نقطه دم على بنطلونى تجعلنى أشعر بالغثيان فى كل مرة أحذرها أن تغسل ملابسى جيدا لكنها بطبيعتها مهملة، أخلع بنطلونى وألقيه فى وجهها صارخا، يقع على الأرض فترفعه ببرود يقتلنى.. يمزق داخلى كل خلايا المودة تجاهها، أنهض مسرعا واستكمل ارتداء ملابسى وجسدى ينتفض غضبا. تحاصرنى ابتسامتها البلهاء متسائلة: على فين الوقت متأخر ؟ فأرد باقتضاب (مشوار) تسبقنى إلى باب الشقة، وتخرج مفتاحا كانت تدسه فى صدرها، وتغلق باب الشقة. تقف خلفه لتمنعنى من النزول و تقيد حريتى تبدو للجميع مسالمة لكننى أنا الوحيد من يرى جبروتها يشم جنونها الذى يدمر حياتنا سويا أقف فى مكانى، وكأن قدمىّ قد غاصتا آلاف الأمتار لم تطاوعنى يدى لكى أهوى على وجهها لتغرب عن طريقى نظرت فى عينيها فانطلقت نظراتها تدك قلبى دكا، وتحصد كل قدرتى على المقاومة قد أبدو أمامها ضعيفا! لكننى أبحث دائما عن السلامة، فهى شريكه حياتى وأم أولادى، عشنا سنوات طويلة لا أحصيها قسوت عليها فتحملتنى، قست على والآن اتحملها أسقطت رغبتى الغاضبة فى جوفى، وجرجرت قدمىّ وعدت إلى جلستى المفضلة أمام التليفزيون فأحسست بتنهيداتها الراضية المطمئنة، فأزاحت بابتسامة دافئة كل شحنات التوتر والتذمر داخلى تذكرت فجأة أن جورج ابنى آخر العنقود لم يصل للبيت بعد فسألتها بترقب لإجابتها، فجاءنى صمتها ونظرة حزينة ملأت ملامح وجهها الأبيض المتشرب بحمرة سمنتها (لسه ماجاش) فمددت يدى فى جيبى وأخرجت تليفونى المحمول واتصلت به كثيرا لكنه لم يرد أدركت (تريزة) أن القلق قد تسرب إلى نفسى حاولت أن تشاغلنى بالقصص والحكايات التى تحفظها وأحفظها معها عن ظهر قلب، لكننى استمتع بطريقتها فى الحكى، وانطلقت ضحكتها المتوترة تبعث قليلا من الطمأنينة فى نفسى (ما انت عارف يا اخويا جورج سهران كده مع جماعة صحابه، خليه ينبسط مش فى الإجازة) قالتها ومرارة الكلمات سقطت فى جوفها علقما. هى تعرف أن جورج ولد فاسد، لا يفرق بين إجازة ولا دراسة، ووقته كله يقضيه فى السهرات المشبوهة وتعاطى المخدرات كم من مرة انهال على أمه بسيل من الشتائم وفى أحيان أخرى ركلات طائشة لينال غرضه ويرحل وكم من الليالى سهرت تناجى (العدرا) ليزيح عنه بلاءه، ويعيده إلى حضنها من جديد، (جورج) الذى كان مضربا للمثل فى الأخلاق والحياء لملمت (تريزة ) جلستها واستعدت للنوم، ودعتنى لكى ندخل للنوم، فقد تجاوزت الساعة منتصف الليل بساعة وهى لم تعد تحتمل السهر زى زمان، لكننى قررت أن أبقى وانتظره، فربما أفلح فيما فشلت فيه تريزة مر الوقت بطيئا وأنا أنتظر حتى سمعت صوت أقدامه الهمجية وهى تضرب السلالم بعنف، انتظرت أن يدير مفتاح الشقة ويدخل، لكنى انتظرته طويلا، وظننت أنه أغشى عليه فأسرعت لكى أفتح له الباب ،فوجدته قد تكوم فى مكانه بلا حراك وآثار المخدر تملأ أنفه وشفتيه، تحسست أنفاسه فلم أجدها ..شممت رائحة الموت فى عينيه الزائغتين حاولت حمله فلم أستطع ..جاءنى صوته بلا نبض (سامحنى وخلى أمى تسامحنى) لم أصدق نفسى وأنا أحمل ما تبقى من جورج شهادة وفاته