صدر حديثا عن مركز الحضار للنشر والتوزيع رواية جديدة "ما لم تقله النساء" للكاتب الصحفى محمد القصبى. الرواية تتخذ شكل رسالة كتبتها الدكتورة زينب الحناوى، أستاذة الأدب الإنجليزى بجامعة المنصورة ذات التوجهات العلمانية، وزوجة ابن خالها الشيخ هشام الغزولى، رئيس جمعية أحباء الرسول، إلى أستاذها فى الجامعة الدكتور سامى الجبالى، الذى كان يلاحقها منذ أن كانت معيدة فى الكلية بغزلياته، لكنها كانت تصده إلا أنها فى الرسالة التى كتبتها وحتى آخر سطورها وما إن كانت قد اتخذت قرارها بإرسالها له أم لا، تكشف عن حبها له وعن استحضاره إلفا يؤنس وحدتها فى لياليها المرهقة بالحرمان، وتبوح بما لم تبح به امرأة قبلها، وأحيانا بأسلوب صارخ بمعاناتها الفكرية والعاطفية والجسدية مع زوجها، وهواجسها الدينية التى قلبت حياتها إلى جحيم! وقد انتهت العلاقة بينهما بالطلاق، وصراع حول حضانة ابنتهما عائشة، بما اضطرت معه الأم إلى الهروب.. ويفهم من ختام الرواية أن الأستاذة الجامعية قتلت فى شقتها بمدينة المنصورة يوم 5 أكتوبر 2009 كما عثر على دفتر مذكراتها هذا ضمن أوراق كانت مبعثرة فى شارع لاظوغلى عقب اقتحام المتظاهرين لمقار مباحث أمن الدولة يوم 6 مارس 2011. ويتوقع المؤلف أن تواجه الرواية بكثير من التحفظات من قبل بعض النقاد لما يشوب بعض أجزائها من تقريرية، ويقول القصبى، إن التقريرية لم يكن ثمة مهرب منها، لأن الرواية تتخذ شكل السيرة الذاتية لأستاذة جامعية علمانية، وعلى قدر عال من الثقافة دفعت بها الظروف العائلية، لأن تكون زوجة لابن الخال المنغلق فكريا، لذا من الطبيعى أن تحتشد رسالتها بالآراء والمعلومات التى تراها دعما لها فى مواجهة الرجل، كما أن البطلة تختزن بداخلها بركانا من الغضب ظل مقموعا آلاف السنين، ورسالتها انفجار للبركان الذى لا يتلاءم معه أبجدية الهمس بل الصراخ، وقد حذرت البطلة أستاذها من التعامل مع رسالتها كنص روائى معيوب، فهى لا تكتب أدبا.. بل الأمر لا يخرج عن كونه لحظة شعرت خلالها بالغثيان فتقيأت كل ما بداخلها من معاناة! أما فيما يتعلق بإشكالية تجنيس ما تكتب فتستحضر الأستاذة الجامعية حيرة رولان بارت حول كتابات جورج باتاى: هل هى سرد قصصى؟ أم شعر أم مقالات؟ هل باتاى رجل اقتصاد أم فيلسوف أم متصوف؟ وأخيرا استقر بارت على أن باتاى يكتب نصا! والرواية تعالج مجموعة من القضايا الإنسانية التى تبدى البطلة دهشتها من ارتكان البشر إلى كونها بديهيات ينبغى التكيف معها. فالبطلة تحكى عن تكوينها الرومانسى المفرط فى شفافيته، والذى تشكل عبر قصائد شعراء المهجر وأبو قاسم الشابى وإبراهيم ناجى وثومة وحليم وشادية، ويبدو هذا الجانب صيغة يأنس لها وجودها الإنسانى، إلى أن تداهم بجانب جسدى تنفر منه بداية، لكنها بمرور الوقت تتآلف معه وتنجح فى تحقيق المصالحة بين ما هو روحى وملائكى بداخلها وما هو جسدى غريزى، إلا أنها لم تنجح أبدا فى تحقيق تلك المصالحة مع روح تحلق فى علياء رائعة جبران أعطنى الناى، ومعاناتها فى دورات المياه! وثمة تناقض لا تجد له تفسيرا بين سلوكياتها الراقية التى تنبثق من قراءاتها العميقة، وبين نزعاتها البدائية التى لا تجد لها تفسيرا إلا عند عالم الحيوان الدارونى هنرى مودسلى الذى يرى أن هناك بالفعل مخا بدائيا داخل مخ الإنسان..يجعل بالإمكان تتبع البدائية الوحشية فى الحضارة.. أى أن الإنسان مهما بلغ مستوى تحضره يرتد فى كثير من سلوكياته إلى البدائية الكهفية التى كان عليها أجداده من سكان الكهوف، ومازالت بقاياها متجذرة بداخله فيما أسماه مودسلى بالمخ البدائى. الجدير بالذكر أن غلاف الرواية من تصميم الفنان أحمد عبد النعيم.