أحلام اليقظة أصابت شبابنا وأطاحت بهم من الواقع إلى عالم الأوهام، وهنا حدثت الصدمة التى أصبحنا ننام ونستيقظ عليها يوميًا , فكل إنسان له طاقة على التحمل، ولكن عندما تزداد الأمور غموضًا وصعوبة، يحاول الإنسان أن يهرب بمشاكله إلى عالم آخر يجد فيه حلولا لما فاته ولم يقدر على تحقيقه وهذه الحالة هى التى تحدث الآن من شبابنا صغير السن وأحيانًا كبار السن. قبل بداية ثورات الربيع العربى كان الشباب يحلم بالعمل والشقة والزوجة والبيت السعيد الذى يضم جميع أحلامهم وكان أغلب أحلامهم بسيطة، وكانت تعتمد فى أكثرها على المال, والحب, وأحيانًا ما تخيل الشاب نفسه فى محاولة منه للهروب من واقعه التعس أنه أصبح (( مليونيرا )) وإن كل شخص تفاخر عليه بالمال أو الجاه قد صار عاملا عنده، وأنه قد أصبح أغنى منهم جميعًا وأصبحوا عنده خدمًا وعبيدًا, يأمر وينهى ويطاع, وفى نهاية حلم اليقظة يأخذ فتاة أحلامه، وإذا أمكن أهله وأسرته فى سيارته الكبيرة وقصره الجميل ويعيشوا فى سعادة وهناء (( وتوتة توتة خلصت الحدوتة)) ويستيقظ من غفوته ومن عالمه السحرى إلى الحقيقة المرة، وهى أنه مازال فى مكانه لا يتقدم إلى الإمام وأن ما كان فيه إلا حلمًا أثناء النهار. كثيرون منا عاشوا هذه الحالة فى فترات سابقة، ولكن هذه الحالة قد تغيرت فى وجود ثورات الربيع العربى التى قامت بتدمير بعض أحلام الشباب الحقيقية والخيالية أخذت معها أحلام الكبار والآباء إلى بئر لا يبدو أن له نهاية, فبعد أن كان كل أحلام الشباب هو جمع المال والزواج والعيشة السعيدة, زادت أحلام اليقظة لدى الشباب فى محاولة منهم للابتعاد عن الواقع الأليم الذى نعيشه الآن, فهى محاولة للهروب من الذات ومن الأسرة ومن الوطن بأسره, فلم تعد أحلام اليقظة للشباب كما كانت فقد تبدلت، فلم تصبح البنت الحلوة هى حلم اليقظة للشاب ولم يعد الفتى الوسيم هو حلم الفتاه الآن، ولم يعد الحصول على الأموال هو الهدف ولم يعد الاهتمام بالمستقبل البعيد أو القريب هو المطلوب منك, وأصبح الآباء فى حالة نفسية شديدة الصعوبة وكثير منهم أصبح مريضًا مصابًا بالفوبيا المستقبلية (كالخائف على نفسه أو الخائف على أبنائه أو على وطنه) وللأسف فى وقتنا الحالى اغلبنا يقع تحت أحلام اليقظة السلبية التى تؤثر على نفسيته وعلى قراراته. وهنا تبدلت أحلام اليقظة لدى الجميع فصار الشباب (( يحلم وهو صاحى)) فمنهم من أخذته أحلام اليقظة إلى أول الثورة فتخيل بعض محبى الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك أنه يظهر أمام التليفزيون ويتنازل عن الحكم بنفسه ويسلم الحكم قبل الثورة، وهنا تكون مصر فى أمان, وآخرون زادت أحلام اليقظة لديهم ومنهم من يرى أن مبارك عاد من جديد رئيسًا، وأن الشعب سعيد بعودته وهو الآن يتصالح مع الجميع ويعيش الجميع سعداء، ولكنها أحلام يقظة سرعان ما يفيق منها إلى واقع قاسى بعيد كل البعد عن أحلامه. وآخرون يحلمون أن الرئيس السابق محمد مرسى أخذ قرارًا بعمل استفتاء وأن الشعب نزل واختاره مرة أخرى، وهكذا انتصر على خصومه السياسيين. ومنهم من أخذته أحلام اليقظة إلى أبعد من ذلك وهى أن مرسى قد عاد من جديد إلى الحكم، وأن كل من عاداه قد سجن أو قتل وأن الشعب سعيد بعودته مرة أخرى، وإن الوطن يزدهر ويكبر ويعيش الجميع سعداء, ولكنها أحلام يقظة سرعان ما يفيق منها إلى واقع قاسى بعيد كل البعد عن أحلامه. وقد تأخذ أحلام اليقظة دقيقة أو أكثر بقليل يخرج فيها الإنسان عن واقعة التعس ليعيش فى حالم آخر يجد فيه ذاته وأحلامه وتطلعاته وآماله, ولكنه يصدم عندما يجد نفسه مازال فى الواقع المرير الذى يعيش فيه, وهنا يحدث خلل ذهنى قد يكون بداية لاضطراب ذهنى محتمل, وهنا لا بد من وجود شخص يستطيع أن يتكلم معه ويخرج كل ما فى جعبته من أسرار وأحلام, وقد تكون أحلام اليقظة المبنية على ما قد يكون أقرب إلى أمل أو غاية قد تتحقق وتخرج عن كونها أحلام يقظة إلى مشروع حلم أصبح واقعًا أحلام اليقظة السياسية دمرت أحلام اليقظة الطبيعية لدى الجميع, ونتيجة عدم تحقيقها زاد العنف لدى الشباب والفتيات وأصبح العنف سمة هذا العصر، ولجأ اغلب الشباب إلى تسليم إرادتهم وأحلامهم إلى آخرين قادرين على تحقيق أحلامهم وبهذا يكون العقل مغيب بدرجة كبيرة عند كثير من الشباب اليائس المحبط وكأن ((فيرس)) قد أصابهم فتحولوا إلى أحياء أموات (( زومبى) وهذا نتيجة فقدان الأمل والرغبة فى الانتقال إلى عالم أفضل، مما يعيشون فيه وبعضهم نسى كلام الله تعالى ((إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ )) ﴿87﴾ يوسف، وقال الله تعالى (( وَأَنفِقُواْ فِى سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إلى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )) {البقرة:195}. هناك من يحلم بفتاة وهناك من يحلم بوطن. الكل يحلم بأن يكون رئيسًا فمن سوف يكون مواطنا.