما في ذلك زيادة ضخمة في ميزانية الإدارة الوطنية للأمن النووي بنسبة 29%. الصينوروسيا وأمريكا.. ثلاثي سباق النار تضاعفت الترسانة النووية الصينية خلال أربع سنوات فقط، وبعض الصواريخ موجه مباشرة نحو تايوان. أما روسيا فقد استخدمت مًؤخرًا صاروخًا نوويًا تفوق سرعته سرعة الصوت في أوكرانيا. وفي المقابل، يروّج الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب لخطط دفاعية تحت شعار "القبة الذهبية"، تقلب تعهدات الحد من التسلح رأسًا على عقب، وسط هذا الجنون النووي، لا يبدو أن بريطانيا قادرة على لعب دور إيجابي، بل تتحول تدريجيًا إلى طرف مساهم في التصعيد. سيناريو مرعب.. قنابل أمريكية في سماء بريطانيا من أكثر السيناريوهات إثارة للقلق، احتمال أن تُعيد لندن استخدام قنابل نووية تُطلق من الجو، للمرة الأولى منذ أن تم إلغاؤها بقرار من كوك (وزير الخارجية البريطاني في التسعينات). ويتوقع أن يتم ذلك عبر مقاتلات F-35A أمريكية مزودة بقنابل B61-12 القابلة للتعديل، والتي يمكن استخدامها تكتيكيًا في ساحة المعركة أو ضد مواقع استراتيجية، وحتى إطلاقها عبر طائرات مسيرة، ومثل هذه الخيارات تُقرب من احتمال اندلاع حرب نووية فعلية. ستارمر يُراهن على «التهديد الروسي».. لكن بأي ثمن؟ يُصر رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر على أن "الإكراه النووي" الروسي يمثل التهديد الأكبر لبريطانيا بحسب رأيه لكن التحليل يرى أن الردع الحقيقي لا يتمثل في الرؤوس النووية، بل في القدرة السياسية على المواجهة. ويقترح التحليل، بدلًا من ذلك تعزيز الوجود التقليدي لقوات حلف شمال الأطلسي "الناتو" ودعم أوكرانيا، تمامًا كما كان الرئيس الأمريكي السابق، جو بايدن مهووسًا بالتهديدات النووية ل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، فإن ستارمر يسير على النهج ذاته، رغم أن بوتين لا يبدو مستعدًا للانتحار النووي رغم تلويحه في رسالة مباشرة إلى تجربة صاروخ «سارمات» النووي. ويُذكر أن، نظرية الردع النووي تُعاني من تناقضات حادة، بين مُهاجمة عدو نووي تضمن دمارًا ذاتيًا، بينما تهديد دول غير نووية لا يجدي نفعًا. فالخوف من قنبلة نووية لم يردع عدة بلاد من الصواريخ كما حدث في عدة حروب، ليكون السؤال، ما جدوى هذه الترسانة باهظة التكلفة إذًا؟ بحسب صحيفة «الجارديان» البريطانية، فإنه مع توقعات بخفض كبير في موازنات الصحة والتعليم والدفاع التقليدي، تُصبح الترسانة النووية عبئًا اقتصاديًا غير مبرر. ويشير التحليل، إلى أن هذه الأموال يُمكن توجيهها لمجالات حيوية كالرعاية الصحية أو تسليح الجيش البريطاني بأسلحة مناسبة بدلاً من رهانات خطرة على سلاح لا يمكن استخدامه عمليًا دون عواقب كارثية. وأشارت الصحيفة البريطانية ذاتها، إلى أنه يُمكن العودة لخيار نزع السلاح التدريجي، كالمَخرج الوحيد من الكابوس النووي، بدلاً من التورط في سباق تسلح جديد قد يفقد السيطرة عليه/ ويُهاجم محاولة الحكومة البريطانية شن حملة علاقات عامة لإقناع البريطانيين ب"ضرورة" السلاح النووي، بينما المطلوب هو تثقيفهم بمخاطر انتشاره.