سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مشروع قرار الأمم المتحدة لمنع ازدراء الأديان يثير جدلا.. معارضوه يصفونه ب"الخطر العظيم".. ومؤيدوه يؤكدون أنه "طال انتظاره".. والحقوقيون "يخشون من تطبيقه"
الجدل الذى خلفه مشروع قانون منع ازدراء الأديان الذى تسعى مصر لتمريره عبر مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة بمساندة بعض ممثلى الإدارة الأمريكية لا يزال حاضراً على مستوى العالم، و فى حين يؤكد الداعمون لفكرة القانون أن وجوده ضرورة لا غنى عنها للتصدى للمتهجمين على الأديان المسيئين لمشاعر أتباعها، يقطع المعارضون للقانون بأنه قيد جديد على حرية الرأى والتعبير وسيف مسلط على رقاب المفكرين والمبدعين، فيما يحاول البعض الإمساك بالعصا من المنتصف، فيقترحون صياغة محكمة للقانون تحدد بوضوح الفارق بين "نقد الأديان" وبين الإساءة لأصحابها دون أن تطغى على حرية المبدعين فى إبداعهم. د.نوال السعداوى الأديبة والأستاذة الجامعية تقف فى مقدمة معسكر الرافضين للقانون وبشكل قاطع، فأوباما برأيها أعلن فى عيد الأضحى تمجيده للأديان السماوية الثلاثة بينما يداه ملطختان بدماء الضحايا فى أفغانستان والعراق، والمسألة بمجملها مجرد "نفاق رأسمالى طبقى يتملق الأديان باسم حماية الدين لا هدف من ورائها سوى قمع حرية الرأى والتعبير". وتقول السعداوى إن الإبداع العلمى والفكرى هو أساس تقدم البشرية، وهو قائم على كسر "تابوهات" الأديان، أما ما تفعله الحكومات بدعوتها لمثل هذا القانون، إنما هو استخدام الدين كورقة رابحة بهدف ما وصفته بتحجيب العقول، وتقسيم الشعوب على أساس الدين وسلاحها فى ذلك هو "تملق القوى الرجعية لتدعيم أركان الاستغلال الطبقى فى العالم"، وتنادى السعداوى بأن تتسلح الشعوب من جهتها بسلاح الوعى، فالجهل هو الذى يقودها نحو الخضوع لاستغلال هذه القوى. وفى المعسكر نفسه يقف د.عبد المنعم تليمة المفكر الوطنى والأستاذ الجامعى الذى يصف مشروع القانون بأنه "الأخطر على الإطلاق" وهو السلاح الذى تسعى القوى الأمنية لامتلاكه حتى يسهل عليها "خنق" الإبداع والفكر الحر. ولا يقبل تليمة بأى نوع من الحلول الوسطى، كأن يتضمن القانون صياغات معينة تحافظ على حرية الفكر، ويقول إن شعوباً تحرم تناول الأنبياء والصحابة على شاشاتها بلا سند دينى يصعب أن يتصور المرء أن تتسامح مع التفكير الحر بأى حال. تليمة الذى يبدو واثقاً من فشل المساعى نحو إصدار القانون يدعو للديموقراطية وإتاحة حرية الفكر والتعبير حتى يتنور الناس فيردون على الفكر بالفكر، لا بتهديد السلاح أو القوانين. أما رجال الدين فلهم رأى آخر إذ يشعرون بأنه آن الأوان لوقف الإساءة للأديان، والتعرض لها بالقذف والسب، لكنهم مقتنعون فى الوقت نفسه بأن ذلك لا يتعارض مع حرية النقد العلمى لأنها جزء أصيل من الأديان. ومن بينهم د.عبد المعطى بيومى عضو مجمع البحوث الإسلامية والعميد السابق لكلية أصول الدين الذى يرى فى القانون "نهاية لإباحة الدين للمعتدين واللاهين، الذين بإساءتهم للأديان إنما يقمعون حرية المتدينين، بالسخرية من رموزهم، وتحقير ثوابتهم"، وهو لا يرى أى ضرر على حرية الرأى والتعبير والنقد والبحث العلمى، فالإسلام برأيه كان ولا يزال معرضاً للنقد، حيث كل فرقة تعارض الأخرى، وكل مذهب يقدم مختلفاً وهو حوار دائر منذ قرون، وإنما هناك فارق بين هذا وبين "التقبيح والسب والشتم" الذى لا يقبل به أحد، ومن هنا تكمن أهمية القانون. وعلى نفس المنوال يسير القس إكرام لمعى رئيس لجنة الإعلام بالكنيسة الإنجيلية الذى يقترح أن تضمن نصوص القانون ما وصفه ب"آداب الحوار بين الأديان" أى ذلك الحوار الذى لا ينحدر إلى تكفير الآخر، وتجاهله. ويشدد على ضرورة الفصل بين حماية الأديان من الإساءة، وحماية الإبداع من التقييد، فالإبداع الأدبى والفنى برأيه لا ينبغى أن يقاس بمقاييس الدين، أما النقد الدينى فقيوده الوحيدة المقبولة هى الابتذال، وهو ما ينبغى أن يكون واضحاً فى نص القانون. ويحاول نجاد البرعى الناشط الحقوقى من جهته أن يوازن بين المعسكرين فيقول إن مشروع القانون إنما يطرح عدم استخدام الأديان كوسيلة للفصل العنصرى، أما حرية الإبداع فتضمنها المواثيق الدولية بوضوح وحسم، وهناك فارق بين النقد وبين الإهانة، فالأولى تعنى التعرض للنصوص، أما الثانية فترمى إلى التحقير من الرموز وشتان ما بين الاثنين. لكن البرعى لا يخفى خشيته من إساءة استخدام مثل هذا القانون إذا أجيز، وخاصة فى مجتمعاتنا، فيقول "لنا تاريخ حافل بتفريغ المواثيق الدولية من مضمونها، واستخدامها فى غير ما تهدف إليه، وقانون ازدراء الأديان لن يكون استثناء إذا قدر له الوجود".