تلقى "سراى القبة" خطابا من الأمير "فاروق" الذى كان يدرس فى لندن، تسلم والده الملك" أحمد فؤاد" الخطاب وكانت سعادته به كبيرة، كان "فاروق" يبلغ من العمر وقتئذ 16 عاما، بينما عمر والده "فؤاد" 68 عاما. وضع "الملك" نظارته على عينيه فى الساعة الواحدة و27 دقيقة، وضغط على زر الكهرباء لإضاءة المصباح المثبت بجوار مقعده، وتناول خطاب ابنه ليقرأه، وبسطه بيديه أمام عينيه، لكن تهدلت اليدان فجأة، وسقط الخطاب، فأسرع الأطباء لكنهم وجدوا أن "الملك" أسلمت روحه فى الساعة الواحدة والنصف ظهرا فى مثل هذا اليوم "28 إبريل 1936"، وخرجت صحيفة الأهرام فى اليوم التالى "29 إبريل" بصورة كبيرة ل"فؤاد" فى الصفحة الأولى وعنوان: "مات الملك" وبجوارها صورة بنفس الحجم ل" فاروق" وعنوان: "عاش الملك". مات "فؤاد" وابنه لم يكن بجواره فى مصر، وكان المانع سياسيا، حيث كانت بريطانيا كبلد احتلال لمصر تضبط كل شىء وفقا لمصالحها ولما تريد، وتشير إلى هذا المعنى الدكتورة لطيفة سالم فى كتابها "فاروق الأول وعرش مصر" قائلة إن الملك والملكة أبديا رغبتهما فى عودة الابن على وجه السرعة ليكون بجوار أبيه وقت احتضاره، ولكن لندن تمنعت فى ذلك، إذ لم تكن تضمن أن يعود إليها مرة أخرى. كانت وفاة "فؤاد" نهاية فترة لرجل حكم مصر من عام 1917، ويمكن فهم سياساته فى ضوء ما ذكره السفير البريطانى فى مصر "اللورد كيلرن" فى مذكراته التى صدرت عن الهيئة العامة للكتاب وقال فيها: "الملك فؤاد رغم أنه كان فى نظرى زبونا سيئا أحيانا، إلا أنه كان عاملا مهما جدا فى الموقف، لأننا كنا نستطيع أن نجعله يتصرف كما نريد فى النهاية، والواقع أنه كان أشبه بستار أخير بيننا وبين أحزاب مصر السياسية، وأى تصرف كنا نريده كان من الممكن أن يتم عن طريقه". يتحدث "كيلرن" عن مشاركته فى جنازة "فؤاد"، حيث سار خلف النعش ساعتين، ومما كتبه عما رآه فيها: "طوال الطريق كانت تضايقنى أصوات النساء وهن يولولن وخاصة فى شارع محمد على، وقال لى صدقى باشا الذى كان يسير بجوارى أن هذا "الصوات" ليس من الإسلام فى شىء، وأفزعنى أكثر من ذلك منظر الذبائح التى أحضروها وذبحوها أمامنا فى الشارع، ولم أنس بعد ذلك بسهولة هذه الحيوانات وهى تصارع الموت والدماء تغطى الشارع حول أقدامنا". فى كتابه "من أسرار الساسة والسياسة" يتحدث الكاتب الصحفى محمد التابعى عن جانب آخر من وفاة "فؤاد" قائلا: "لم تمض أسابيع قليلة على وفاته حتى كثر الهمس بين موظفى القصر وفى الأوساط الخاصة المتصلة به، أن "السجينة" حطمت قيودها وانطلقت، وهى لا تزال بعد ترتدى ثياب الحداد، وكانت السجينة المذكورة هى الملكة نازلى زوجة فؤاد التى كانت تقول لكل من تقابله وتأمن جانبه: "أنا سجينة الملك فؤاد".