تتنقل "رضا الزهار حسن"، بمبخرة نحاسية يفوح منها عطور العود والمسك والعنبر، بين ممرات حى الغورية فى منطقة الحسين المكتظة بالمحلات التجارية، تملأ الجو دخاناً ينبعث من أعواد البخور الذكية المتصاعد من قطع الفحم المرصوص على ماسك تحمله بين يديها. صاحبة البخور أو حاملة المبخرة مهنة لم ترثه "رضا" السيدة الستينية، لكنها ليست غريبة عنها، فهى صنعة زوجها منذ سنوات طويلة، وقررت هى أن تشاركه فيها، فتقول: "أبويا كان نجار مسلح وإخواتى كلهم بيشتغلوا فى الصيد، بس جوزى هو اللى بيلف بالبخور على المحلات وأنا قررت أساعده". تعرف أدخنة "رضا" طريقها جيداً من سوق العطارة فى الحسين إلى محلات الغورية، حيث رحلتها اليومية لشراء بضاعتها قبل الانطلاق فى جولة يومية متواصلة منذ الصباح الباكر حتى مطلع الفجر، فتقول: "بشترى أعواد البخور كل يوم الصبح بأربعة جنيه من الحسين، وبعدين أبدأ ألف على المحلات أبخرها". لا تشترط "رضا" أجراً معيناً نظير خدماتها، فما يجود به أصحاب المحال كفيل بأن يُعيشها وأسرتها على الكفاف، ورغم ذلك لا تخف سعادتها بأن رائحة بخورها سبباً فى جلب الرزق الوفير على المحلات، فبحسب وصفها، الزبائن تتردد على بضائعهم تحت تأثير رائحة بخورها، قائلة: "التجار بتشوفنى ست بركة وبتاعة ربنا، بتدينى اللى فيه النصيب وعلشان كده ربنا بيفتح عليهم ويرزقهم من وسع". حياة الست "رضا" وسط حى الحسين بروحانياته المعهودة تركت أثراً كبيراً فى معتقداتها، فهى لا تزال تحتفظ بتلك الأفكار البدائية عن فوائد عود البخور، بقولها: "العود ده بيجيب الرزق ويطرد الحزن ويمنع الحسد"، مؤكدة أن رائحة بخورها وصفة سحرية لعلاج حالات العقم والصرع والنوبات القلبية. ورغم ظهور المباخر الكهربائية ذات الرائحة الفواحة إلا أن الست "رضا" متمسكة بمهنتها وتؤمن أن هذه المستحدثات لا طائل منها, فتقول: "الدخان اللى بيطلع من المبخرة ده فيه عروق الزعفران والصندل ريحته بتريح الصدر وأحسن بكتير من المبخرة الزينة اللى فى السوق".