تقترب منطقة الشرق الأوسط، من صدام محتمل بخصوص صادرات النفط، فى ظل الخلافات بين تركياوالعراق والأكراد. والوقت ينفد، مع تدفق مزيد من النفط، عبر خط أنابيب جديد من إقليم كردستان العراق، لتصديره من تركيا فى تحدّ لبغداد التى هددت بمعاقبة أنقرة وأربيل، على "تهريب" النفط إلى خارج العراق. ولم تفرز المحادثات، أى نتيجة تذكر، وستضطر أنقرة قريبا إلى الانحياز لأحد الطرفين، فى وقت يبحث فيه الأكراد عن مشترين لنفط إقليمهم شبه المستقل، بعد توقيع اتفاق مع تركيا فى نوفمبر. وقال مسئول عراقى كبير، طلب عدم ذكر اسمه: "على تركيا أن تختار الآن بين أن تدير ظهرها لبغداد وتمضى قدما فى اتفاقها مع الأكراد أو توقف الصادرات المباشرة من الإقليم لحين التوصل لاتفاق بين الحكومة المركزية وأربيل". وأضاف: "مع الأسف، تشير الوقائع على الأرض، إلى أن أنقرة ستمضى قدما فى اتفاقها مع الأكراد، على حساب علاقاتها مع بغداد". ويتوقع بعض تجار النفط، تصدير شحنة نفط رمزية واحدة على الأقل، بنهاية الشهر، ويفضل أن تكون بموافقة بغداد، لكن من المتوقع أن يتم التصدير بدون موافقتها. وقال مصدر من قطاع النفط فى كردستان، طلب عدم ذكر اسمه: "سيفرض ذلك ضغطا إضافيا على بغداد للتفاوض". وأضاف: "نرى أنه (خط الأنابيب) سيكون الحافز لبدء نقاش جاد وحل مشكلة التصدير". وفى حال تعذر التوصل لاتفاق، سيحتفظ الأكراد ببعض الأوراق السياسية القوية التى يمكنهم استخدامها فى تشكيل أى حكومة عراقية، بعد الانتخابات المقررة فى نهاية أبريل، وعلى نفس المنوال قد تخفض بغداد التمويل الذى تقدمه للإقليم. المسئولون الأكراد على يقين من أن أنقرة ستقف معهم، ولا يخفون تفاؤلهم فى التوصل لصفقة مع بغداد، لكنهم يعترفون فى اللقاءات الخاصة، بأن حل خلافاتهم أمر شبه مستحيل. انتهت أحدث جولة من المحادثات فى بغداد، يوم الأحد الماضى، بدون نتائج حاسمة، ومن المقرر أن يزور نائب رئيس الوزراء العراقى لشئون الطاقة حسين الشهرستانى، مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان، لإجراء مزيد من المفاوضات فى الأيام المقبلة، ولكن لم يعلن رسميا عن أى موعد حتى الآن. وسعت تركيا، لأن تنأى بنفسها عن هذا النزاع، فقال وزير الطاقة التركى تانر يلدز، للصحفيين: "قلنا مرارا إن هذه قرارات سيتخذونها فيما بينهم، أعتقد أن أشقاءنا سيصلون إلى اتفاق جيد". ولعل ما تريده أنقرة، هو التوصل لاتفاق رسمى قبل السماح باستمرار الصادرات من الإقليم، لكن مصادر من القطاع هناك، تشكك فى إمكانية صمود أى اتفاق. وقال أحد المصادر: "وصلت تركيا إلى حد يستلزم منها توخى مزيد من الحذر، لا أتوقع التوصل لحل دائم، لكن قد يكون هناك ترتيب مؤقت، كى يخف الضغط على الأقل فى الوقت الراهن". وإقليم كردستان شبه مستقل منذ عام 1991، وكثيرا ما يغضب الحكومة المركزية، بل إنه أثار إمكانية الانفصال عن العراق، لكنه يعتمد على بغداد فى الحصول على حصة من الميزانية التى تزيد على 100 مليار دولار. وحذرت بغداد، من أنها ستقطع هذا الشريان الحيوى، إذا صدر الأكراد النفط بدون موافقتها، ووافقت الحكومة العراقية، هذا الشهر، على مشروع ميزانية عام 2014، يتضمن خفض حصة الإقليم من إيرادات الدولة ما لم يصدر 400 ألف برميل يوميا من الخام، عبر شركة تسويق النفط العراقية (سومو). وتقول مصادر من القطاع، إن ذلك يزيد كثيرا على طاقة التصدير الحالية لإقليم كردستان والبالغة نحو 255 ألف برميل يوميا. وهناك مسئولون فى الإقليم، على ثقة من أن البرلمان لن يوافق على الميزانية، نظرا لمقاطعة معظم المشرعين السنة، وانسحاب كردى قد يحول دون الوصول للنصاب القانونى. ورغم ذلك، يفكر مسئولو الإقليم فى الخيارات المتاحة أمامهم، فى حال إقرار الميزانية. وقال مسئول كبير، فى أربيل، طلب عدم ذكر اسمه: "إذا نفذت بغداد تهديدها بخفض الميزانية فإن كردستان معه الكثير من الأوراق التى يمكنه اللعب بها، ومن بينها عدم السماح بتدفق النفط من كركوك إلى جيهان". ولم يتضح كيف سيمنع الأكراد تدفق النفط عبر خط الأنابيب من حقول كركوك إلى ميناء جيهان التركى المطل على البحر المتوسط، لكن الخط يمر عبر إقليمهم. وثمة خيار آخر، أقل استفزازا، هو لىّ ذراع رئيس الوزراء العراقى نورى المالكى، قبل الانتخابات التشريعية المقررة فى 30 أبريل والتى يحتاج فيها إلى دعم الأكراد للفوز بولاية ثالثة أو تشكيل حكومة. وقال رمزى ماردينى، الباحث غير المقيم فى أتلانتيك كاونسل: "التهديدات التى تطلق اليوم لا تظهر سوى أن الخلافات النفطية، ستطرح على مائدة التفاوض بين الأحزاب الكردية والعربية على الأرجح، عند تشكيل الحكومة المقبلة". ومن شأن النفط الكردى، أن يساعد تركيا على تنويع إمداداتها من الطاقة، بعيدا عن روسيا وإيران وتقليص فاتورة الطاقة المتضخمة البالغة 60 مليار دولار، لكن الدافع وراء تحسين العلاقات، يتجاوز نطاق قطاع النفط والغاز. ويقول سونر كاجابتاى، مدير برنامج الأبحاث التركية، فى معهد واشنطن، "اهتمام تركيا بحكومة إقليم كردستان مدفوع بعوامل جيوسياسية، بقدر ما تحركه احتياجات تركيا من الطاقة". فالتعاون مع حكومة كردستان، يزيد نفوذ أنقرة على الساحة السياسية فى بغداد، كما أن الإقليم الذى ينعم بهدوء نسبى يشكل منطقة فاصلة تعزل المنطقة الجنوبية الشرقية فى تركيا، عن القلاقل التى يشهدها باقى العراق. وتعول أنقرة أيضا، على حكومة كردستان، فى مساعدتها على تحقيق السلام مع حزب العمال الكردستانى، الذى خاض معها حربا استمرت ثلاثة عقود وأودت بحياة أكثر من 40 ألف شخص من الجانبين. وانسحب بعض متمردى حزب العمال الكردستانى، من تركيا، متجهين إلى قواعدهم فى جبال كردستان العراق، فى إطار عملية سلام بدأت العام الماضى. وأعلن وزير الخارجية التركى أحمد داود أوغلو، بوضوح عن النهج الجديد الذى تتبناه أنقرة تجاه الأكراد فى محادثات مع رئيس أركان الجيش الأمريكى السابق، الجنرال راى أوديرنو، عقب هجوم شنه حزب العمال الكردستانى عام 2007. وقال داود أوغلو، إن حكومته تتعرض لضغوط للانتقام من حكومة إقليم كردستان. ونقلت برقية دبلوماسية أمريكية، يرجع تاريخها لعام 2010، ونشرها موقع ويكيليكس عن الوزير التركى، قوله: "كان بإمكاننا تدمير أربيل لكننا لم نفعل،وبدلا من ذلك زدنا الاعتماد الاقتصادى المتبادل مع حكومة إقليم كردستان". وتوفر تركيا للأكراد الذين لا يطل إقليمهم على أى سواحل نافذة على الأسواق العالمية، كما أنها حليف حيوى لأربيل، فى منطقة مضطربة عقب انسحاب القوات الأمريكية من العراق. وقال كاجابتاى: "الدافع هو الشعور المتبادل بين الطرفين بالاحتياج للآخر، فتركيا والأكراد فى حاجة لبعضهما، وأعتقد أن ذلك سيستمر على المدى الطويل". وفى ميناء جيهان التركى، خصصت ثلاث ناقلات تخزين للنفط الكردى، تبلغ طاقة كل واحدة منها 2.5 مليون برميل، وتقول مصادر من القطاع، إنه تم ضخ حوالى 300 ألف برميل فى هذه الناقلات حتى الآن. وطرحت حكومة كردستان بالفعل، عطاء لبيع مليونى برميل بنهاية يناير. ويصر الأكراد على بيع الخام بشكل مستقل، عن شركة تسويق النفط العراقية، التى تقول بغداد، إنها تنفرد بحق إدارة جميع مبيعات الخام العراقى. كان مسئولون من شركة تسويق النفط، قد توجهوا إلى تركيا برفقة رئيس شركة نفط الشمال التى تديرها الدولة للقاء نائب وزير الطاقة. وقال وزير النفط العراقى، عبد الكريم لعيبى الأسبوع الماضى، إن بغداد تستعد لاتخاذ إجراء قانونى بحق أنقرة، وستنظر فى إلغاء جميع العقود مع الشركات التركية فى حالة المضى قدما فى تصدير النفط، مما يهدد تبادلًا تجاريا قيمته 12 مليار دولار سنويا. كان كردستان، يضخ الخام فى خط أنابيب تديره بغداد إلى جيهان، لكنه أوقف ذلك قبل عام بسبب خلاف على المدفوعات. ومنذ ذلك الحين، يرسل الأكراد كميات أقل من النفط إلى تركيا، ويجمعون الإيرادات بأنفسهم مع مد خط أنابيب خاص بهم، تم الانتهاء منه أواخر العام الماضى. لمزيد من اخبار الاقتصاد .. "المعونة الأمريكية" تعيد تأهيل سد فى دارفور بالسودان رؤية مصر نحو تنمية اقتصادية خضراء فى مؤتمر صحفى غدا مجلس إدارة اتحاد المستثمرين يجتمع اليوم