يقول: "أيها الشباب، يخطئ من يظنّ أن جماعة الإخوان المسلمين (جماعة دراويش) قد حصروا أنفسهم فى دائرة ضيِّقة من العبادات الإسلامية وكل همِّهم صلاة وتسبيح وصوم، فالمسلمون الأوَّلون لم يعرفوا الإسلام بهذه الصورة، ولم يؤمنوا به على هذا النحو، ولكنهم آمنوا به عقيدة وعبادة، ووطنًا وجنسية، وخلقًا ومادة، وثقافة وقانونًا، وسماحة وقوة، واعتقدوه نظامًا كاملا يفرض نفسه على كل مظاهر الحياة ويُنظِّم أمر الدنيا كما ينظِّم أمر الآخرة، اعتقدوه نظامًا عمليًّا وروحيًّا معًا فهو عندهم دين ودولة، ومصحف وسيف". وهم مع هذا لا يُهْمِلون أمر عبادتهم ولا يُقصِّرون فى أداء فرائضهم لربهم، يحاولون إحسان الصلاة، ويتلون كتاب الله عز وجل، ويذكرون الله تبارك وتعالى على النحو الذى أمر به، وفى الحدود التى وضعها لهم، فى غير غُلُوٍّ ولا سرف، ولا تنطُّع ولا تعمُّق، وهم أعرف بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا الدِّين متينٌ فأوغل فيه برفق، إن المنْبَتَّ لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى))، وهم مع هذا يأخذون من دنياهم بالنصيب الذى لا يضُرُّ بآخرتهم، ويعلمون أن خير وصف لخير جماعة هو وصف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ((رهبانٌ بالليل فرسانٌ بالنهار))، وكذلك يحاولون أن يكونوا، والله المستعان". "ويخطئ من يظن أن الإخوان المسلمين يتبرَّمون بالوطن والوطنية، فالمسلمون أشدّ الناس إخلاصًا لأوطانهم وتفانيًا فى خدمة هذه الأوطان واحترامًا لكل من يعمل لها مخلصًا، وها قد علِمْتَ إلى أى حدٍّ يذهبون فى وطنيتهم، وإلى أى عِزَّة يبغون بأمتهم، ولكن الفارق بين المسلمين وبين غيرهم من دعاة الوطنية المجرَّدة أن أساس وطنية المسلمين العقيدة الإسلامية، فهم يعملون لوطنٍ مثل مصر ويجاهدون فى سبيله ويُفْنَون فى هذا الجهاد؛ لأن مصر من أرض الإسلام وزعيمة أممه، كما أنهم لا يقفون بهذا الشعور بفريضة العمل للوطن إلا عن طريق التقليد أو الظهور أو المباهاة أو المنافع، لا عن طريق الفريضة المُنَزَّلة من الله على عباده. وحسبك من وطنية الإخوان المسلمين أنهم يعتقدون عقيدة جازمة لازمة أن التفريط فى أى شبر أرضٍ يقطنه مسلم جريمة لا تغتفر حتى يعيدوه أو يهلكوا دون إعادته ولا نجاة لهم من الله إلا بهذا". واليوم أصبحت الأمور على غير ما نُحِبّ ونرضى، وتحوَّلت الأمور إلى طريق مسدود تفيح رائحة التآمر على الأمة الإسلامية والعربية، ويقف الإخوان المسلمون ومَنْ على شاكلتهم يحاولون أن يجنِّبوا الأمة المزالق، وللأسف ينظرون حولهم ويرون فى الكثيرين الشحّ المطاع، والهوى المتبع، وإعجاب كل ذى رأى برأيه، وظهر بوضوح أن الذين ينتمون إلى التجمعات غير الإسلامية لا تُقدِّر الموقف ولا تحرص على الوحدة الوطنية ولا تبادر إلى التعاون إلا القليل منهم، وممَّا زاد الأمر حيرة وضاعف الأسف أن الكثيرين من المسلمين بدل أن يُشمِّروا عن ساعد الجِدِّ ويُضحُّوا بكل ما يملكون فى سبيل نصرة الحق، وإقامة العدل والتذكير بالواجب، وما يجب أن يكون عليه صاحب الرسالة والداعى إلى الله تعالى، وننظر إلى أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم ونقتدى بهم، فحين هاجروا إلى المدينة أصبحوا وأمسوا لا همَّ له إلا ردّ المتآمرين والحفاظ على الأمة من أعدائها خاصة اليهود، لقد كانوا يبيتون فى يقظة دائمة ويكوِّنون حول المدينة سورًا محكمًا من اليقظة والاستعداد ولا يستطيع مخلوق أن يقحمه أو يقترب منه، وصدق الله العظيم حين قال فيهم: {ولَمَّا رَأَى المُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وعَدَنَا اللَّهُ ورَسُولُهُ وصَدَقَ اللَّهُ ورَسُولُهُ ومَا زَادَهُمْ إلا إيمَانًا وتَسْلِيمًا * مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ ومِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ومَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} (الأحزاب: 22، 23). يقول أحد الصحابة رضى الله عنه: "أرسلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لمطاردة المشركين على ساحل البحر، وكنا لا نزيد على خمسة وعشرين فردًا، فقيل له: ماذا كان طعامكم؟ قال: أعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم جرابًا من تمر، وكان نصيب الواحد منا تمرة فى اليوم، قيل له: ماذا كنتم تصنعون بها؟ قال: كنا نضعها فى أفواهنا، ونشرب عليها الماء طوال اليوم". أرأيتم أيها الإخوان إلى رجال الدعوات وحملة المنهج الإلهى والإصرار على تبليغه وحماية أمة الإسلام من أعدائها.. إنه أمر كبير يحتاج إلى اليقظة وإلى التجرُّد وإلى الإخلاص وإلى الأخوَّة وإلى التعاون قال تعالى: {إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِهِ صَفًا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} (الصف: 4). أيها الأحباب اليقظة اليقظة.. والاستعداد، والصيام، والقيام، والصدق، واليقين، والثقة بينكم هذه مفاتيح النصر وبداية الفرج، والأمل فى الله تعالى كبير. ونحن نؤمن بأن المدَّ الإسلامى اليوم أفضل من الأمس وأعمق، وأن القاعدة الإسلامية والنصر الذى حالف أهلها فى العهد الأول قام فى أقصى فترة عرفها التاريخ. وحين انهزم كِسرى أمام جيش الإسلام ورجاله وهرب بالبقيّة الباقية معه إلى مكان يستريح فيه، فقال للبقية الباقية من جنوده: أخبرونى من هؤلاء الذين هزموكم وانتصروا عليكم وأنتم أكثر منهم عَدَدا أو عُدَدا كيف تم ذلك هل هُم وُحُوش كما يُقال؟ فقال قائد من قادته: أنا أخبرك: هزمونا لأنهم يقومون الليل، ويصومون النهار، ولا يدخلون إلا بسلام.. يُحِبُّ بعضهم بعضًا، وإذا حدَّثت جليسك بحديث لم يسمعك لكثرة ما عَلا من أصواتهم بالذِّكر والتسبيح، أما نحن فهُزِمْنا لأننا نشرب الخمر، ونأتى المنكرات، ولا يحترم بعضنا بعضًا؛ فلهذا هُزِمنا، أما هم فلن يغلبهم أحد ولن يقف أمامهم أحد. فردَّ كسرى: إذا كان الأمر كما تقول فسيَمْلِكون موضع قَدمى هاتين"، وقد تحقَّق بفضل الله عز وجل. يا أيها الأحباب: هذا طريقكم، وهذا عنوان جهادكم، فآمنوا به، والتزموا بكلِّ ما فيه، واستيقظوا، ولا داعى أبدًا للإغراق فى الدنيا، فهذا ليس بطريقكم، بل هو طريق آخر لغيركم، وخذوا الدنيا على أنها وسيلة تبلِّغكم الآخرة، أما عبوديتها والتعلُّق بها فهذا مَنْهِى عنه شرعًا. جاء فى الحديث: ((تَعِسَ عَبْدُ الدرهم، تَعِسَ عبد الدينار، تَعِسَ عبد الخَمِيصة، تعس عبد القَطِيفَة، تَعِسَ وانْتَكَس، وإذا شِيكَ فلا انتَقَش)). وفى الحديث: ((إذا عظمت أمة الدرهم والدينار نُزع منها هَيْبَة الإسلام، وإذا حكمت بغير ما أنزل الله حُرموا بركة الوحى، وإذا تركوا الجهاد وتبعوا أذناب البقر سَلَّط الله عليهم ذُلًّا لا ينزعه حتى يعودوا إليه)). إنَّ طريق الجهاد فى سبيل الله سبحانه غير مفروش بالورود والرياحين، لكنه ممتلئ بالشُّهَداء والتضحيات، قال تعالى: {والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وإنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ} (العنكبوت: 69). والله أكبر ولله الحمد،،