1 اليوم ليس من تجربة غير الوطن ولا أفق للتجربة سواه.. ليس من بعد فى الزمان وامتداد فى المكان، إلا له ومن خلاله، وليس لنا أن نتقبل كلمة بعيدة عن الوطن ..أرضاً، وتاريخاً، ومصيرا، وحاضرا، ووجودا لا وجود لنا من دونه . أو بعيدا عنه فهذا الوطن هو قدرنا التاريخى وقدرتنا المدهشة .. وهو وطن نرتبط به أرضا بما لهذه الأرض من أصالة وعمق وامتداد فى التاريخ، وهو وطن نرتبط به وجوداً لأنه هو ولا شىء سواه الحقيقة الكبيرة فى حياتنا، وهو وحده ما يتيح لنا استجماع عناصر هذا التاريخ وتأكيد هذا الوجود والتعبير عما لحياتنا من حقائق نقول هذا من عمق ما لنا من انتماء، ومن خلال كل ما لنا من جذور ممتدة فى التاريخ والزمن. 2 ما عسى أن تكون رؤيا الشعر بغير وطن؟ أية شخصية إنسانية يمكن أن تسكن فضاءات القصة والرواية فى أرض لا سيادة لإنسانها عليها؟ وأى لون ستستجمع لوحة الفنان فى واقع من الذل والاستعباد؟ بل أى وجود للفن والإبداع وأى عالم للكتابة سيكون لو ضاعت الأرض وفقدنا الوطن؟ إنها تساؤلات مصير.. وأسئلة حياة يجب أن تنبض فى أعماقنا بكل ما نتوقع له من صور الرعب.. لا لشىء إلا لأننا لا نريد أن نورث أبناءنا وأحفادنا عصوراً ذليلة. 3 كل شىء فى حياتنا ينبغى أن يكون اليوم سلاحا للدفاع عن وجود محاط بخطر الاحتلال الإسرائيلى البغيض، ونحن حين نقول ومن أعماق ممتلئة ثقة فإننا لا نقولها من قبيل المباهاة.. بل نقولها بلغة هى لغة المصير الذى نصنع وإليه نمضى. 4 أتأمل فيما حولى فأرى صورا مدهشة للبطولة لا تزيدنى إلا ثقة بالحياة أرى أبطالا يقاتلون جاعلين من صدورهم درعا من أرض هذا الوطن، وحين يغتنمون ساعة استراحة يواصلون القتال بما يكتبون، لنجد أن المعركة عندهم هى فعل حياة لا يتوقف.. أما إذا تساءلوا فإنهم غالبا ما يتساءلون ترى ما قيمة الحياة بدون قضية، وهكذا يواصلون القتال دفاعا عن الوجود ويواصلون الكتابة تأكيدا لهذا الوجود. 5 لكن هل يسأل الواحد منا نفسه كيف يمكن أن يكتب من دون أرض؟ ومن غير وطن؟ بدون وطن حر مشرق بالشمس وممتلئ بالسيادة؟ كيف يتأتى لصورة نريدها أن تتكون؟ ومن أين يتأتى للكلمة أن تتلمس طريقها إلى الحياة والوجود. اليوم نقولها من عمق ما للوطن من روح مقاتل .. لامكان للهموم الصغيرة ولا صلاة إلا للأرض والإنسان ولا مجد لنا بغير هذا الوطن، فحين تعرض الوطن للاحتلال الصهيونى الغاشم فما كان أمامنا من شىء غير الشهادة والانتصار. 6 هل توقف أحدنا ليسأل نفسه لماذا يذهب شقيقه أو صديقه أو رفيقه إلى ساحة الحرب بينما هو فى موقع آخر أكثر أمانا واطمئنانا، ولا يشغله شىء مما يسكن ذلك الواقف فى وجه النار يقاتل العدو الصهيونى؟ ومن منهما الذى يمثل حضور الوجود وينهض بأعباء هذا الوجود ليظل وجوداً حقاً. 7 ثم ماذا؟ إن الكلمة التى لا تجد صورتها فى فعل الحياة تظل هذرا ولغوا، وعبثا بالحياة باسم الحياة، وفعل الحياة هذا يتجسد اليوم فى هذا الزمن المصرى الذى يصنعه إنسان مصر من أجل مصر والأمة التى إليها ينتمى.