بعد أيام من بدء زيارتى للقاهرة، توجهت إلى حديقة الحيوان فى الجيزة لعدة أسباب، أولها رغبتى برؤية مقدرات مصر من آثار ومناطق سياحية تتفرد بها عن باقى الدول العربية، وثانيها لأقف على وضع حديقة الحيوان بعد الذى قرأته عنها وعن أحوالها وأحوال حيواناتها والتى تبعث للتعجب والأسف فى آن. لا أنكر الصدمة التى أصبت بها منذ وصولى أمام بوابة الحديقة الخارجية، بسبب الإهمال الواضح وكأنه مر على الحديقة قرون لم تشهد خلالها أى نوع من أنواع الصيانة أو التطوير، وتكلل أسفى بعد المانشيت الذى نشرته إحدى الصحف المحلية عن اقتحام بعض الشبان لأقفاص الطيور محاولين سرقتها لولا تدخل أحد الزائرين، مع غياب لأى نوع من الرقابة الرسمية أو تلك الخاصة بالحديقة. لدى زيارتى للحديقة خطرت لى بعض الأفكار عما من الممكن أن تكون عليه الحديقة لو تم تطويرها والاعتناء بها، فماذا لو تم الاعتناء بها بشكل خاص لإنمائها وتطويرها باعتبارها مصدرا قوميا للدخل؟ وتحديدا مصدرا للعملات الأجنبية، فبوضعها الحالى يبدو من المستحيل وضعها على الخارطة السياحية لجلب السياح الأجانب الوافدين بالمئات على القاهرة يوميا، فالمطلوب هو عملية تحديث شاملة لكل الساحات والبحيرات والمطاعم والكافتيريات، وبالتالى، وإن حدث التطوير، فمن الممكن إجبار الشركات السياحية على وضع الحديقة ضمن الأماكن المنوى زيارتها وتكون من ضمن برامج الزيارات، أسوة بباقى المناطق السياحية التى تجتذب السياح. قد يقول البعض إن الأفكار جميلة لكن أين وسائل التنفيذ وأين التمويل، فالعملية مكلفة جدا خصوصا مع النقص الواضح للحيوانات النادرة، بالإضافة إلى قدم الحديقة، وبالتالى فالجواب سهل جدا، يمكن تطوير الحديقة عن طريق المحافظة على طابعها الفريد معماريا وهندسيا، من خلال عملية ترميم واسعة النطاق، وبالإمكان الاستفادة من رعاية بعض الشركات القومية الكبيرة لإنجاح الخطة مع اليقين أن شركات كثيرة لن تتوانى عن مد يد العون مقابل الإعلانات التى ستتوزع فى الحديقة بطريقة لا تؤثر على طريقة العرض الأساسية للحيوانات، كما من الممكن أن يتم تأجير الحديقة لإحدى الشركات الكبيرة مقابل أى أجر مناسب وذلك لفترة زمنية محددة لتعود بعدها الملكية إلى المؤسسات الرسمية الحالية. كما أنه ومن الواضح وبعد حادثة اقتحام أقفاص الطيور، أن التوعية الوطنية المتعلقة بهذه الأماكن معدومة وتحتاج لجهد من الوزارات المختصة لبث روح المحافظة على الممتلكات العامة وعدم تكرار ما حدث، إذ يتم الخلط بين واقع الحديقة كحديقة حيوانات والتصرف فيها كحديقة عامة وأمكنة مكان لقضاء الإجازة والفسح، وهنا تلعب المدارس دورها من خلال تنظيم الرحلات المدرسية الجادة لتعريف الطلبة على أهمية الحفاظ على الحديقة ومرفقاتها، هذا بالإضافة إلى حملة توعية شاملة لجميع المواطنين، وتكون مترافقة بحملة إعلانية عالمية لإعادة الحديقة إلى موقعها الأساسى على الخارطة المصرية. إن من شان خطة تطوير حديقة الحيوان المساهمة فى القضاء على البطالة من خلال تشغيل الشباب المصرى وتدريبه على أعلى مستويات التقنيات الحديثة، كما أن الطاقات الموجودة تسمح بالقيام بالمشروع باليد والأفكار المصرية الصرفة. فما المانع أن يتم إنشاء قطار كهربائى صامت يلف الحديقة بطريقة هندسية لا تؤثر على الجو المطلوب للحيوانات، وما المانع أن تستثمر مطاعم الوجبات السريعة وتفتح لها فروعا صغيرة داخل الحديقة، بالإضافة إلى وسائل الإيضاح الحديثة والتقنيات المتطورة كبرامج موازية لعرض الحيوانات. إن الإمكانات الموجودة فى مصر وليس الحديث هنا عن حديقة الجيزة بل بشكل عام، ضخمة جدا، لكن يشوبها القدم والاهتراء بسبب قلة الأموال الداعمة للتطوير والترميم، فأقل ما يجب قوله وفعله المحافظة على الموجود لأنه نادر فى محيطه قبل البدء بالمشروعات الجديدة، فهذه مصر وهذه مقدراتها الكبيرة وقدرات شعبها العظيم.