في أحدث مجموعة قصصية للكاتبة ليلي محمد صالح ، تضافرت القصص وتكاملت حتي شكلت لوحة فنية أقرب إلي السيرة الذاتية ، وإذا كان بعض الحداثيين يفصلون بين الإبداع والمبدع إلا أنه هناك حبل سري يربط دائما بين النص وكاتبه وتتجلي المرأة في قصص المجموعة في صور عديدة وأعمار مختلفة ، طفلة ، مراهقة ، أنثي ناضجة ، زوجة وحبيبة ، أرملة ومطلقة ،وإن كانت بعض القصص جاءت علي لسان السارد والبعض الاخر جاء بضمير الغائب لكنها شكلت في النهاية لوحة متكاملة للمرأة في معظم حالاتها إن ثيمة الفقد تسيطرعلي معظم القصص وتأتي في معظم الأحيان مرتبطة بالتجدد أو التشرنق والولادة من جديد ، في قصة الذي قد كان ..... كان .الشخصية المحورية في القصة أو ما يعبر عنه أحيانا باسم بطل القصة نشاهده في صراع شديد مع زوجته الجديدة التي شعرت بأنه لم يستطع أن ينسي زوجته الأولي وابنه وابنته بعد أن فقدهم في حادث مروري ذات يوم عاصف وكنا ننتظر أن نعمق المأساة بهذا التمزق بين الماضي والحاضر بين الذكري والواقع لكن سرعان ما تم التصالح بين الزوج ونفسه وزوجته الجديدة ولسان حال الكاتبة يذكرنا بأن التجدد والإنطلاق إلي الأمام هي سمة الحياة . لأن التوقف عند مرحلة ما معناه الموت . سقوط القمر : هو سقوط قيم الحب والوفاء بطلة القصة تعاني من فقدان القيم الجميلة ومن ثم جاء الدمار من الخارج ليؤكد خلو العالم من روح الحب والبناء وسقوط القمر دلالة رمزية علي سقوط كل ما هو جميل . من خلال لغة شاعرية مقطرة كان فيها المونولوج والصوت الداخلي طاغيا علي الصوت الخارجي هذه المناجاة مع القمر كانت مبررة فنيا باستثناء بعض الجمل التقريرية مثل إن والتي لا مكان لها فينا داخل القصة كما الراوي المتكلم.. السارد الأنا المشارك في الأحداث أعطي القصة مصداقية أكثر وكان استخدامه إضافة فنية الليل الباقي : من أجمل قصص المجموعة وتعتبر نموذجا للقصة محكمة البناء حيث توازن فيها المعرفي مع الجمالي ، السارد هنا بضمير الغائب المتمثل في هي وهو غائب عليم بكل ما حدث للشخصية المحورية ، حب وانكسار ثم ذكري ثم موت وحزن وفي النهاية حالة من التشويق حيث تولد الشخصية من جديد وسط الحزن والألم والمؤامرة وسطوة القدر ، بعد أن يموت الحبيب الذي احتل كيان المرأه المحبة العاشقة الولهه والتي تآمر عليها أقارب الزوجة فأفقدوها اياه ولكن بعد وفاته يحدث انصهار جديد يتمخض عنه ولادة جديدة الحدث الرئيسي ينمو وتنمو معه الشخصية المحورية ومن ثم يتصاعد الصراع الدرامي داخل الشخصية ، نوع من الدراما النفسيه أو ما يسمي السيكودراما في اطار لوحه فنيه جميلة متكامله ، وفي قصة زواج ... ولكن ومن خلال السارد الغائب العليم بكل ما يحدث والمعلق علي الأحداث تظهر الشخصية المحورية في القصة وهي في موقف عدائي من الزواج كما جاء علي لسانها :لا أفكر في الزواج .. لي أحلام يا أمي .. أحلامي جميلة في عالم خاص .. أتمني أن لايقتحمه أحد .. وحدتي هي أمنيتي في هذا الكون الفسيح .. وحدتي في الليل فقط ...لكنني متعددة في النهار .. في العمل ناجحة .. الكل يحيط بي .. الكل يحبني بعد هذا الموقف تدخل الشخصية في تجربة زواج لمدة ثلاث سنوات أثمرت عن طفلة حلوة اسمها وفاء ثم تصحو علي خيانة الزوج وينتهي هذا الزواج ، ثم تمر سنتان وهي مطلقة وتعاني من هذه الحالة المستهجنة في عالمنا لكن سرعان ما تلتئم الجروح وتبدأ رحلة زواج أخري ناجحة كما هي معظم نهايات قصص المجموعة الولادة من جديد والنجاح الذي يعقب الفشل ، وهذه من أهم السمات في قصص المجموعة لغة القصص :جاءت معظم لغة القصص في بنائها السردي أقرب إلي الشعر في تكثيفه والميل إلي المجاز وتشكيل صوري جديد في صفحة 23 وفي قصة الليل الباقي " بهدوء شديد نزلت من مرتفعات الأحلام إلي منخفضات الواقع مشاعر في صدرها الملتهب ذكريات قديمة تأتي وتروح ... ولكنها لاتنتهي " وفي صفحة 41 في قصة الصورة المعلقة " أمي.. أمي لكن الصوت احتبس في حلقي ... تقلبت علي جنبي ، أغمضت عيني ... فتحتهما ... أحسست بحركة خفيفة قربي من جديد . بين اليقظة والمنام وجدتها رويدا رويدا تختفي .. أردت أن أرفع يدي لألوح لها .. أحسست أن يدي ثقيلة ... أسبلت جفوني وتركت ظلام أعماقي يمتص نور الغرفة الخافت ..أغمضت عيوني أحسست بسريري المخملي يغوص بطيئا داخل تابوت إلي قعر واد عميق ساكن كالقبر "في صفحة62 في قصة شموخ قمر العارضية " يهوي القمر المشرق ... مبارك النوت ... في عز الضحي النازف ملقي علي تراب صباه ... يقطر دمه الزاكي شموسا في عيون الوطن .. يسقط بشموخ متألقا في عرس الموت الأسود يخر صريعا من عليائه ... مصافحا وجه الحرية يغيب .. يغيب في تبر تراب المجد ... يولد من جديد .. نجم مضيء بارق لن يموت أبدا "وفي صفحة 81 وفي قصة زواج ... ولكن " هاهي ثلاث سنوات قضيناها معا كأسعد زوجين... سنوات هادئة جميلة ... رزقت منه طفلة حلوة سميتها وفاء .... ولم أكن واهمة حين لمست اخلاصه ووفاءه لي في أحاديثه وعهوده وتصرفاته معي ...بل لعل اخلاصي ووفائي وحبي له كان مجرد صدي لما يملكه هو من حب دافق ووفاء مخلص . وقلب يتفجر حنانا وحبا ... كنا ننصهر سويا ونحلم بالسعادةالأبدية ، ننسي هذا العالم من حولنا ... ننام ونفيق علي أصوات الكناري ... وزقزقة العصافير ...فتفيق معنا كل الأمال وكل الطموحات والأمن " عطر الليل الباقي مجموعة قصصية جديرة بالقراءة ، اتسمت بمعالجة فنية لكثير من القضايا وركزت علي اشكالية العلاقة بين المرأة والرجل في معظم صورها وذلك من خلال تقنية سرد سلسة ومحكمة ولغة شاعرية صافية وحوار علي درجة عالية من التكثيف وذلك في اطار غلالة رومانسية تتسم بها كتابات الكاتبة المبدعة ليلي محمد صالح. وإذا كان بعض الحداثيين يفصلون بين الإبداع والمبدع إلا أنه هناك حبل سري يربط دائما بين النص وكاتبه