"والوالدات يرضعن أولادهن"... "وأمهاتكم اللائى أرضعنكم".. وآيات أخرى كثيرة عظيمة وردت فى القرآن الكريم عن الرضاعة والأمومة.. فهل تأملت أى أم يوما ما رضيعها وهو يرضع وقالت سبحان الله؟! هل سألت نفسها كيف خلق الله الثديين بهذا الإعجاز الرائع؟ وكيف خلق الله هذا "اللبن" وهذا الطعام الكامل للرضيع؟ هل أحد يعرف أسرار هذه المشاعر والأحاسيس الرائعة بين الأم والرضيع؟ ما الفرق بين "الرضاعة الطبيعية" التى خلقها الله وبين "الرضاعة الصناعية"؟! السطور التالية وإن كانت مثيرة للتفكير ومحيرة للعقول فإنها تعجز تماما عن وصف بديع قدرة الله وعظمته فى الرضاعة والأمومة.. فسبحان الخالق العظيم. فى آية عظيمة ينطق فيها كل حرف بالإعجاز الإلهى الرائع يقول الحق سبحانه وتعالى.. "يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شىء عظيم، يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد".. تصوير إلهى بليغ لأهوال يوم القيامة أول شئ فيه تترك كل مرضعة رضيعها، الصغير وتقول نفسى نفسى، وعلى الرغم من أنه ارتباط وثيق يستحيل على الأم أن تترك رضيعها ولهذا لانتعجب كثيراً عندما نقرأ عن حوادث الطيران وسقوط طائرة وموت كل من فيها ولكن من المشاهد المؤثرة أن نجد الأم تحتضن طفلها الصغير وتموت الأم والرضيع معاً، ولكن لأن يوم القيامة شئ عظيم والأهوال فيه شديدة نرى وهى الحالة الوحيدة أن تترك كل مرضعة رضيعها، وصدق الله إذ يقول "يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت". وقد تجلى هذا الارتباط الوثيق والعظيم بين الأم ورضيعها فى قصة سيدنا "موسى"، قال تعالى: "وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه، فإذا خفت عليه فألقيه فى اليم، ولاتخافى ولاتحزنى إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين"..، آية رائعة كلها إعجاز فعندما أوحى الله إلى "أم موسى" أن أرضعيه غرس فى قلبها الطمأنينة والسكينة والشجاعة لأن الآتى بعد ذلك مرعب ومخيف "فإذا خفت عليه فألقيه فى اليم". تصوروا أما تلقى برضيعها فى بحر هائج مظلم مخيف مَنْ مِنْ أمهات هذه الأيام تحتمل هذا الموقف الرهيب؟! ثم يطمئنها الخالق العظيم "ولاتخافى ولا تحزنى إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين".. فسبحان من له ملكوت كل شئ، وهو على كل شئ قدير، فالرضاعة بين الأم ورضيعها هى نعمة من الخالق وأحد الأسرار الإلهية التى لم يصل إلى مفاتيحها حتى الآن العلم الحديث، وعندما نقول لأمهات هذه الأيام أرضعن أولادكن يقلن نخاف من السمنة ومن ترهل الجسم ومن انحسار الجمال.. للأسف الشديد هن لايعلمن شيئا!! تأملوا معى الحرص الشديد من الله سبحانه وتعالى لإعادة سيدنا "موسى" لأمه لكى ترضعه هى بنفسها قال تعالى "وحرمنا عليه المراضع من قبل"، لكى يعود إلى أمه فترضعه وتحتضنه، ويعبر عن ذلك سبحانه وتعالى بقوله "فرددناه إلى أمه كى تقر عينها ولاتحزن، ولتعلم أن وعد الله حق، ولكن أكثرهم لايعلمون".. صدق الله العظيم. "الثديان".. ومعجزة الخالق "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة".. إن خلق "الثديين" للمرأة لإعداد لبن الإرضاع يعد من أكثر أعضاء الجسم إعجازاً يفوق كل تصور، فالثدى يوجد فى كلا الجنسين (الذكر والأنثى) إلا أنه يضمر فى الذكر ويستمر ضموره طول حياته، أما فى "الأنثى" فإنه يكون ضامراً فقط فى السنوات الأولى من العمر وقبل فترة البلوغ، ثم يأخذ فى النمو أثناء هذه الفترة ويزداد فى الحجم فى الشهور الأخيرة من الحمل وأثناء فترة الإرضاع، ويتكون الثدى من عدد من الأنسجة ومن الفصوص ومن القنوات والتى يقدر عددها من (15 20 قناة) وتتجمع هذه القنوات عند المنطقة المحيطة "بالحلمة" وهى ذلك البروز الموجود فى مقدمة الثدى وبنية اللون حيث تخترقها هذه القنوات اللبنية التى هى بمثابة مخازن صغيرة لتخزين اللبن لحين الحاجة إليه حتى لايضيع هباء بدون فائدة، وهنا تتجلى آية من آيات الله حيث إن لكل قناة لبنية فتحة خاصة بها، ولاتتجمع القنوات كلها فى فتحة واحدة، فإذا انسدت قناة واحدة أو أكثر لم يمنع ذلك بقية القنوات من إدرار اللبن غذاء الطفل الرضيع، ويتدفق اللبن من الحويصلات عبر هذه القنوات اللبنية ليتغذى الرضيع، وصدق الله إذ يقول "صنع الله الذى أتقن كل شئ".. "الله خالق كل شئ وهو على كل شئ وكيل".. "إنا كل شئ خلقناه بقدر".. ولهذا يدعونا الله أن ننظر إلى أنفسنا ونتأمل ونتفكر لأن كل عضو فينا معجزة من معجزات خلق الله، "وفى أنفسكم أفلا تبصرون".. صدق الله العظيم. أول غذاء.. وعجيب صنع الله لاشك أن العلم الحديث مهما بلغ فلن يصل بكل معلوماته إلى فيض الأسرار الإلهية فى خلقه، وهذه معلومات ضئيلة جداً عن إحدى عجائب الله فى "لبن الأم" أول غذاء للرضيع، فالثدى يفرز فى نهاية الحمل وبدء الوضع سائل أبيض مائل إلى الاصفرار يطلق عليه الجميع "لبن المسمار" ومن عجيب صنع الله أن هذا السائل عبارة عن مواد مناعية وكيماوية ذائبة تقى الطفل من عدوى الأمراض، ويحتوى على كمية هائلة من الأجسام المضادة القاتلة للميكروبات والجراثيم، وسبحان الله فهذه الأجسام المناعية هى خاصية فريدة يتميز بها لبن الأم وتوجد بكثرة فى "لبن المسمار" الذى يفرز فى الأيام الثلاثة الأولى بعد الولادة، ولذلك يجب على كل أم إرضاع طفلها فى الأيام الأولى عقب الولادة ولاتحرم طفلها من هذه النعمة الإلهية لأن هذه المواد المناعية تقاوم أمراض الطفولة مثل شلل الأطفال والحصبة والدفتريا والتيتانوس خلال الشهور الأولى من العمر حتى يتم تحصين الطفل بعد ذلك بالأمصال المناسبة، والخطورة هى فى إرضاع الطفل باللبن الصناعى لأن ليست به هذه المواد المناعية الموجودة فى لبن الأم ولذلك يصبح جسمه عرضة للإصابة بالأمراض المعدية. أثبت أحد الأبحاث الحديثة الهامة فى جامعة هارفارد أن نمو الطفل الذهنى والفكرى ودرجة ذكائه تعتمد كثيرا على الغذاء الذى تناوله فى فترة الرضاعة، ولأن نمو المخ والجهاز العصبى أكثر بكثير فى الأطفال عنه فى الحيوانات، نجد أن لبن الأم يحتوى على نسبة كبيرة من "سكر اللاكتوز" أكثر من نسبته فى لبن الحيوانات، لأنها هى الحكمة الإلهية التى تخص لبن الأم بذلك لتجعله أفضل غذاء للطفل، حيث ثبت علميا أن الأطفال الذين تربوا على ألبان بشرية وآدمية "أذكى" من هؤلاء الذين رضعوا ألبانا صناعية، فهناك حمض أمينى يسمى "تيورين" يوجد فى لبن الأم ويساعد على نمو خلايا المخ مما يؤدى إلى ارتفاع نسبة الذكاء عند الطفل الذى رضع طبيعيا وهو ما لايحققه اللبن الصناعى، ولا نملك إلا أن نسجد الله شكراً ونردد "صنع الله الذى أتقن كل شئ". لبن الأم.. وأسرار العليم القدير لايقف الإعجاز الإلهى عند حد بل هو متدفق إلى يوم الدين وهو ما يدهش العلماء عندما يرون كل جديد فى تكوين لبن الأم، فهو يحتوى على كمية عالية من المواد البروتينية والأملاح المعدنية والسعرات الحرارية وهذه كلها ضرورية لنمو جسم الطفل الرضيع وبناء أنسجته وخلايا جسمه، كما أن لبن الأم غنى بالفيتامينات ويحتوى على عناصر الكالسيوم والبوتاسيوم والفوسفور والحديد والنحاس، لقد خلق الله لبن الأم ليناسب تماما احتياجات نمو الطفل وسبحان الله لاحظ العلماء أن نسبة الدهون والبروتينات فيه تتفاوت فى أول الرضعة عن آخرها فتزداد البروتينات فى بداية الرضاعة حتى تمد الطفل بالعناصر اللازمة لبناء خلايا جسمه ثم تبدأ نسبة الدهون فى الزيادة حتى تعطى الطفل الإحساس بالشبع فى نهاية الرضعة، وهذه الخاصية ينفرد بها لبن الأم ولاتتوافر فى اللبن الصناعى لأن تركيبه ثابت من أول الرضعة حتى آخرها، ولبن الأم يصل إلى الطفل الرضيع فى درجة حرارة مناسبة هى حرارة جسم الإنسان، وهو غذاء معقم لم تلوثه الأيدى ولم يتعرض للميكروبات والجراثيم ولا المصانع ولا المتاجر وهو ما لايتوافر فى اللبن الصناعى الذى يتلوث ويسبب الكثير من الأمراض للطفل الرضيع، كما أن اللبن الصناعى تزيد فيه نسبة الدهون فتزيد السمنة فى جسم الطفل وقد تسبب له تصلب الشرايين والذبحة الصدرية وارتفاع ضغط الدم وجلطة المخ، ولبن الأم جاهز فى كل وقت تحت أمر الطفل.. فتبارك الله أحسن الخالقين. ولولا أن المقال قصير لكنت تحدثت كثيراً عن الإعجاز الإلهى فى "لبن الأم"، ويكفى أن تعلم كل أم تقوم بإرضاع طفلها من ثدييها نادراً ما تصاب "بسرطان الثدى"، وهو ما أذهل الأطباء عندما أكدت لهم الأبحاث الطبية زيادة انتشار الأورام وسرطان الثدى لدى الأمهات اللاتى لايستخدمن الثدى فى إرضاع أطفالهن، وكما يحتوى جسم الأم المرضع على هرمون "البرولاكتين" الذى يساعد على سرعة انقباض الرحم ورجوعه إلى حالته الطبيعية قبل الحمل وفى ذلك وقاية من أخطار النزيف الذى قد يحدث بعد الولادة، كما يكسب المرأة رشاقة ويمنع ترهل بطنها وهذا يدمر الادعاء والافتراء الكاذب بأن الرضاعة تفسد الجسم وتزيد ترهله، كما أكد علماء النفس أن ارتباط الطفل بأمه أثناء الرضاعة يكسبه إحساسا خاصا بالحنان والأمان والشخصية السوية بدلاً من أجهزة الرضاعة الصناعية والببرونة التى لا اطمئنان فيها ولا حنان ولا حب، سبحانك يارب ما أعجب خلقك "يزيد فى الخلق ما يشاء إن الله على كل شىء قدير".. صدق الله العظيم.