تتضمن هذه الآيات الكريمة إشارة واضحة إلى وجه من الوجوه المعجزة لقدرة الخالق الباريء المصور، وهو تحول البويضة المخصبة -هى خلية واحدة ضئيلة الحجم- إلى جنين مكتمل وإنسان سوى بكل ما يحويه جسمه من أجهزة وأعضاء وأنسجة بملايين الخلايا وآيات فى البنيان والوظيفة، كما تشير الآيات إلى المشيئة الإلهية المطلقة فى إيجاد الجنين وتصويره فى أى صورة من الصور شاءها الله وأوجده عليها، إذ أن الله يودع فى البويضة المخصبة الدقيقة الحجم جميع المورثات (الجينات)، التى تحدد جنس المولود ونصيبه من الخصائص الجسمانية، بل ومواهبه العقلية والنفسية والسمات الرئيسية فى تكوين الشخصية الوارثة، وإن كانت تسير على قوانين ثابتة، إلا أن هذا التحديد لكل فرد بذاته من التقاء بويضة بعينها وحيوان منوى بعينه من بين الملايين من أقرانه هو من دلائل المشيئة المطلقة، حتى أنه لا يتماثل فردان فى العالم تماثلاً كاملا اللهم إلا فى قوائم البويضة الواحدة تكاد تتطابق وتفيد التقنيات الحديثة فى تصوير الجنين فى الرحم بالموجات فوق الصوتية وتتبع مراحل تكوينه ونموه، وأول ما يتكون من الجنين رأسه ومخه ثم جسمه الأساسى، ثم الذراعان والرجلان، وتبدأ الحياة عندما تنقسم البويضة المخصبة إلى خليتين، ثم بعد ذلك إلى أربع، ثم إلى ثمان، وهكذا حتى تتكون مئات من الخلايا بعد أيام قلائل، ثم تزداد تدريجياً إلى ملايين الخلايا التى تبنى أجزاء الجسم المختلفة. يبدأ قلب الجنين فى النبض بعد أربعة أسابيع فقط، رغم أنه لايكون قد اتخذ شكله الكامل بعد، وبعد ثمانية أسابيع تكون الأجزاء الأساسية كلها قد تكونت، حتى أصابع اليدين والقدمين، لكن هذا الجسم الصغير يكون فقط بحجم حبة العنب، وقبل منتصف فترة الحمل قد ينتفض الجنين ويتحرك فجأة عند الضوضاء العالية، مما يشير إلى أنه يمكن أن يسمع، وفى الفترة من مرور ثمانية أسابيع حتى الولادة، يطلق على الجنين لفظ "جنين مكتمل" وتمضى معظم هذه الفترة فى النمو فى تكوين أجزاء الجسم الصغيرة، مثل: جفون العين وأظافر أصابع اليدين والقدمين، فى الرحم المكان مظلم ولايوجد شىء يرى، ومع ذلك لايزال يحتاج إلى الأكسجين، الذى يأتيه من الأم ليبقى حياً ويتدفق دم الطفل عبر الحبل السرى الملتوى إلى جزء شبيه بالدرع وهو المشيمة فى بطانة الرحم هنا يمر دم الجنين قريباً جداً معه دم الأم ويمكن أن يتسرب الأكسجين بسهولة أو يصب فى دم الجنين، والذى يتدفق بعد ذلك عائدا خلال الحبل السرى إلى جسمه ليحصل الجنين على المواد الغذائية بالطريقة نفسها. عندما يقترب وقت الولادة تبدأ العضلات القوية الموجودة فى جدار الرحم فى الانكماش والانقباض ويؤدى ذلك إلى رفع الجنين عبر عنق الرحم وقناة الولادة حتى يخرج ويولد.