القيادة تعرف بأنها العملية التى تمكن من الإسهام بصورة فعالة فى حركة الجماعة نحو هدف معروف، ويتجلى دور القائد فى قدرته على تحريك سلوك الجماعة نحو تحقيق أهداف معينة، ويتعين على القائد أن يكون على علم و إلمام جيد بطبيعة العمل الذى يتولى شأنه. وإذا نظرنا إلى قادة الأدب، نجدهم إذا أحب الجمهور روايات الحب الغرام ألفوا فيها وأكثروا منها، ومهروا فى أن يستنزفوا دموع المحبين، وإشعال عواطفهم، للوصول إلى أعماق قلوبهم ، وإن كره الناس أدب القوة فويل لأدب القوة من الأدباء ..!! إذ يصبح سمجا ، وجافا، وإن كان الجمهور لا يقبل إلا الأدب الرخيص فكل المجلات أدب رخيص. حتى دعاة الإصلاح ، فهم يرون مثلا أن الشباب قوة فوق كل قوة، وهم عصب الأمة وإكسير الحياة، فتجد هؤلاء الدعاة ينظمون لهم الدر فى مديحهم وإعلاء شأنهم، وملأهم ثقة بأنفسهم، فهم رجال المستقبل ، وأمل الغد، وعماد الحياة ، وهم خير من آبائهم ، وسوف تكون الأمة فى منتهى الرقى يوم يكونون رجالها ، وقد يكون هذا حقا ، ولكن للشباب أخطاؤه الجسيمة ، وله غروره واندفاعه ، وله أيضا إفراطه فى الاعتداد بنفسه، فإن حقا على المصلحين أن يكثروا القول فى المعنيين على السواء فيشجعوا وينتقدوا. ولكن هؤلاء القادة مع الأسف، يعزفون على نغمة واحدة فقط التى تعجب الشباب وتحمسهم، الأمر الذى جعل الشباب يسترسلون فى الإيمان بقول الدعاة إلى أقصى حد، واعتقدوا أنهم كل شىء فى الحياة ، وهم فوق أن يسمعوا نصيحة ناصح أو نقد ناقد، وكل هذا كان نتيجة متلازمة من موقف القادة منهم. وإن كان لى أن أتذكر من الماضى عندما كان طالب العلم يقدس قول أستاذه. إن موقف القادة من الجمهور استرضاء للرأى العام قلب الوضع، فالعالم إذا قال برأى الناس لم يكن لعلمه قيمة، والمصلح إذا دعا إلى ما عليه الناس لم يكن مصلحا. وأننى قد أتفهم إلى حد كبير أن التاجر يسترضى الجمهور، لأن نجاح تجارته يتوقف على رضاهم، كما أننى أفهم بأن المغنى يقول ما يعجب الجمهور، لأنه نصب نفسه لإرضائهم، بينما لا أفهم هذا فى قائد الجيش، فإن له مهام أخرى و هو أن يظفر بالنصر على العدو ، فلو كان همه أن يسترضى جنوده لا أن ينتصر على العدو ما استحق لقب القيادة لحظة، ولانقلب الحال أن أصبح الجند قادة والقادة جندا. والآن وبعد ما وصل بنا الحال من فساد وانحلال ووضاعة تمس جانبا من حياتنا اليومية، لا نخشى أن نصرح به، لأننا نلمسه ونسمعه ونراه، ويزيد من أمره فى القطاعات الإدارية التى نعمل بها، ما هذا الوافد العجيب الذى سيطر على مناح عديدة، وما هذا الركوع والانبطاح للعديد من القيادات الإدارية والخوف غير المبرر من الرأى العام، فلا هناك ثمة حركة تتسم بالقوة بين المصلح ومن يراد إصلاحه. تلك هى أشد حالات الانحطاط فى القيادة، فأول درس يتلقاه القائد أن يكون قليل الاهتمام بشخصه، كثير الاهتمام بالغرض الذى يرمى إليه فى الإصلاح، سواء كان إصلاحا إداريا أو اجتماعيا أو أدبيا أو دينيا ، وأن ينظر إلى كل ما يجرى حوله فى هدوء لا يسره إلا أن يرى الناس اقتربوا من غرضه و لو بسبه و شتمه، و يضحى بالشهرة فتتبعه الشهرة ويضحى بالحظ فيخدمه الحظ، ولا يشعر براحة إلا أن يصل إلى غرضه أو يقترب منه.