فى روايته «بلاد جان» يصحبنا ا لأديب الدبلوماسى أحمد فريد المرسى، فى رحلة غامضة، تبدأ من أسوان مرورًا بسراييڤو وباريس لتصل به أقداره إلى «أبيدجان»، وهناك نرافق بطلنا عبر عوالم مجهولة تتوالى فيها التحديات، فالبطل المأزوم يتورط فى مآزق تُضاف إلى ما يحمله من أثقال قديمة، ليقف فى مواجهة نفسه محاولا فهمها، واستيعاب ما يحدث حوله.. «المرسى» صدرت له من قبل رواية «منروفيا» فى عام 2023، وعن «بلاد جان»، الصادرة عن بيت الحكمة للثقافة، جاء هذا الحوار: اقرأ أيضًا | فيديو| «مبيعبرونيش دلوقتى».. علاء مرسي: أنا اللي قدمت محمد سعد وأحمد السقا «بلاد چان» رحلة جغرافية خارجية، فى جوهرها رحلة داخلية نفسية للبحث عن الذات والخلاص من أسر الماضى، هل الهروب هو المطلوب لنستمر فى الحياة؟ فى يقينى أن الإنسان هو محصلة الرحلة على مر السنين، فكل ما أكسبه أو أفقده سواء كان بالترحال فى المكان أم فى الذات ينحت من أنا فى مواجهة هذا العالم. والحقيقة الأولى أننا ننطلق من عالم مبهم لنرتحل فى عالم مجهول غامض، قد يلهمنا الله الرشد فينجلى ما حولنا شيئاً فشيئاً فيتجلى فينا معنى وجودنا الحى، وفى لحظة الحقيقة الأخرى نصل إلى نهاية الرحلة. وبطل الرواية يولد ويحيا ويرتحل من مكان لمكان يحمل علامات استفهام يجمعها فى سبيل بحثه عن غاية وجوده، يعى بعض الأشياء ويفهم بعض العلاقات لكن تظل الأسئلة تحلق فى فضاء عقله وضميره، وتظل الحقيقة المراوغة دافعه فى سعيه المحموم إلى أن يجد لحظة الصدق فى تقاطعه مع «رجاء» فيتخذ موقفاً يحدد مصيره، والصدق هنا هو خلاص من التشوش وتحرر من قيود المجتمع الذى يعمى بصيرته. كيف تكونت لديك الخبرة المطلوبة بعلم النفس فى هذه الرواية؟ القراءة الجيدة فى علم النفس السلوكى وعلم النفس الاجتماعى، وفلسفات ابن رشد وابن خلدون والفارابى وأفلاطون وسقراط ونيتشه وكانط ومن قرأت من المتحدثين ب«الديالكتيك» المجتمعى، وكذلك أدب كافكا ودستيوفسكى وتولوستوى والمعرى وغيرهم كثيرون، وملاحظة السلوك البشرى حولنا، فأى محاولة لفهم الانسان لابد أن تكمل ما حاول الآخرون تفسيره وإلا سنجد أنفسنا معلقون على أسوار حصن النفس البشرية عاجزين عن الاقتراب من التفسير. تظهر الرواية خبرة الكاتب الدبلوماسية فى كشف بعض الجوانب الخفية فى إفريقيا، ما مدى اقتراب الواقع من الخيال؟ فى رأيى أن الكتابة الجيدة هى التى تجد تلك المساحة المنشودة التى يمكن فيها المزج بين الواقع والخيال دون شطط أو تحفظ، واعتقد أن الخيال فى أحد جوانبه هو قراءة مغايرة للواقع، فما تواتر من أساطير عبر الأزمان ما هى إلا صيغ خيالية نسجت حول حدث وحاكها حكّاء برؤيته، وزاد عليها حكّاء آخر من قريحته ثم آخر وهكذا، إلى أن تصير الحكاية أسطورة تخرج من حيز المعقول إلى اللامعقول، وكلما استطعت ككاتب اكتشاف زوايا مختلفة للنظر إلى الحدث، كلما استطعت تحرير خيالك لتبدع، أما الكتابة عن أفريقيا، فأنا أرى فيها منهلاً غير مطروق، وأحب أن أنقل للقارئ العربى بعضا من صور ومشاعر وأفكار عن هذا العالم القريب البعيد. وأنا أكتب لكى أفتح نافذة للقارئ يرى من خلالها عالم مغاير لاسيما وقد أتاح لى عملى الدبلوماسى رؤية عالم مجهول ومعايشة أحداث كانت فارقة فى حياة أفراد وشعوب. شخصية الأم فى الرواية مثيرة للاهتمام، لماذا لم تمنحها مساحة أكبر تتيح تقديم تفاصيل أكثر؟ كل شخصية فى الرواية كان من الممكن أن أكتب لها بإسهاب، لكنى فى النهاية أردت أن تحكى هذه الرواية عن سراج ورجاء، فهما من اخترت لحمل النصيب الأكبر مما أردت التعبير عنه من أفكار ومشاعر. استخدامك اللغة الشاعرية والجمل الحوارية القصيرة ساهم فى إضفاء طابع ادبى مميز، كيف تفكر فى اللغة بشكل عام؟ اللغة العربية هدف من أهداف الكتابة عندى، فاللغة العربية جميلة كالخيل العربى ورائقة كنهر يتهدهد، ولها من السحر ما لسماء لحظات الشروق والغروب وأجد أنه من واجبى إظهار جماليات هذه اللغة بقدر استطاعتى، واللغة فى رأيى أساس الكتابة القيمة، فمستوى اللغة يحدد مدى قدرة النص على الصمود أمام تحديات الزمن.