قال خبراء إن تحصين عقود الاستثمار من الطعن عليها أمام القضاء، سيعيد ثقة المستثمرين خاصة الأجانب فى الدولة، ولكنه سيهدر أموالا قدر قيمتها برلمانى سابق ب 71.8 مليار دولار. وأصدر المستشار عدلى منصور، الرئيس المصرى المؤقت، يوم الثلاثاء الماضي، قرارا بقانون لتنظيم بعض إجراءات الطعن على عقود الدولة، يمنع أى طرف ثالث من الطعن فى العقود المبرمة بين الحكومة والمستثمرين، إلا أصحاب الحقوق العينية والشخصية. وقال حمدى الفخراني، المحامى والبرلمانى المصرى السابق، إن تحصين عقود الاستثمار التى تبرمها الدولة من الطعن عليها، غير دستوري، وأنه سيطعن على القانون أمام المحكمة الإدارية العليا، يوم الثلاثاء، الموافق 6 مايو المقبل، اثناء نظر الطعن المقدم منه، وآخرون على حكم محكمة القضاء الإداري، الصادر بصحة عقد "مدينتي" التابعة لمجموعة طلعت مصطفي. وأضاف الفخرانى فى اتصال هاتفى لوكالة الأناضول، أن " هذا القانون فُصل خصيصا للقضايا التى أقامها ضد العقود التى أبرمتها الدولة مع العديد من المستثمرين، وأهدرت على الدولة مليارات الجنيهات، واصفا القانون" بقانون الفخراني" وأنه فصل خصيصا له. وقالت رئاسة الجمهورية، فى بيان لها الثلاثاء الماضي، إن الحكومة استهدفت من هذا القرار بقانون، الذى تم إصداره بناء على مقترح مقدم من وزارة التجارة والصناعة والاستثمار، تعزيز مناخ الاستثمار وتحفيز النشاط الاقتصادي، وتوفير نظام إجرائى يضمن استقرار تعاقدات الدولة ويحقق الحماية للمتعاقد فى إطار من المشروعية وسيادة القانون. وقال النائب البرلمانى السابق إن هذا القانون يهدر على الدولة نحو 500 مليار جنيه (71.8 مليار دولار)، مستحقة لها فى عقود أبرمتها مع مستثمرين وشركات " المصرية الكويتية"، وشركة " سنتامين مصر" والتى تنقب عن الذهب بمنجم السكري، و" النيل لحليج الأقطان"، وأراضى "مدينتي" لمجموعة طلعت مصطفي، لعدم صدور أحكام نهائية فى الطعون عليها، فى حين أن القانون لن يجذب استثمارات أكثر من 20 مليار دولار تستهدفها الدولة خلال المرحلة المقبلة. وينص القانون الجديد فى مادته الثانية على أنه " مع عدم الإخلال بالأحكام القضائية الباتة، تقضى المحكمة من تلقاء نفسها بعدم قبول الدعاوى أو الطعون المتعلقة بالمنازعات المنصوص عليها فى المادة الأولى من هذا القانون والمقامة أمامها، بغير الطريق الذى حددته هذه المادة بما فى ذلك الدعاوى والطعون المقامة قبل تاريخ العمل بهذا القانون". وقال الفخرني، إن القانون يحمى الفساد، متسائلا إذا باعت الدولة الآثار المصرية، أو قامت بتأجير قناة السويس لدولة الإمارات على سبيل المثال، مثلما قيل فى عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، أنها ستقوم ببيعهم لدولة قطر، من سيطعن على هذا العقد؟ طالما أن القانون لم يسمح لنا بذلك. وأصدرت المحاكم المصرية منذ ثورة 25 يناير 2011 ، أكثر من 11 حكما، بينها أحكاما نهائية، طالبت الدولة باسترداد شركات تم بيعها فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، فيما قال القائمون على هذه الدعاوى إنه تم بيع هذه الشركات بثمن بخس ، كما أن عملية البيع تشوبها عمليات فساد. ورفع الدعاوى محامون ونشطاء يعتقدون أنه جرى بيع تلك الشركات بأثمان بخسة ضمن الممارسات الاقتصادية أثناء سنوات حكم مبارك، الأمر الذى وضع عددا من الشركات الأجنبية العاملة فى مصر فى مأزق قانونى وعرض الحكومة لمخاطر التحكيم الدولى المكلف، مما قد يؤدى إلى عزوف المستثمرين. وباعت الحكومات المتعاقبة فى عهد مبارك، عددا من الشركات المملوكة للدولة بين 1991و2008، وكان عدد الشركات المصرية، قبل تنفيذ برنامج الخصخصة 27 شركة قابضة و314 شركة تابعة، وبعد تنفيذه وصلت إلى 9 شركات قابضة و146 شركة تابعة، وفقا لإحصائيات رسمية صدرت فى شهر يونيو 2012. وشككت الدكتورة بسنت فهمى الخبيرة الاقتصادية، ونائب رئيس حزب السادات الديموقراطي، فى دستورية القانون، الذى يمنع المصريين من الطعن على العقود التى تبرمها الدولة، قائلة، إن القطاع العام ملكا للشعب المصري، ويحق لأى مصرى الطعن على عقود أو صفقات قد يراها غير منطقية وتهدر أمواله. وأضافت فهمى فى اتصال هاتفى لوكالة الأناضول، أن "الدولة بتحصينها للعقود التى تبرمها تلغى القضاء المصري، فقد صدرت أحكام قضائية ضد عقود أبرمتها الدولة فى عهد نظام مبارك لما بها من فساد". وقالت، إن المستثمرين نوعان، نوع لا يمكنه العمل فى ظل وجود الفساد، وهؤلاء من نحاول استقطابهم، وهم ينتظرون قانون يحمى المستثمرين وليس العقود، وآخرون لا يمكنهم العمل إلا فى وجود الفساد، وهؤلاء ذهبوا إلى غير رجعه. وأضافت أن دولة القانون تحمى الاستثمار من خلال محاربة الفساد، وليس بتحصينه، وعلى الدولة معاقبة من يبرم العقود المخالفة، وليس معاقبة المستثمر، مشيرا إلى أن إدارة الأمور فى مصر غير منطقية، لأن من يأخذ القرارات فى الدولة حاليا، هم نفس الأشخاص الذين أخذوا القرارات السابقة فى نظام مبارك الفاسد. وقال الدكتور صلاح جودة، الخبير الاقتصادي، ورئيس مركز الدراسات الاقتصادية بالقاهرة، إن صدور القانون بهذا الشكل يجعله عرضه للطعن عليه أمام القضاء المصرى لعدم دستوريته، وأن القانون ينقسم إلى شقين، الأول يأتى فى مصلحة المستثمرين والمشروعات الجديدة، من خلال تحصين العقود التى تبرمها الدولة معهم، وسيخدم الاستثمار من هذه الناحية، ولا يوجد مشكلة فى ذلك. وأضاف جودة فى اتصال هاتفى لوكالة الأناضول، أن الشق الثانى خاص بالعقود التى تبرمها الدولة فى صفقات بيع شركات القطاع العام، مشيرا إلى أنه يجب وضع قانون يحمى أملاك الدولة، لمنع تكرار حالات الفساد التى رأيناها فى الماضى مثلما حدث فى صفقة بيع "عمر أفندي"، والتى أهدرت مليارات الجنيهات على الدولة. وقال باسم حلقة، الأمين العام للاتحاد المصرى للنقابات المستقلة، فى اتصال هاتفى لوكالة الأناضول، إن الرئيس المؤقت عدلى منصور، جانبه الصواب فى إصدار هذا القانون، الذى يمهد لبيع الدولة المصرية، ويعيد نتاج نظام مبارك، ويهدر حقوق العاملين فى القطاع العام. وعلى الجانب الأخر، يرى السفير جمال بيومى أمين عام اتحاد المستثمرين العرب، إن تحصين عقود الاستثمار من الطعن عليها، خطوة جيدة لتحسين مستوى الثقة لدى المستثمرين العرب والأجانب للاستثمار فى مصر، والذى عانى طوال الثلاث سنوات الماضية، بسبب الطعون التى أقيمت من قبل أشخاص ليس لهم صفة اعتبارية، ضاربا مثلا على ذلك بطعن المحامين على بيع شركة المراجل البخارية. وبلغ حجم الاستثمار الأجنبى فى مصر خلال النصف الاول من العام المالى الحالى ما بين 2 و2.1مليار دولار مقابل 12 مليار دولار قبل ثورة 25 يناير . وأضاف بيومي، فى اتصال هاتفى لوكالة الأناضول، أن القانون يؤكد على استقرار المعاملات بين الدولة والمستثمرين، وأن الطعن يكون من شخص ذى صفة وله صلة بالعقود، مشيرا إلى إن القانون لم يأتى بجديد، لكنه أبرز نتائج قانونية بصورة تجعل القاضى مطمئن عند إصدار حكمه فى حالة الطعن عليه من قبل الأشخاص ذات الصفة. وأوضح أمين عام اتحاد المستثمرين العرب، أن هناك حالة عداء للاستثمار فى مصر من قبل العديد من الأشخاص، الذين يقفون أمام مثل هذه القوانين، ومع استمرار هذا العداء، سيستمر تأثر الاستثمار فى مصر. وقال المهندس فتح لله فوزي، رئيس لجنة التشييد والبناء بجمعية رجال الأعمال المصريين، إن القانون يخدم الاستثمار المصرى خلال المرحلة المقبلة، ويعيد الثقة للمستثمرين المصريين والعرب والأجانب فى الدولة. وأضاف فوزي، فى اتصال هاتفى لوكالة الأناضول، أن استمرار تشكيك البعض فى القوانين التى تصدرها الدولة أو العقود التى تبرمها مع المستثمرين، سيؤدى إلى هروب المستثمرين من مصر إلى غير رجعة. وقال الدكتور عادل راضى رئيس جمعية مستثمرى مرسى علم ( شرق مصر)، فى اتصال هاتفى لوكالة الأناضول، إن القانون سيكون له تأثير إيجابى على الاستثمار، وسيخدم المستثمرين العرب خاصة الخليجيين، والإماراتيين على وجه التحديد، والذين تضرروا جراء الطعون على العقود التى أبرموها مع الدولة فى العديد من الصفقات، وهزت ثقتهم فى الاستثمار المصري. وطالب اللواء على رضا رئيس جمعية مستثمرى البحر الأحمر( شرق مصر)، فى اتصال هاتفى لوكالة الأناضول، على من يطالبون بوقف القانون "بالسكوت، وكفانا ما عنيناه خلال الثلاث سنوات الماضية من هروب الاستثمارات العربية والأجنبية من مصر، وانخفاض إيرادات الدولة من العملة الأجنبية، لتراجع إيرادات السياحة طوال هذه الفترة". وتراجع احتياطى مصر من النقد الأجنبى من 36 مليار دولار سجلها فى ديسمبر/كانون الأول 2010 ليصل إلى نحو 17.4 مليار دولار بنهاية شهر مارس /أذار الماضي. وبلغ إجمالى الدين العام المحلى بنهاية ديسمبر/ كانون أول 2013 نحو 1.488 تريليون جنيه بزيادة 7 مليارات جنيه عن نهاية شهر يونيو/ حزيران من العام ذاته والذى بلغ 1.41 تريليون مقابل 1.24 تريليون جنيه بنهاية ديسمبر/ كانون الأول 2012. وارتفع معدل البطالة إلى 13.4% فى الربع الأخير من 2013، فى حين ظلت معدلات التضخم أكثر من 10% وزاد معدل الفقر إلى 26.3 %، وذلك وفقا لتقرير صندوق النقد الدولى الصادر الشهر الحالي.