وزير قطاع الأعمال: الصحافة الوطنية شريك أصيل في مسيرة التنمية وبناء الوعي    محافظ الجيزة يتابع أعمال غلق لجان انتخابات مجلس النواب في اليوم الأول لجولة الإعادة    الإسكان: التقنين على رأس أولويات المرحلة الحالية لحماية أراضي الدولة    رئيسة المفوضية الأوروبية: نرحب بجهود تحقيق السلام فيما يخص النزاع الأوكراني    فرنسا ترحب باتفاق وقف إطلاق النار بين تايلاند وكمبوديا    نيجيريا تتفوق على تونس بهدف في الشوط الأول    الشباب والرياضة بالدقهلية تطلق أولى فعاليات "ها أنا أحقق ذاتي" لدعم الأيتام    إصابة 10 أشخاص فى انقلاب سيارة بطريق العلاقى بأسوان    تفاصيل لحظة وفاة داوود عبد السيد.. موعد جنازته والعزاء    مواجهة قرآنية تبهر لجنة التحكيم في «دولة التلاوة» بين محمد كامل وخالد عطية    أشرف زكي بعد واقعة ريهام عبد الغفور: نحن في بلد قانون.. والقضية لن تنتهي عند المصور    حزم بالجمارك والضرائب العقارية قريبًا لتخفيف الأعباء على المستثمرين والمواطنين    فتح المطارات للاستثمار |شراكة تشغيلية مع القطاع الخاص دون المساس بالسيادة    النصر يحطم أرقام دوري روشن بانطلاقة تاريخية بعد ثلاثية الأخدود    الأهلي يفوز على الكويت الكويتي ويتوج بالبطولة العربية لكرة الماء    بشير عبدالفتاح: إسرائيل تسعى إلى تموضع عسكرى فى صومالى لاند    سهر الصايغ وعمرو عبد الجليل يتعاقدان على «إعلام وراثة» | رمضان 2026    آية عبدالرحمن: كلية القرآن الكريم بطنطا محراب علم ونور    نيجيريا ضد تونس .. نسور قرطاج بالقوة الضاربة فى كأس أمم أفريقيا    خبيرة تكشف طرق الاختيار السليم للزواج وتوقعات الأبراج 2026    كواليس الاجتماعات السرية قبل النكسة.. قنديل: عبد الناصر حدد موعد الضربة وعامر رد بهو كان نبي؟    وزير الصحة يكرم الزميل عاطف السيد تقديرًا لدوره في تغطية ملف الشئون الصحية    الجيش السوداني يعلن استعادة السيطرة على منطقة الداكنوج بكردفان    النائب أحمد سيد: السياحة قضية أمن قومي وصناعة استراتيجية تقود الاقتصاد الوطني    الدفاعات الجوية الروسية تسقط 111 مسيرة أوكرانية خلال 3 ساعات    موجة جوية غير مستقرة بشمال سيناء تتسبب بإغلاق ميناء العريش    معهد بحوث البترول وجامعة بورسعيد يوقعان اتفاقية تعاون استراتيجية لدعم التنمية والابتكار    جهود لإنقاذ طفل سقط في بئر مياه شمالي غزة    خبير نووى: الأوروبيون فقدوا أوراق الضغط وإيران تتحرك بحرية فى ملف التخصيب    تأجيل قضية فتى الدارك ويب المتهم بقتل طفل شبرا الخيمة لجلسة 24 يناير    تعليم العاصمة تعلن انطلاق البث المباشر لمراجعات الشهادة الإعدادية    مسؤول سابق بالخارجية الأمريكية: واشنطن لن تسمح لإسرائيل بشن هجوم على إيران    ألمانيا تغلق مطار هانوفر بعد رصد مسيرات في مجاله الجوي    إقبال كثيف للناخبين للإدلاء بأصواتهم في انتخابات البرلمان بقرى مركز سوهاج    صادر له قرار هدم منذ 22 عاما.. النيابة تطلب تحريات تحطم سيارة إثر انهيار عقار بجمرك الإسكندرية    هل يجوز المسح على الخُفِّ خشية برد الشتاء؟ وما كيفية ذلك ومدته؟.. الإفتاء تجيب    وزير الطاقة بجيبوتي: محطة الطاقة الشمسية في عرتا شهادة على عمق الشراكة مع مصر    يصيب بالجلطات ويُعرض القلب للخطر، جمال شعبان يحذر من التعرض للبرد الشديد    السجن 10 أعوام وغرامة 50 ألف جنيه لمتهم بحيازة مخدرات وسلاح ناري بالإسكندرية    جولة في غرفة ملابس الأهلي قبل مواجهة المصرية للاتصالات بكأس مصر    شوربة شوفان باللبن والخضار، بديل خفيف للعشاء المتأخر    بعزيمته قبل خطواته.. العم بهي الدين يتحدى العجز ويشارك في الانتخابات البرلمانية بدشنا في قنا    عمومية الطائرة تعتمد بالإجماع تعديلات لائحة النظام الأساسي وفق قانون الرياضة الجديد    الدكتور أحمد يحيى يشارك باحتفالية ميثاق التطوع ويؤكد: العمل الأهلى منظومة تنموية    الأرصاد: السحب تتشكل على جنوب الوجه البحري وتتجه للقاهرة وتوقعات بسقوط أمطار    الرقابة المالية تصدر نموذج وثيقة تأمين سند الملكية العقارية في مصر    تعذر وصول رئيس اللجنة 40 بمركز إيتاي البارود لتعرضه لحادث    افتتاح مشروعات تعليمية وخدمية في جامعة بورسعيد بتكلفة 436 مليون جنيه    27 ديسمبر 2025.. أسعار الحديد والاسمنت بالمصانع المحلية اليوم    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المطلوب " انابة " بحكم " المنتهى " !?    موعد مباراة السنغال والكونغو الديمقراطية بأمم أفريقيا.. والقنوات الناقلة    المستشفيات الجامعية تقدم خدمات طبية ل 32 مليون مواطن خلال 2025    الصحة: فحص 9 ملايين و759 ألف طفل ضمن مبادرة الكشف المبكر وعلاج فقدان السمع لدى حديثي الولادة    عشرات الشباب يصطفون أمام لجان دائرة الرمل في أول أيام إعادة انتخابات النواب 2025    فلافيو: الفراعنة مرشحون للقب أفريقيا وشيكوبانزا يحتاج ثقة جمهور الزمالك    زاهي حواس يرد على وسيم السيسي: كان من الممكن أتحرك قضائيا ضده    أخبار × 24 ساعة.. موعد استطلاع هلال شعبان 1447 هجريا وأول أيامه فلكيا    خشوع وسكينه..... ابرز أذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكتابة النسائية واستعادة الطبقة روائيا
نشر في أخبار الأدب يوم 25 - 12 - 2010

من الراسخ في قناعاتي - ومن الممكن أن أكون خاطئا - أنه لا يوجد إبداع ينشأ من فراغ، أو أن كتابة ليس لها أسلاف وامتدادات في الزمن السابق، وبالتالي فإن نجيب محفوظ وهو الكاتب والروائي والمبدع العظيم في القرن العشرين، جاءت كتاباته الأولي متأثرة بالمناخ الفكري والسياسي والثقافي الذي عاش فيه، وكان أثر هذا المناخ يضرب بقوة في سطور روايات محفوظ، وبالتالي فإن الشكل الذي جاءت به الروايات التاريخية الأولي لمحفوظ، لابد أن تكون تأثرت بكتابات جورجي زيدان، وأن رواياته الاجتماعية التالية، لابد أن تكون استكمالا لعودة الروح لتوفيق الحكيم، وهذا من ناحية، أما الناحية الأخري فان الامتدادات الابداعية، والتي يكمل بعضها الآخر، أو أننا نلاحظ أثر السابق علي اللاحق موجوداً وراسخا، فإنها امتدادات ليست ميكانيكية، ولكنها امتدادات جدلية معقدة، وتحتاج - بالتأكيد - إلي دراسات فاحصة ودقيقة وعلمية، ولابد أن يلعب العنصر الاجتماعي دوراً في هذه الدراسات، فمثلا لو دققنا النظرفي قراءة القرية المصرية في الرواية، فلابد اننا سنلحظ أن قرية عبدالرحمن الشرقاوي، تختلف عن قرية عبدالحكيم قاسم ويوسف القعيد، وبالتالي ستكون قرية محمد ابراهيم طه والراحل فريد معوض مختلفة، فالتطورات الاجتماعية والثقافية تدخلت بقوة في صك طابعها القوي علي الكتابة الابداعية لكل جيل يتلو جيلا آخر.
ودون أن اطيل في المقدمة واستطرد، أود أن اطرق ما اقصده بوضوح،كن بصدد ظاهرة من ابداعية لغتتني في العقد الأخير وماسبقه قليلا، هذه الظاهرة تجلت في ظهور جيل نسائي قوي، تتحرك كل كاتبة بمفردها، لكنهن جميعا يحققن ما يشبه الانجاز المتشابه، أو المتقارب، ولا أريد أن أقول هذه هي الظاهرة الوحيدة، ولكنها ظاهرة ضمن ظواهر عديدة تجلت ونمت وتوسعت في مستهل الألفية الثالثة من الميلاد، وأزعم أن ظهور جيل من الكاتبات المصريات، وربما في العالم العربي، ليس إلا نتيجة طبيعة للحراك الاجتماعي والثقافي، ودعني أقول النضال الاجتماعي والسياسي والثقافي، حيث إن المفردات الجديدة، التي طغت مثل »الحراك، والناشط، والمساءلة إلخ«، بدلا من النضال، والثوري، والمقاومة، أفسدت مجالات كثيرة، أقول إن ظهور هذا الجيل من الكاتبات، تكمن خلفه نضالات تمتد الي عقود عديدة سابقة، منذ انجي افلاطون ولطيفة الزيات، مرورا بأروي صالح وسهام صبري، وانفجار الحركات السياسية والاجتماعية، بعد هزيمة 7691، وخروج الطلاب للمطالبة بمحاكمة المسئولين، ولم يكن نضال المرأة بأي حال من الأحوال، منفصلآً عن النضالات التي خاضتها المنظمات السرية، والجماعات الثقافية عموماً.
وكانت هناك ارهاصات إبداعية للمرأة منذ أن كتبت لطيفة الزيات روايتها الأولي »الباب المفتوح« ثم الرواية الرائعة والمجهولة والمهمشة - سنتناولها لاحقا - وهي رواية »الحب والصمت« للراحلة عنايات الزيات وأظن أن »الباب المفتوح - 0691« و»الحب والصمت« 7691، شكلتا مقدمتين كبيرتين، قامت عليهما - فيما بعد - كتابات أخري، واذ جاءت الروايتان في ظروف وملابسات مختلفة، لكنهما عبرا عن كاتبتيهما بشكل دقيق، مع اعتبار العنصر التخييلي والمجازي في الابداع.
اذن ظهور جيل من الكاتبات نتيجة شبه طبيعية، لمقدمات قوية تمتد في أزمنة قديمة منذ روايتي »الباب المفتوح« و»الحب والصمت«.. وعلي هامشهما تأتي روايات أخري مثل »بيت الطالبات« لفوزية مهران، و»يوميات امرأة مسترجلة« لسعاد زهير، وغيرهما من روايات.
اذن إذا كان هذا الظهور طبيعياً، فما الذي يلفت النظر في هذه الظاهرة بالنسبة لي - علي الأقل - وأبادر بالقول: إن هذه الظاهرة امتزجت بظاهرة أخري مصاحبة، وهي أن الكاتبات - بوعي أو بدوافع ذاتية - أردن أن يعدن النظر في الاشكال الاجتماعية التي نبتن منها، فذهبت كل كاتبة لتعيد انتاج تاريخ طبقتها التي انحدرت منها في شكل روائي أو قصصي، فمثلا سنلاحظ هذه الظاهرة موجودة بقوة عند سمية رمضان في مجموعتها القصصية »منازل القمر« وروايتها »أوراق النرجس«.. ونلاحظ أن قصص المجموعة تركز علي الطفولة التي عاشتها، وهناك حكاية عن رفض الطفلة المتشبع بعناصر التعالي التي تتفشي في طبقتها، وهذا يتبدي في أنها تتعاطف مع الخادمة، وتسلل خلفها، وتذهب معهما الي مسكنها، وكل هذا يحدث بعيداً عن رقابة الأهل، أو بالأخص الوالدة، وهناك علي مدي قصص المجموعة، ينشأ صراع بين البطلة في مختلف صورها، وبين القيم التي تبثها الأسرة في روحها، ولكننا سنلحط تطوراً ما للكاتبة حدث في روايتها »أوراق النرجس«.. وسنلاحظ أن بطلة الرواية، التي تلقت تعليمها العالي خارج مصر، تسرد وقائع حياتها - عموما - من خلال عين الطبقة، من خلال العين الممتزجة، وليس العين المتمردة، أو الرافضة أو التي تنتقد، هناك شيء ما حدث في المسافة الزمنية بين كتابة »منازل القمر«، و»أوراق النرجس« وكأن الكاتبة تريد استعادة روح الطبقة في روايتها، ولا أريد التوقف عند ابداعات سمية رمضان، لكن هناك - أيضا - الكاتبة ميرال الطحاوي، والتي راحت تستعيد الإرث الاجتماعي لطبقتها، وسلوكيات هذه الطبقة، وتفاصيل الابعاد الاثنية التي تزدوج مع هذا البعد الاجتماعي، لكون هذه الطبقة تنتمي لقبائل البدو. لم تستعد ميرال تفاصيل حياة طبقتها، إلا لتتمرد عليها أحيانا، وتستعرض بمظاهر ازدهارها في أحيان أخري، اذن فاستدعاء مظاهر الطبقة في السرد الروائي عند ميرال وغيرها،
لم يكن فقط للتمرد عليها، ولكن - أيضا - لانشاء تاريخ روائي وحكائي لهذه المظاهر، ولتشييد أساطير صغيرة أحاطت بالشخصية/ البطلة، بالطبع أنا لا انزلقإ إلي محاولات ربط سيرة البطلة في روايات ميرال بالسيرة الشخصية لميرال ذاتها، وهذا ينطبق علي الكاتبات الأخريات، ولكن هناك تداخل واضح وعميق وصريح ما بين التشييد الفني والسردي والمجازي، الذي يتشكل في عمل روائي، وبين بعض التصريحات التي تدلي بها الكاتبات في حوارات صحفية، أو شهادات ألقيت هنا أو هناك، ولكن محاولات البحث عن تطابق بين ما هو متخيل سردي، وبين ما هو شخصي وواقعي، محاولات تنتمي إلي عالم النميمة، والتشفي، فالبحث عن فضائح تملأ الفراغ النقدي والثقافي، لا يتجاوز البحث عن قضية مثيرة لاحداث شبهات المجازي والواقعي، وهذا لايدخل في مساحة النقد، ولكن هذا التداخل ما هو الا تداخل ابداعي وفني، وهناك بالتأكيد استفادة قوية من ناحية الكاتبة، من عالمها الذي عاشته، هذا العالم الذي تجيد الكتابة عنه، فلا يمكن أن نجد كاتبة عاشت حياة اجتماعية بائسة، تتحدث عن صفات طبقة عليا، وهذا - مثلا - يتبدي عند ثابتة مثل الراحلة نعمات البحيري، والتي عكست مفردات طفولتها وصباها في قصصها القصيرة، واستدعت تفاصيل حي العباسية الذي كانت تعيش فيه، بكل تفاصيله المزعجة، والفادحة، ورصدت التدني الطبقي الذي شاهدته وعاشته الطفلة من خلال قصص مثل أطباق صغيرة، أو العاشقون، وغيرها من قصص، وعلي عكس الكاتبات اللاتي يفخرن بمظاهر طبقاتهن، وإن كن يتمردن عليها، نجد أن نعمات البحيري تلعن الصفات التي ظهرت بها شخصيات قصصها.
أيضا هناك نورا أمين في روايتها » الوفاة الثانية لرجل الساعات « تستعيد تفاصيل الطبقة بوضوح تام، لا يحتاج إلي لف ودوران، فالأب المقاول والذي كان يمتلك سيارة صغيرة، عندما اصابه الثراء رفع شعارا يبدو وكأنه عقيدة.. وهو: »لابد من خيانة«.. واقتني سيارة مرسيدس، وحدث الصعود الطبقي، والذي تقوض بعد ذلك، وانهار، وهذه الرواية ما هي الا مرثية حزينة للطبقة، رغم كل ما كانت تتمتع به الطفلة البغلة من نعيم وهناء.
كذلك روايتا »دنيا زاد« و»هليوبليس« لمي التلمساني، ولا تكتفي التلمساني فيهما استعراض صعود وهبوط الطبقة، بل انها تستعرض الثقافة العريضة والمتعددة الاشكال التي عاشتها »ميكي« وبالتالي تستعرض - في هليوبليس - تاريخ المدينة، منذ نشأتها الاسطورية، فتكتب - مثلا - »الهة هليوبوليس التسعة علي رأسهم آتوم الخالق، شمس الليل يعني اسمه الكمال والعدم والذي تقول عنه البردية: »هكذا تكلم رب الكون« : عندما تجليت علي الوجود، وجد الوجود، خلقت ماشئت في هذا العالم، وتحددت فيه وعقدت يدي، وحدي، قبل أن تولد الألهة«.. وفي ذات الوقت تستدعي ميكي أو المؤلفة بعض الكتب التي كانت تقرأها في مختلف تطوراتها العمرية، و تستدعي جميع الاشكال الفلكلورية التي تحيط بالطفلة من أغاني وأناشيد وأفكار وحكايات، ربما كانت أشكال استدعاء الثقافة عند مي في روايتها هليوبوليس، معوقة أحياناً لمتابعة السرد، أو شكلت بعض العبء علي البناء الروائي، لكننا لا نستبعد الاصرار علي حشد مفردات ومظاهر وتفاصيل تاريخ الطبقة، وبشكل مع سبق الاصرار والترصد، والذي يأتي أحيانا رغم أنف التداعي العفوي للفن، وهنا نستطيع أن تقول، أن الفعل الابداعي - أحيانا - يبدو وكأنه فعل ثقافي خطط له الكاتب/ الكاتبة، ليقول ويعلن ويبحث ويسرد ويعيد بوعي مسبق كل ما يريد قوله في الحياة، وهذا ما سنلاحظه في رواية: »مقعد أخير لقاعة ايوارث« للكاتبة مي خالد، والتي تستعيد حكايات مدرستها الانجليزية، والتي تقع في حي مصر الجديدة الارستقراطي، وتبرز مي أو الناشر في التعريف بها انها خريجة كلية الاعلام - الجامعة الامريكية، وانها مذيعة بالبرامج الانجليزية الموجهة، وتعمل في ترجمة وتمصير الاعمال الدرامية التليفزيونية.
تستدعي مي خالد قصص المدرسة الانجليزية، وقصص المدرسات اللاتي في المدرسة، ويبدو من الاسماء التي للشخصيات أن هناك اختلافا واضحا بينها وبين الأسماء التي تنتمي لطبقات أخري، فاسم البطلة »موني« مختلفعما كان عند مي التلمساني »ميكي« وبالطبع فالبطلة تحكي وتسرد أشكال الثقافة، فالمدرسة »بها فريق مسرح، هذا الفريق يمثل مسرحيات ما كبث وهاملت لوليم شكسبير، وموني تستعرض ثقافتها الغنائية والفنية عموما.. في »السينما الصيفي تشاهد فيلمين دفعة واحدة.. الاول امريكي في الغالب، والثاني قد يكون شديد المحلية«، ثم: »في فصل »اللغة الانجليزية تتوسط مقعدها الخشبي في مواجهة موني« تجسد طفولي يؤكده ال: »تي شيرت« المعلم والشورت الاحمر الذي يجاوز الركبة بقليل، تتلافي عيونهما فيتبادلان تحية الرأس وابتسامة تآلف يسمونها في القرب
CHEMISTRY
هذا ما كان في المدرسة الانجليزية، أما ما حدث في الجامعة الامريكية، فيكاد يكون انعكاسا لحياة واقعية محض، وهذا ما لم تصرح به الكاتبة، ولكن يبدو من الاشارات الواقعية والتوثيقية في ثنايا السرد.
لا اريد أن استعرض روايات كثيرة عبرت عن محاولات تشييد أمجاد شبه غابرة أو زائلة للطبقات، حتي لا يشي حديثي بانه قراءة اجتماعية محضة، لكن اشير الي روايات أخري مثل رواية »وراء الفردوس« لمنصورة عزالدين، وان كانت الرواية لا تبحر في تعميق البعد الذاتي علي حساب الموضوعي، أو الثقافي علي حساب السرد، فمنصورة استطاعت أن توازن بدقة بين الشخصيات والاحداث والمظاهر المصاحبة لهما، وإن بدا العالم -أيضا - مرتبة مؤلمة لطبقة انهارت قل مقدراتها، كذلك ستلاحظ أن سحر الموجي في »روايتها دارية« تستعيد تاريخ بطلتها الشخصي، محاطا بمظاهر اجتماعية مقصودة.
وهناك بالطبع روايات ساذجة ظهرت في هذا المجال، روايات لم تتقن سوي الاستعراض، والزهو الكاذب والمزيف، وهذا ليس بحالة حديثنا.
وكما اسلفت القول، لا اريد أن اطابق بين ما هو مجازي وتخييلي، وبين ما هو واقعي وذاتي، وليس من الضروري مطابقة ما هو مطروح في الروايات السالفة الذكر، بالواقع الموضوعي، فمن الطبيعي أن تكون أشكالا تخييلية متفاوتة وزائدة عن الحاجة.
وأزعم أن ظهور هذه الكتابات له علاقة بأشكال الخلل الاجتماعي التي حدثت في مصر، وأن الطبقة الوسطي أصبحت في خبر كان، وفقدت جميع أنواع سيطرتها، فاستدعي هذا الانهيار محاولات وصفها وخلق مجازات سردية لتشييدها وربما اسطرتها من جديد، وربما جاءت هذه السرديات علي شكل مراث تنضح بالأسي، والتمرد، واذ انها لم تصبح هذه الطبقة والانتماء اليها منتجا للسعادة.
علي الطرف الآخر ظهرت كتابات تسجل وقائع عالم آخر، ولكنه عالم يشي بالمقاومة، أو التثبث بالحياة من خلال مفردات صغيرة، هكذا كانت رواية »نبيذ أحمر« للكاتبة أمينة زيدان، عالم يعيش في ظل حرب ومقاومة واستبسال ونضال يكاد يكون عبثيا في بعض الاحيان، أمينة ترصد حياة عاشتها، ورافقت فيها السلبي والايجابي، والصالح والطالح، عالم تتجاوز فيه كل اشكال الموت والحياة، والبناء والخراب، عالم يدمر نفسه من خلال أشخاص شبه شياطين يعيشون في ظل منظومات طبقية قاسية وضاغطة.
ايضا رواية صفاء عبدالمنعم »من حلاوة الروح« ترصد صفاء عوالم بائسة، ومنهارة بطبعها، أي انها لمسة تعيش قمما غابرة ثم انهارت، ولكن هذه العوالم تعيش الانهيار منذ ولادتها، لذلك جاءت كل تجلياتها الفوقية متدنية ومنحطة ورديئة، هناك ادانة للواقع، وشجب له، وتفتيت له، فالكاتبة لا تريد أن تخلق أسطورة موازية، بقدر ما تسعي لوصف التشوه الذي عاشته هذه العوالم، تحت ضغوط طبقية واجتماعية وضيعة، وبالتالي ثقافتها صغر.
بين هذين النوعين من الكتابة تقف كتابة هويدا صالح وابتهال سالم وهالة البدري بين بين، لا توجد هناك محاولات لاستدعاءات مظاهر الطبقة بقدر ما تستدعي الاحداث والشخصيات، والبناء الدرامي للعمل، ففي روايات عشق البنات لهويدا صالح تنحو الكاتبة لسرد وقائع اجتماعية لنساء عطشي لأشكال حياة مفتقدة، الحب، الجنس، الاستقرار، ومن خلال اشكال هذا الفقد تقوم وقائع ذات البطلة، أو البطلات الاخري، وتستمر لعشق البنات أن ابطالها عديدات لذلك لم تكن هناك شهوة التركيز علي اسطرة بطلة وحيدة حتي لا نربط بينها وبين الكاتبة، ولكن الرواية تؤكد علي فكرة أساسية تتعلق بالمرأة عموما، وأشكال الفقد الذي تتعرض له في الحياة عموما.
هذه قراءة متعجلة وسريعة، لا تعدو أن تكون اشارات، وتلميحات لمشهد روائي نسائي زاخر وعميق، مشهد روائي نسائي لم يوضع حتي الآن تحت الدرس النقدي الفاحص، والتعامل معه بتأن ربما لأ ننا مازلنا نعيشه ونشهده، وربما لأنه مازال يتكون وينمو ويتزاحم ويتنوع.
شعبان يوسف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.