ورد سؤال إلى لجنة الفتوى بدار الإفتاء المصرية، يقول السائل: المفهوم لدينا أن زوج الأخت ليس من المحارم الذين ذكرهم الله في سورة النور، وقد أجازت سورة النور في القرآن الكريم أن تضع المرأة حجابها أمام عبدها، كما أجازت وضع الحجاب عند تحرير العبد أو مكاتبته، فهل يجوز بالنسبة لزوج الأخت أن تظهر عليه أخت زوجته دون حجاب طالما أن أختها -زوجته- على قيد الحياة بحكم حرمتها عليه، ثم تتحجب أمامه عند موت أختها باعتبار أنها أصبحت حِلًّا له؟ أجاب على ذلك فضيلة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، مفتي الجمهورية الأسبق، موضحا الرأي الشرعي في تلك المسألة. وقال المفتي الأسبق، لا يحلُّ للرجل أن يطَّلع من أخت زوجته على أكثر من الوجه والكفين، كما تحرم خلوته بها؛ لأن محرميتها عليه ليست مؤبدة، والمحرم على زوج الأخت هو الجمع بين المرأة وأختها؛ مستشهدًا في ذلك بقول الله-تعالى- في سورة النساء،" وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ". وأضاف الشيخ جاد الحق، في بيان فتواه عبر بوابة دار الإفتاء المصرية: أنه التحريم الجمع بين الأختين في الزواج لا لأصل الزواج؛ بحيث إنها تحل له إذا ما فارق أختها التي هي زوجته بموت أو طلاق. وأوضح المفتي الأسبق، من يباح إظهار الزينة أمامهم: استثنت الآية من حظر إبداء الزينة الخفية اثني عشر صنفًا من الناس، هم: 1-بعولتهنَّ: أي أزواجهنَّ، فللزوج أن يرى من زوجته ما يشاء وكذلك المرأة، وفي الحديث: «احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ» أخرجه الإمام أحمد وأصحاب السنن الأربعة والحاكم والبيهقي. انظر "البيان والتعريف بأسباب ورود الحديث" (1/ 99). 2-آباؤهنَّ: ويدخل فيهم الأجداد لأب أو لأم، والأعمام والأخوال؛ إذ الصنفان الأخيران بمنزلة الآباء عرفًا، وفي الحديث: «عَمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ» رواه مسلم. 3- آباء أزواجهن: فقد صار لهم حكم الآباء بالنسبة لهن حيث وقع التحريم بقوله تعالى: ﴿وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ﴾ من آية المحرمات [النساء: 23]. 4- أبناؤهنَّ: ومثلهم فروع هؤلاء الأبناء وذريتهم ذكورًا وإناثًا. 5- أبناء أزواجهنَّ: لضرورة الاختلاط الحاصل في العشرة والمنزل؛ ولأنها صارت بمثابة الأم فهي محرمة على هؤلاء الأبناء بقوله تعالى: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء: 22]. 6- إخوانهنَّ: سواء أكانوا أشقاء أم من الأب أم من الأم. 7- بنو إخوانهنَّ: للتحريم الواقع مؤبدًا بين الرجل وعمته. 8- بنو أخواتهنَّ: لأن حرمة الخالة على الرجل أبدية أيضًا بنصِّ آية التحريم في القرآن. 9- نساؤهنَّ: أي النساء المتَّصلات بهن نسبًا أو دينًا، أما المرأة غير المسلمة فلا يجوز لها أن ترى من زينة المرأة المسلمة ما خفي، بل يجوز أن ترى ما أبيح للرجل الأجنبي رؤيته على أصح الأقوال. 10- ما ملكت أيمانهنَّ: أي عبيدهنَّ وجواريهنَّ؛ لأن الإسلام ضمَّ هؤلاء إلى الأسرة فصاروا كأعضائها، وقد خص بعض الأئمة هذا بالإناث دون الذكور من المملوكين. "تفسير القرطبي" (12/ 237،234،233) وفيه تفصيل. 11- التابعون غير أولي الإربة من الرجال: وهم الأتباع والأجراء الذين لا شهوة لهم في النساء لسبب بدني أو عقلي، فلا بد من توافر هذين الوصفين: التَّبعية للبيت الذي يدخلون على نسائه، وفقدان الشهوة الجنسية، وكما قال القرطبي: من لا فهم ولا همة ينتبه بها إلى النساء. 12- الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء: وهم الصغار الذين لم تُثَر في أنفسهم الشهوة الجنسية، فإذا ما لوحظ ظهورها عليهم حرم على المرأة إبداء زينتها الخفية أمامهم وإن كانوا دون البلوغ. وبين المفتي الأسبق، عورة المرأة أمام الغير: كل ما لا يجوز للمرأة إبداؤه من جسدها عورة يجب سترها ويحرم كشفها، وكانت عورتها بالنسبة للرجال الأجانب عنها وغير المسلمات من النساء على الأصح جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين، وكانت عورتها بالنسبة للأصناف الاثني عشر المذكورين في آية سورة النور السابق ذكرها، تتحد فيما عدا مواضع الزينة الباطنة من مثال الأذن والعنق والشعر والصدر والذراعين والساقين التي أبيح إبداؤها لهؤلاء الأصناف، أما ما وراء ذلك مثل الظهر والبطن والفخذين وما بينهما وما وراءهما فلا يجوز إبداؤه لامرأة أو لرجل إلا للزوج كما يدل على هذا حديث بهز بن حكيم عن جده رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: «احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ»، قيل: إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: «إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَيَنَّهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَيَنَّهَا». قيل: إذا كان أحدنا خاليًا؟ قال: «اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنَ النَّاسِ» سبق تخريجه مع اختلاف بين الأئمة في الألفاظ. انظر "البيان والتعريف بأسباب ورود الحديث" (1/99). هذا، وقد قال القرطبي: [لما ذكر الله تعالى الأزواج وبدأ بهم ثنى بذوي المحارم وسوى بينهم في إبداء الزينة، ولكن تختلف مراتبهم بحسب ما في نفوس البشر فلا مرية أن كشف الأب والأخ على المرأة أحوط من كشف ابن زوجها، وتختلف مراتب ما يبدى لهم فيبدى للأب ما لا يجوز إبداؤه لابن الزوج] اه. "تفسير القرطبي" (12/ 232)، وفي موضع آخر قال: [والله تعالى قد حرم المرأة على الإطلاق لنظر أو لذة ثم استثنى اللذة للأزواج وملك اليمين ثم استثنى الزينة لاثني عشر شخصًا، العبد منهم] اه. وقد تأول بعضهم الآية في شأن الأصناف الأخيرة فقال: [إن التقدير: أو ما ملكت أيمانهن من غير أولي الإربة أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال] اه. "تفسير القرطبي" (ص273). واما عورة المرأة أمام زوج أختها: إذا كان ذلك، وكان زوج الأخت لم يرد ضمن هذه الأصناف الاثني عشر كان أجنبيًّا من أخت زوجته لا يحل له -كما لا يحل لها- أن تبدي أمامه إلا الزينة الظاهرة التي هي الوجه والكفان، ويبين هذا ويؤكده أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حذَّر من خلوة المرأة بأحمائها فقال: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ»، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله: أفرأيت الحمو؟ فقال: «الْحَمْوُ الْمَوْتُ» متفق عليه. قال النووي: [الحَمْوُ: أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه؛ لأنهم محارم، وإنما المراد غير المحارم كابن العم؛ لأنه يحل لها تزوجه لو لم تكن متزوجة وجرت العادة بالتساهل فيه فيخلو الأخ بامرأة أخيه فشبهه بالموت، وهو أولى بالمنع من الأجنبي] اه. "فتح الباري بشرح البخاري" في (باب النكاح، 9/ 271، 272). فهذا الحديث الشريف يحذر -سدًّا للذرائع- من الدخول على النساء والخلوة بهن إلا في الحدود التي أباحها الله سبحانه وبيَّنها في القرآن الكريم في قوله: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 22، 23]، وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا فرق بين دخول الأخ على زوجة أخيه وبين دخول الرجل على أخت زوجته؛ فهو أجنبي عنها في كلا الحالين، والمحرَّم على زوج الأخت هو الجمع بين المرأة وأختها كما قال تعالى: ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ﴾ [النساء: 23]، فالتحريم للجمع، لا لأصل الزواج؛ بدليل أنها تحل له إذا ما فارق زوجته بموت أو طلاق. هذا، ولا قياس في الحل والتحريم؛ لأن الحكم فيه من الله، لا سيما بعد أن دلَّت الآية الكريمة في سورة النور وآيات المحرمات في سورة النساء على أن الرجل أجنبي من أخت زوجته بمعنى أنه غير محرم لها، وأن التحريم إنما في الجمع بينها وبين أختها زوجته، واتقاء الشبهات لون من التربية الإسلامية التي جاءنا بها رسول الإسلام حيث قرر هذا المبدأ في قوله عليه الصلاة والسلام: «الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَ ذَلِكَ أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَدْرِي كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَمِنَ الْحَلَالِ هِيَ أَمْ مِنَ الْحَرَامِ، فَمَنْ تَرَكَهَا اسْتِبْرَاءً لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ فَقَدْ سَلِمَ، وَمَنْ وَاقَعَ شَيْئًا مِنْهَا يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَ الْحَرَامَ، كَمَا أَنَّهُ مَنْ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ. أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ» رواه الشيخان عن النعمان بن بشير وهذا اللفظ من رواية الترمذي. ومعنى «الحِمَى»: هو مكان محدود يحجزه السلطان لترعى فيه ماشيته وحدها ويمنع غيرها من دخوله. وبهذا البيان المستمد من نصوص القرآن والسنة لا يحل للرجل أن يطَّلِع من أخت زوجته على أكثر من الوجه والكفين كما يحرم عليها تمكينه مما وراء هذا من جسدها، كما تحرم عليهما الخلوة، ولا قياس في هذا الموضع؛ إذ لا ثَمَّتَ قياس في الحلال والحرام. اقرأ أيضًا: هل يصل ثواب الطاعة للصغار قبل البلوغ والتكليف؟.. الإفتاء تكشف بالفيديو| أمين الفتوى يوضح هل الصلاة الفائتة دين على العبد يجب قضاؤه هل يجوز المسح على الحجاب أثناء الوضوء؟.. أزهري يوضح الطريقة الصحيحة