كلامها يغلب عليه الحزن حروفها مبللة بالدموع وحكايتها ملطخة بالدماء والآهات تختلط بالأنفاس وتحيطها حرقة القلب من كل جانب أسماء الأخت الكبرى لثلاث بنات أبوهن اسمه يوسف ماتت والدة البنات وسرعان ما تزوج من أخرى أسوأ منه حالاً وأهلها أسوأ كثيراً كبرت البنات وكلما طالت قامة واحدة منهن طار برج من عقل يوسف، إنه يخشى عليهن من كل شىء وأقسم أنه سيزوجهن لأول عريس يتقدم لأى واحدة منهن وكانت أسماء تلعب مع الصغار فى الحارة لم تدر شيئاً عن أمور الفتيات الأخرى وبقى لها بضعة شهور وتنهى دراستها فى المرحلة الإعدادية وجاءوا لها بعشماوى أقصد بعريس رجل أسمن من ذبيحة ولا غرابة فى ذلك فمهنته بالفعل جزار تزوج عدة مرات ولم ينجب ويأمل فى أسماء أن تحقق له الحلم الذى طال انتظاره وتنجب له ولى العهد الساطور دخلت أسماء إلى المنزل تجرى خائفة من ابن الجيران الذى رشته بالرمل فحاول أن يرد عليها فطالت الرمال الجالسين من وراء غرفة منزلهم فاستدار عشماوى بل أقصد الجزار بوجهه ليحمى عينيه ثم أمسك بها أبوها وتوقعت كعادتها علقة ساخنة بل العكس ففوجئت به هذه المرة يحتضنها وهى ترتعش بين يديه ثم أدهشها وضاعف من حمرة وجهها بأن طبع قبلة على خدها أما الذى صعقها فعلاً الجالس بجواره ويحتل بجثته الباقية من الكنبة فوقع عليه بصرها ولازال وجهها يقطر دماً خوفاً وخجلاً فانبهر عشماوى إذ كانت أسماء وردة فى ربيع هادئ وسط بستان يلقى عناية من البساتين تطل من عينيها لمعة حادة وبريق يسحر الناظرين ولو تمكنت من غسل وجهها يوميا وارتدت من الثياب ما يساير حلمها لأصبحت جميلة الجميلات وتربعت على عرش القلوب ثم ضحك أبوها وقال وهو يشير بيد ويحتضنها بالأخرى هذا خطيبك ستتزوجينه الأسبوع المقبل فلم تعرف أسماء ماذا تقول فنطق الجزار بصوته الأجش وقال سوف أشترى لك فساتين جديدة وسأغرقك فى العز يا بنت حبيبى وستأكلين لحماً كل يوم أنت وأخواتك وسترون أياماً كلها سعادة إن شاء الله ثم أخذ بيد أبيها وسمعتهما وهم يقرآن الفاتحة بينما هى تتسلل من حضن أبيها إلى خارج الغرفة إذ كانت تأمل أن تكمل لعبها فى الحارة إلا أن زوجة أبيها كانت عائدة لتوها اشترت حاجة ساقعة فردت أسماء إلى غرفتها لتقدمها بنفسها لعريسها الجزار وأمل كانت سعيدة بخبر الفساتين الجديدة وتهفو حولها رائحة اللحمة المحمرة وتعجبت أمل من اهتمام زوجة أبيها بها فبعد أن كانت ترفض اغتسالها أسبوعيا جعلتها تناله يوميا وتلك كانت وصية الجزار همس بها إليها وهو يعطيها لفة اللحمة التى أحضرها صبيه الواد شغتة قبيل انصراف المعلم عائداً للدكان باسطاً يديه إلى وجهه وهو فى الطريق يداعب شاربه وينسق حاجبيه راسماً ابتسامة عريضة على شفتيه كادت تفلق وجهه نصفين ثم جلس على مقعده فى المحل وكان شغتة قد عاد وبيده الشيشة المخصوص من مقهى مجاور جاء يوم الخميس وارتدت أسماء أفضل الثياب فستاناً أبيض وبعد عدة زغاريد فى غرفة أبيها ساقوها إلى الجزار رحب بهم ثم صرفهم إلى حال سبيلهم وعلى رأى المثل العروسة للعريس، وجاء بأسماء وأمسك بها أجلسها على ركبتيه حاولت أن تفلفص منه لكن هيهات أن يهرب الذبيح من الجزار كل ما تتذكره أنه حاول جذب فستانها الجميل والجديد ليكشف عن جسدها فقاومته ومكثت بين يديه دقائق تقاوم وتصرخ لتفاجأ بعدها أنها فى العناية المركزية منذ شهرين لا تريد أن تتذكر شيئاً أو أن ترى أحداً إذا جاء أبوها إليها بكت وصرخت وإذا جاءت زوجته أغمضت عينيها وبكت وصرخت فيها وليت حالها بقى كذلك إذ تقرر خروجها من المستشفى فرفضت حاولوا معها فأفلتت من بين أيديهم حاولت إلقاء نفسها من الشباك فأنقذوها فى آخر لحظة وسقطت داخل الغرفة مكسورة الذراع تم تجبيرها ومكثت عدة أيام تحت العلاج لتهرب بعد ذلك إلى خالتها المتزوجة وبقيت وحيدة ترفض العودة لمنزل زوجها المتوحش وتكتفى بالبكاء وأقصى جهدها أنها تتنفس تعيش ولا تفكر وما يشغلها هو كيفية الرحيل عن الدنيا بغير انتحار لكى لا تشرك بالله فهى تصلى وتدعو لشقيقتها الوسطى التى ماتت تحقيقاً لرغبة أبيها فى الزواج إذ تكررت مأساة أسماء لكن لم تحتمل وبقيت الأخرى تعانى الوحدة وقسوة أبيها وصلف زوجته وبعد مرور عدة أيام على شفائها طلبت الطلاق من زوجها عشماوى عفواً أقصد الجزار ولكنه رفض وأصر بشدة على عدم الطلاق فتقدمت المسكينة إلى مكتب تسوية المنازعات الأسرية لطلب الطلاق خلعاً وباستدعاء الزوج لتسوية الدعوى رفض الحضور فأحالت رئيسة مكتب تسوية المنازعات الأسرية فى حضور الخبيرين الاجتماعيين والنفسيين الدعوى للمحكمة للفصل فيها.