لعله يمكن القول إن إبداع ليلي محمد صالح مثل واضح للكتابة النسوية التي تتمحور حول ما تعانيه المرأة، وعند ليلي لابد من أن نضيف ما تحلم به المرأة، وما تنبض به ذاتها من تفاؤل.صدر لليلي محمد صالح المجموعات التالية: جراح في العيون، لقاء في موسم الورد، عطر الليل الباقي، إضافة إلي اهتمامها المبكر بإبداع المرأة، من خلال كتابيها" أدب المرأة في الكويت"، و" أدب المرأة في الجزيرة والخليج العربي " اللذين يعدان من أوائل الكتب التي ألفت في هذا الاتجاه. غالبية قصص ليلي صالح ترسم ملامح للمرأة المعاصرة، ومواجهتها لمتطلبات الحياة، وكيف أن المرأة العربية الخليجية تواجهها المصاعب والعثرات في طريقها، لكن الكاتبة دائما ما تضيف الحلم والشاعرية إلي تلك المواقف، ومن ثم تتجنب بطلاتها المواقف الحاسمة والصاخبة المعلنة عن الذات النسوية، كما تفعل أخواتها الكاتبات الآن، إنها تختط لنفسها منهجاً وسطاً، يراعي العادات والقيم، والحفاظ علي المسافات المرعية في المجتمعات العربية، بين الر جل والمرأة ، كل هذا يأتي عبر صوت هامس ، لائم أحياناً، ومستسلم أحياناً، لكنه في كل الأحيان يبرر الأعذار للآخرين . تستهل ليلي صالح مجموعتها الجديدة " ذلك البحر " بإهداء موح ودال، فتهدي المجموعة إلي أهل الكويت والمرأة الكويتية مرشحة وناخبة, وإلي سعاد الصباح، وتصفها بوردة الوركيد، وأروي الوقيان زهرة النوير، تعبيراً عن مدي حب ليلي صالح لبنات جنسها، والإهداء بمثابة مفتاح لفك شفرات النصوص، فقصص ليلي صالح في هذه المجموعة مغموسة في الكتابة النسوية، يفوح منها انحياز للنص النسوي، الدال عن الذات، والمعطر بأريج السيرة الذاتية، والحالم في التواصل مع الآخر، لكنه في الوقت ذاته يعبر عن حزن عميق وشفيف، من خلال لحن شجي يسري في نسغ النصوص، وهذه خصيصة من خصائص نص ليلي محمد صالح. في المجموعات السابقة، لا تغفل ليلي المكان، وبخاصة موطنها الكويت وقت محنة الاحتلال، لكن المكان هنا يختلف عما جاء مثلاً في مجموعة لقاء في موسم الورد. يلعب المكان الدور الأبرز في تطور الأحداث، وفي تأجيج المشاعر، وضبط الإيقاع، وفي استكناه ما بداخل النفس من مشاعر، ويأتي الزمن وصيرورته، حيث الحديث عن الأصالة والمعاصرة، والمقارنة بين الماضي والحاضر، وهي هنا تقترب من مفهوم الأصالة والمعاصرة الذي ارتضاه د. عبد الباقي إبراهيم في قوله: " إن الأصالة في مفهومها هي الحصاد الحضاري لتراث المجتمع، ثقافياً واجتماعياً وعمرانياً، علي مدي التاريخ، والمعاصرة هي النتيجة الحتمية للتفاعلات المستمرة للمقومات الحضارية للمجتمع، والمرتبطة بحركة التاريخ، حاملة ما تستطيع من الحصاد الحضاري لتراثه، ومتأثرة بالبعد الجغرافي لموقع هذا المجتمع من المجتمعات الأخري التي تؤثر عليه في موجات متلاحقة من المد والجذر الحضاري". كل ما سبق يأتي عبر نص يتكئ علي محمول السيرة الذاتية، والصريح في موضع والمتلفع بغلالات من المتخيل في موضع أخر، ففي القصة الأولي " تداعيات في غرفة mri " ثمة لحظة مفارقة تحملها الكاتبة بمدلولات رمزية، فالزمن صباح جميل، والطقس رائع، وثمة فتاة مسرعة تحمل باقة من الزهور الحمراء، وطفل جميل يلعب، لكن هذا العالم محاط بالآهات والمرض والمرضي ومعاناتهم، هي واحدة ممن يعانون الألم إلا أن روحها تحلق في عالم من البهجة والموسيقي رغم معاناتها التي تجعلها تشارك كل من يسكنهم الألم في هذا المكان، الرصد الدقيق لهؤلاء المرضي، وللحالات المستعصية بخاصة، يشير إلي أن المكان يضج بالحياة، لكن الموت يتربص في ركن غير قصي، تتفحص الساردة الوجوه، وتعطي في لمحات سريعة انطباعات عن الشخصيات التي تعيش بين المرضي وآلامهم، فلكل شخصية سمة ما، وطريقة في مساعدة الآخرين علي العبور إلي بر السلامة والنجاة، وبين الحركة والسكون يبدو الزمن واضحاً جلياً للساردة، ويعطي لها فرصة التعرف إلي ما يعتمل داخل النفوس " قبل أن تجد نفسها في حديث داخلي، سمعت نداء اسمها، مشت بهدوء وصمت، دخلت غرفة بيضاء مربعة " . إن الاسترجاعات الماضية كفيلة بقراءة الحاضر قراءة جديدة، فالأحداث دائما ما تقدم عبر سارد بعينه، غالباً ما تكون شخصية البطلة، وتتعلق بلحظة فارقة، أو داهمة لحياتها، ومهددة لوجودها، لكن الساردة تستعيد وعيها علي إفاقة بأن العالم مكانياً و زمانياً يرسم مخرجاً للنجاة، وهكذا في كل تهديد تتعرض له البطلة نجد من يقف بجوارها سواء أكان بشراً أم بحراً أم أشعة شمس دافئة ،أم صوت امرأة ، أم أشعة القمر ،إن الكون كله تتضافر جهوده لإنقاذ البطلة ،وهي نظرة رومانسية لا تخلو منها قصص ليلي صالح. في قصص ليلي محمد صالح قدر كبير من تعرية الذات، ذات الشخصية تتطابق مع ذات المبدعة، أو في أحسن الظروف تقف علي مسافة قريبة منها، ولا تجد غضاضة في الرصد الدقيق لانطباعات من حولها، سواء أكانت إيجابية أم سلبية، فالعطب الجسدي الذي ألم بساق الساردة، لم ينل أبداً من الروح الحبيب هو النصف الثاني لشخصية الساردة، الحب والإبداع والثقافة، والتفاهم الإنساني يجمع بين الرجل والمرأة، وليس الحب الجسدي، هكذا يتحدد مفهوم الحب عند ليلي محمد صالح، حتي العلاقة الزوجية هي علاقة مبنية علي الصداقة والتفاهم والشفافية، إن الحب حالة من الوجد والذوبان في شخصية المحبوب، وعلي المحب أن يتلمس الأعذار للمحبوب، رغم كل ذلك فإن الحب عند " صالح " يعاني عقبات تتمثل في الغيرة، وقوي المجتمع الضاغطة والمسيطرة، علاوة علي أحقاد النفس الإنسانية. إن نظرة الإنسان للزمن اتخذت اتجاهين متضادين: الأول يسعي إلي إبراز إيجابية الزمن الذي يسير نحو التطور الخلاق، باعتباره مولد الأشياء، والقادر علي تحويل الصيرورة إلي كينونة، والقوة إلي فعل، والنقص إلي كمال، أما الاتجاه الآخر فيتمثل في الروح التشاؤمية، حيث يعني الزمن عدم الأمان والاتجاه نحو النهاية، بمعني الدمار والموت، فيصبح الزمن رمزاً للهدم والشر. أما عن وعي المرأة بالزمن فقد تراوح بين الاتجاهين، فهي تحاول الإفادة من الرصيد النضالي الذي تركته النسويات بأفكارهن التحررية، والعمل علي خلق بنية من الوعي المتنامي والمتطور، وغرسه في التاريخ المتحول، للحصول علي مزيد من الامتيازات، لكن علي المستوي الذاتي، الفردي، فإن اتجاه الزمن إلي الأمام يغلب عليه الطابع السلبي، ليكون عنصراً هداماً سواء علي المستوي الجسدي، أم المستوي الوجود الاجتماعي الفاعل ( د . سهام أبو العمرين ،الخطاب الروائي النسوي ، كتابات نقدية ،الهيئة العامة لقصور الثقافة ) نلمح في قصة " مازال الباب مفتوحا" مدي إيمان المرأة بأن عامل الزمن ليس في صالحها، فالحديث عن جمال المرأة، وزوال هذا العنصر الهام والمحاولات المستميتة من قبل المرأة لاستعادته بكل السبل، فأسرار الجمال كما تحددها لنا الساردة وبطلة القصة من التدليك وإزالة التجاعيد والبثور والمساج والتقشير وحمامات البخار. إننا أمام عالم المرأة السري عالم النساء الذي لم يعد خاصاً بهن، فقد زاحمهن عليه الرجال في محاولة لاستعادة الزمن الضائع والتمسك بأهداب الشباب الزائل، إن صانعة الجمال الزائف تري في الجمال الحقيقي صدق العاطفة، وكيف أن الأمهات والجدات لم يكن يجرين وراء هذا الجمال الزائل، بل حباهن الله بجمال دائم هو جمال الروح النابع من حب الأسرة والتفاني في خدمتها، وهذا ما تكشف عنه المرأة خبيرة التجميل التي تعاني هي الأخري من فقد آخر، هو فقد الزوج المحب الذي تركها. إنها تعيل الأبناء، وتتحمل نفقات تربيتهن، والزمن لا يمنحها أية حماية، وتعاني شعوراً دائماً بوخز الضمير، لأنها تترك الأبناء أثناء ساعات العمل، هكذا تبدو حياة المرأة العصرية: تعيش مفارقة بين ما يجب أن يكون، وما هو كائن بالفعل، بين ما تحلم به وما يصدم هذا الحلم ويعطل حدوثه، إن النجاح في العمل والتفوق والشهرة كلها أمور زائفة لا تغني عن وظيفة المرأة الطبيعية، وهي الأمومة والدفء الممنوح للأبناء، وكيف يحدث ذلك وهي الفاقدة لدفء الحياة الطبيعية مع الرجل الذي أحبته،هذه المعضلة تضعها أمامنا ليلي محمد صالح، قصة" ما زال الباب مفتوحاً " جاءت في شكل حوار داخلي، حيث يتم التبئير علي المكان بشكل واضح وصريح، فالسالمية بجمالها وبناياتها وشارع الخليج العربي لوحة ساحرة غير قابلة للتفسير (ص 65 ).في الوقت ذاته تنتقل إلي نظرة طفلها، تشيعها وهي ذاهبة إلي عملها، مما يضاعف من ألمها " لولا الظروف و" العازة " لما خرجت من البيت، وتركت أولادي، سيكبر ابني ، وسيعرف دوافع عملي، والحاجة الماسة التي تغصبني، سيعرف وأخته أنهما في شغاف القلب والروح ( ص 65 )، المرأة لا تؤمن بما تقوم بماتراه تافها لا طائل من وراءه ، ما معني أن يجري المرء وراء جمال زائف، نساء تافهات " الذي يغيظها ضياع الزمن في فك طلاسم صراعات ليزر الجمال ( ص 67 ). الزمن في هذه القصة هو زمن اعتباري، زمن سرمدي تجد المرأة أنه عدوها الأول. لقد سلبها الجمال والجاذبية، زمن يتقدم نحو الأمام بينما حركة المرأة في الزمن تتجه نحو الخلف. هكذا تريد هي العودة للشباب، أما الفتيات فيردن زمناً ممتداً لجمالهن، كل واحدة تريد أن تكون الأجمل عبر إخفاء عيوبهن الجسدية، المعادلة هنا تأبي أن يتم التصالح مع الزمن الذي يعني في آن التصالح مع النفس، هذا الأمر هو ما يمكن المرأة من مواصلة الحياة، والذي تعبر عنه الكاتبة في رمزية العنوان ما زال الباب مفتوحاً نحو الأمل نحو عودة المحب نحو تصالح المرأة مع ذاتها. إن سلاح الأمومة تشرعه المرأة أمام أقوي التحديات التي تواجهها، ولعل أهمها الزمن سالب الجمال والقوة والصحة، لكن الزمن يعطي المرأة عبر التجربة الخبرة والحكمة، والمرأة رغم أنها لا تحمل ثقافة عميقة، إلا أن وعيها بذاتها وأنوثتها متقدم، تحلم بان تكون بجوار الأبناء والزوج المحب الذي يقدر التضحية، والمجتمع يري فيما تقوم به من عمل، نفع وخير للجميع. إن نساء ليلي محمد صالح رغم تعدد هويتهن الاجتماعية والثقافية والنفسية لديهن أمل وحيد هو الحب، العيش في بيت، في كنف زوج محب، لكن الأزواج في قصص المجموعة نماذج شوهاء ضعيفة الشخصية أمام أعراف المجتمع الضاغط ،غالبيتهم يتركون المسئولية للمرأة تجابه وتعاني، لقد انحاز السرد للمرأة منذ البداية في صوت السارد الأوحد في قصص المجموعة، بينما غاب صوت الرجل، صار في بعض القصص صدي بعيداً، دلالة علي تراجع دوره وسلبيته. من المعلوم أن المكان في العمل الإبداعي قصة، رواية، لوحة تشكيلية، إلخ ليس هو المكان الواقعي، فالنص وإن تضمن بعض العلامات والإشارات المكانية التي تحيل إلي مرجعية خارجية، فإنه يأتي من قبيل الإيهام بواقعية الأحداث لإضفاء المصداقية عليها، كثير من الروائيين نظروا إلي المكان الروائي علي أنه يجب أن يكون صورة دقيقة عن المكان الواقعي مثل إميل زولا، وكذلك بلزاك الذي كان حريصاً علي زيارة الوديان والنهار والغابات والأماكن التي تدور فيها أحداث بعض رواياته، رغبة منه في وصفها وصفاً دقيقاً مطابقاً للواقع، وقد أكد دستويفسكي علي أن الخيال في الفن له حدوده وقواعده، ويجب أن يكون علي تماس مع الواقع لدرجة تجعل المتلقي يصدق كل ما يبث إليه "( غاستون باشلار : جماليات المكان ، ترجمة غالب هلسا ، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر والتوزيع ، بيروت ط ، 1984 . علينا أن نعي نظامين للمكان، الأول: يدرس المكان المتشكل من عالم المحسوسات في مطابقتها للواقع، أو اختلافها معه، أما التنظيم الآخر فهو تنظيم الفراغ، وهو ينقسم بدوره إلي مناطق منفصلة، لكل منها قوانينها الخاصة التي تحكمها ( سيزا قاسم: بناء الرواية، الهيئة العامة المصرية للكتاب 1984، ص 74 )، لكن هذا الدور لا يكفي حتي نكشف علاقتنا بالمكان، ثمة دور أكثر أهمية، أي دور الرمز في تجسيد التصور القائم بالعالم، وقد استخدم يوري لوتمان اللغة لإخضاع العلاقات الإنسانية والنظم الاجتماعية لإحداثات المكان لمنظومة مجردة، فلا تلبث أن توظف هذه المنظومة ضمن منظومات أخري، اجتماعية، اقتصادية، أخلاقية، لا نملك إلا أن نتفق مع هذا الرأي في أن للمكان وجوده المعلن من خلال الأشياء التي تشغل الفراغ، ويعمل الوصف الدقيق علي رسم جغرافية المكان كحيز مرئي يستعاد عبر المتخيل، أو عبر السرد، ويحيل المتلقي إلي عالم الإيهام بالواقع. وحتي يكون لدينا قصة، فإن الأمر" يقتضي نقطة انطلاق من الزمن، ونقطة اندماج في المكان، أو في أقل تقدير يجب أن تعلن عن أصلها الزماني والمكاني معاً "( في نظرية الرواية ، بحث في تقنيات السرد ، ص 142) ويقول فيليب لوجون عن علاقة المكان بالشخصية، إن وصف البيئة هو وصف مستقبل الشخصية، وذهب البعض إلي أن هناك تطابقاً بين المكان والشخصية، فلا وجود للمكان إن لم توجد الشخصية علي مسرح الأحداث، نحن نشعر بالمكان وأهميته عبر وجهات النظر المتعددة داخل العمل الأدبي، عن طريق إقامة صلات بين المواد والأجزاء والمظاهر التي يتضمنها الشكل الحكائي، بحيث تصبح كلها تعبيراً عن كيفية تنظيم الفضاء النصي. أما علاقة المكان والزمان، فهي علاقة حتمية تؤدي إلي التطوير والتغيير في الوقائع، وإدراك العلاقات الدلالية لمثل هذه المتغيرات، المكان إذن عنصر لا غني عنه، بل قد يتحكم في عملية السرد الحكائي، فيصير العنصر المهيمن والمتحكم في الوظائف الحكائية "( زينب العسال، تفاعل الأنواع في أدب لطيفة الزيات، سلسلة كتابات نقدية، الهيئة العامة لقصور الثقافة العدد 140) في قصة " الوقوف خارج الأحزان " يلعب المكان دوراً في الزمن الذي يمر علي البطلة، فعندما يأتي الليل تعتصرها الهواجس، وفي الصباح تستغرق في القراءة والحديث مع الزوار، بينما وصف المكان يتواءم تماماً مع شعور الذات بالانهزام أمام المرض، فالمكان يلفه السكون العميق الذي يسببه لها الأنابيب والأسلاك،لا شيء أمامها، سوي الوحدة، وأنفاسها المحترقة التي تنساب في عروق الصمت "( ص 31 ) الملل والوقت البطيء القاتل ،الباعث علي الشعور بالوحدة.. كل ذلك يحفز الساردة إلي الفرار من المكان ( ص 32 )، تنتقل البطلة بجرحها من مشفي إلي مشفي، ومن مكان لآخر ، من الكويت إلي لندن، كما ينتقل الحديث من ألم المرض إلي الألم النفسي الذي يتشكل عبر الزمن، ومن الأطباء والممرضات الكويتيين إلي الحديث عن طبيبها " ميلنكو " التشيكي. في غرفتها بمستشفي الرازي نتلمس روح الألفة التي تربط المريضة بكل ركن في الغرفة، صارت الغرفة جزءاً من حياتها " ذكرياتها في المستشفي حميمية، غرفتها الخاصة تقابل مكتب خفارة الممرضات " ( ص 33 ).إن المكان لدي " صالح " يمثل الحنين والحب، فالشخصية جزء ركين من المكان، لا يمكن للجسد أن ينفصل عن تراب الوطن ولا عن سمائه " لا شيء يظلها سوي السماء ممددة علي قارعة الطريق، في فرن الظهيرة الحارق، تشم بعمق تراب الأرض، ذرات من الرمل والتراب تتسرب إلي عينيها، ما أحلي إغماض العينين، ما أحلي الدفء، الاسترخاء تحت الشمس الحارقة.. تحس بلذة أسفلت الرصيف الحار، الدفء أول الحياة، الدفء أول الموت " ( ص 38 ) تأتي قصة" ذلك البحر" لتهدئة النبرة العالية المتوترة، والأحداث المتسارعة في القصة السابقة. يطالعنا هدوء البحر ووصف الرمال والصخور والنسيم ، ثم ننتقل إلي صورة أخري لضاحية السالمية، والرجوع لتاريخ المدينة وديمغرافيتها، كل ذلك يتزامن مع لحظة استكناه المشاعر الدفينة، حيث الانتظار واللهفة والشوق والموسيقي والغناء ونسمات الهواء وصفحة البحر الأزرق وأضواء القمر، هذه الرومانسية يتسلل إليها القلق علي الحب الوليد، ومن رحم الرومانسية يتولد الواقع الاجتماعي، حيث نجد تعدد الزوجات، والزواج غير المتكافئ ثقافياً، إن الزمن عند الساردة يمثل الحب والتفاهم والثقة فيمن أحبت، بينما الزمن لدي الأخري يمثل محاولة استعادة وهيمنة علي الرجل الزوج وكأن الزمن لم يغير من مفاهيم البشر رغم أن سلوكيات البشر تغيرت، وتطرح ليلي أسئلة من قبيل: أين ميزان العدالة؟ لماذا يميل هذا الميزان تجاه كفة الرجل؟ ما سبب إقصاء المرأة، ومنعها عن الحديث عما يخص حياتها؟