اهتمت الصحف الفرنسية اليوم بنتائج التصويت التى انتهت بالموافقة على حظر بناء المآذن فى سويسرا، وأشارت إلى أن هذا الاستفتاء السويسرى جعل الجدل حول المآذن فى فرنسا يطفو من جديد على السطح، كما استنكر بعضها فى افتتاحياته نتائج هذا التصويت الذى أرجعه البعض إلى أفكار مسبقة خاطئة وخوف لا مبرر له من قبل السويسريين. وذكرت مجلة "الإكسبرس" أن نتائج مبادرة حظر المآذن التى أعلنت أمس كان لها ردود أفعال متباينة، ففى الوقت الذى عكست فيه افتتاحيات الصحف القومية الفرنسية قلقها واستنكارها لهذه "العصبية المحلية" فى سويسرا التى دفعت غالبية مواطنيها الذين يسيطر عليهم "خوف غير متعقل" إلى التصويت ضد بناء المآذن، ذهب بعض السياسيين الفرنسيين إلى تأييد هذه المبادرة مثل كزافيه برتران، الأمين العام لحزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية، الذى أشار أمس الأحد إلى أن ممارسة الإسلام ليست بالضرورة فى حاجة إلى المآذن. كما أعربت بدورها مارين لوبان، نائبة رئيس حزب الجبهة الوطنية، عن سرورها إزاء قرار الشعب السويسرى، مضيفة أن النخبة فى فرنسا، كما دعت الفرنسيين الذين لم تتح لهم فرصة التعبير من خلال استفتاء، أن يقوموا بذلك على نطاق واسع خلال الانتخابات الإقليمية فى مارس القادم. وأشارت صحيفة "لاكروا" إلى أن النتائج جاءت على عكس جميع التوقعات، وإن كانت تدل على شىء فهى تدل على فقدان المؤسسات الكبيرة فى الدولة، سواء الحكومة أو الأحزاب السياسية الكبرى، لتأثيرها خاصة وأنها دعت للتصويت ضد هذه المبادرة. كما أضافت الصحيفة، أنه الصعوبات الرئيسية التى ستواجه الحكومة السويسرية الآن هى ذات طبيعة دبلوماسية، حيث سيتوجب عليها تهدئة الحكومات وأوساط الأعمال فى الدول الإسلامية التى تربطها بها علاقات مهمة. أما "لوموند" فقد رصدت ردود الأفعال بعض رجال السياسة الأوروبية التى سيطرت عليها الدهشة من نتائج الاستفتاء، ومنها رد فعل الرئاسة السويدية التى اعتبرت أمرا "غريبا" أن تطرح مثل هذه القضية للاستفتاء. كما يرى وزير خارجية السويد كارل بيلدت فى هذا الاستفتاء "تعبيرا عن الأفكار المسبقة وربما الخوف. فى الوقت الذى أشارت فيه وزيرة التكامل السويدية نيامكو سابومى إلى أن "أن السويسريين يملكون نظاما ممتازا فى استشارة الشعب، ولكنهم فى بعض الأحيان يمكن أن يُستخدم هذا النظام بطريقة سيئة، كما حدث فى هذه الحالة"، مضيفة أنه "لا توجد مشاكل بين المسلمين والأوروبيين فى الاتحاد الأوروبى. فإن المسلمين مواطنون أوروبيون". ونشرت "لوفيجارو" مقالا عن وضع المآذن فى فرنسا، التى تضم حتى الآن حوالى عشر مآذن، ذاهبة إلى أن المآذن لم تقم يوما فى إثارة أى جدل حولها ولم تكن أبدا موضع نقاش، حيث يُنظر إليها بوصفها مظهر من مظاهر الزخرفة أكثر من كونها علامة دينية، وفى هذا السياق فإن مئذنة مسجد باريس الكبير التى يصل ارتفاعها إلى 30 مترا لا تثير أى نوع من أنواع الاضطراب، بينما فى منطقة كريتل تبلغ مئذنة المسجد 25 مترا. أما مسجد ستراسبورج فهو لا يملك حتى الآن مئذنة نتيجة نقص الموارد، ولكن "إذا كان المسلمون يريدون مئذنة فسيحصلون عليها"، كما أكد النائب رولان ريس، عمدة المدينة، على التزامه بهذا الشأن يوم 27 نوفمبر. وأخيرا فإن مسجد مدينة مارسيليا الذى سيرى النور قريبا ستيم إلحاق مئذنة به. وتشير الصحيفة إلى أن جبهة معارضى بناء المساجد فى فرنسا كانت تتبنى حتى الآن الحجة التى تقوم على أساس أن هذا الأمر "يعارض العلمانية". وفى مونتروى كما فى مارسيليا، اتهم البعض بلدية كل من المدينتين بالتمويل غير المبرر لمشاريع إقامة مساجد فيهما من خلال نظام التأجير الحكرى طويل الأجل، خاصة أن القضاء يعتبر أن الإيجار المنخفض القيمة جدا قد يعد منحة للعبادة. وتضيف الصحيفة أن المدافعة عن الهوية خشية من "أسلمة" المجتمع قد بدأت فى الآونة الأخيرة المشاركة فى هذه المعركة، إلا أن اللجوء للدعاوى القضائية تظل مسألة معقدة. كما أن حجج بعض رؤساء بلديات فرنسا المناهضين لوجود مساجد فى دوائرهم تواجه عادة الصد. حيث قضى مجلس الدولة مثلا بأن "بناء مسجد فى منطقة سكنية" لا يضر باستقرارها. ثم تذكر الصحيفة ما حدث فى مدينة بوردو عندما قامت كتلة الحفاظ على الهوية فى يناير الماضى، اعتراضا منها على مشروع مسجد يدعمه عمدة المدينة آلان جوبيه، بإيقاظ سكان الحى على صوت مؤذن تم تسجيله وتوزيع منشورات كتب فيها: "هنا وفى غضون بضعة أشهر، كل يوم، فى كل أسبوع، وأيام الآحاد والعطلات، سيعلن نداء المؤذن ساعة الاستيقاظ...". وقد صحح آنذاك إمام مدينة بوردو هذا الفهم الخاطىء موضحا: "أن النداء للصلاة فى فرنسا يتم داخل المسجد وأن المئذنة ليست إلزاما دينيا كما أن مشروع بناء مسجد بوردو لن يتضمن مئذنة"، لأن المئذنة فى الواقع لا تعود إلى عصر النبى محمد ولكن إلى نهاية القرن الأول الهجرى. وتؤكد وزارة الداخلية أن "لا أحد يطالب بوجود مؤذن"، كما أن هذه المسألة كانت ستخضع فى كل الأحوال إلى "سلطة رئيس البلدية، مثلها مثل أجراس الكنائس"، بالإضافة إلى أن أعضاء بلدية المدينة يتحتم عليهم تقييم ضرر الضوضاء واتخاذ التدابير اللازمة لضمان الهدوء فى مدنهم. ويظل الاستثناء الوحيد فى هذه المسألة هى المساجد الرئيسية الكبيرة، كما يشير مكتب العبادات، الذى يفضل أن يشدد على "الاتجاه الجديد فى مشاريع بناء المساجد، والخاص بإقامة 200 مسجد صغير فى البلديات دون مئذنة".