روائى مصرى يعيش فى كندا، يتغلب على شبح الغربة بالمشاركة فى الصالونات الأدبية المصرية والعربية المقامة بمونتريال، صدر له مؤخراً رواية "الاختفاء العجيب لرجل مدهش"، استطاع فيها أن يمزج بين الواقعية السحرية وحواديت ألف ليلة وليلة، وبين الأصالة المصرية والعربية، وتجربة الهجرة والحياة فى مونتريال؛ التقينا به، وحدثنا عن نفسه، وعن تجربته الروائية، وحياته الأدبية. _ بداية حدثنا عن الروائى أسامة علام.. ومتى بدأ اتجاهك للكتابة الأدبية؟ أنا مصرى أعيش فى كندا منذ سنوات، أعمل بمركز أبحاث طبية ملحق بمستشفى سان جوستين للأطفال، حصلت على درجة الماجستير من فرنسا، وأحضر للدكتوراه فى المناعة بجامعة مونتريال. كانت بدايتى الأدبية مع روايتى الأولى "واحة الزهور السوداء" عن دار مدبولى، وهى رواية قدم لها الكاتب الكبير الدكتور محمد المخزنجى، تبع ذلك مجموعة قصصية بعنوان "قهوة صباحية على مقهى باريسى"، وهى مجموعة فائزة بجائزة غسان كنفانى للأدب عن الصالون الأندلسى، وحديثاً روايتى "الاختفاء العجيب لرجل مدهش" الصادرة عن دار دون بالقاهرة، ولى رواية أخرى فى انتظار النشر بعنوان "تولوز...أغنية أخيرة لأكورديون وحيد". _ شخصية مزين الموتى فى رواية "الاختفاء العجيب لرجل مدهش"..كان فيها تناقض.. بين كونه يعمل مزين موتى..وكونه يمارس هوايته فى التمثيل لإضحاك الأطفال.. فكيف استوحيت هذه الشخصية المزدوجة.. وهل هى شخصية حقيقية بالفعل؟ الحياة مبنية دائما على تناقض ما، كالخير والشر، الشقاء والسعادة، الميلاد والموت؛ وبطل الرواية فرانسوا ليكو مزين الموتى هو أحد تجليات هذا التناقض الذى نراه ونتعامل معه يومياً، شخص يعيش على هامش هذا الخط الرفيع الفاصل بين ثنائية الموت، والحياة بتواجدها المدهش، شخصيات كهذه موجودة دائما فى حياتنا، لكنها تبقى حبيسة صراعاتها النفسية محاولة فهم الحياة، وتحقيق اختياراتها الشخصية، لقد أدهشتنى طريقة تعامل الكنديين مع الموت عند حضورى أول عزاء فى مونتريال، وللأسف كان صديقا لى فى العمل، عرض أهله وأصدقاؤه جثمانه مرتديا بذلته الكاملة مزينا وكأنه سيخرج من التابوت لمصافحتنا، يومها بدى لى الشخص الذى زين صديقى فى تابوته، شخصا يمتلك الكثير من الفن والإنسانية، تخيلت أنه لو صديقى المتوفى نفسه كان حاضرا لسعد كثيرا بصورته الأخيرة التى ستبقى عالقة فى ذهن مودعيه، فقررت أن أكتب عن هذه الشخصية. أما هل هى شخصية حقيقة فعلا، فنظريا نعم؛ لأن الكنديين فى الأغلب يمارسون هواية ما بجوار مهنتهم التى يعيشون منها، بطل الرواية أيضا هوايته تقديم عروض للأطفال كممثل شارع، ربما من اللطيف الإشارة بأنه حتى فى مستشفى الأطفال التى أعمل بها، يرتدى الأطباء زى المهرجين، ويتحدثون للأطفال لمدة ساعتين أسبوعيا، كجانب من طبيعة عملهم. مزين الموتى فى الرواية.. شخص غريب عن ثقافتنا العربية.. فكيف دخلت فى تفاصيل هذه الشخصية؟ التعامل مع الميت وإعداده لحياته الجديدة شىء تعاملت معه الثقافة الإنسانية منذ قديم الأزل، أذكر هنا مثلا فكرة التحنيط عند الفراعنة، هذه الفكرة شديدة الشبه مع الطريقة الغربية فى التعامل مع تزيين الموتى، فى ثقافتنا العربية لدينا شخصية الحانوتى مثلا، كما كان لدينا شخصية عسكرى الجنازة، وهو الشخص المصاحب للجنازات، وفى الثقافة القبطية يزين الميت بنفس الطريقة الغربية، إذا هناك ظلال ما لهذه المهنة الغريبة فى ثقافتنا العربية. هل أنت من الأشخاص أصحاب المواقف الاستفزازية..أى يستفزك موقف أو شخص فتكتب عنه؟ الحياة نفسها هى الاستفزاز الأهم فى تجربة كل البشر، أنا أكتب فقط محاولا فهم الحياة، أحاول إعادة رسم تأملات عن أشياء نعيشها جميعا، أفكار كالحلم والخوف والموت. أميل كثيرا للكتابة عن الشخصيات القلقة المهمشة، ربما لأنها الأكثر نقاء، وصدق فى التعبير عن نفسها، وفى النهاية تبقى الكتابة محاولة للهروب من عالمنا المعاش إلى عالم نتمنى الحياة فيه بتفاصيل نصنعها بأنفسنا ككتاب. الرواية كتبت عن مونتريال الكندية.. وأحداثها قد تبدو غريبة على القراء العرب.. فكيف استقبلوها؟ اتفق بالطبع على عجائبية أحداث الرواية، فكل الأبطال تقريبا كنديون بأسماء غربية، وهذا ما يعطى للرواية مذاقا مختلفا عن الكثير من المكتوب عن مدن مشابهة فى أدبنا المعاصر، ففى هذه الرواية لم أتناول تجربة المواطن العربى فى المهجر، فهناك الكثير من الروايات الرائعة تناولت هذا الموضوع، روايتى مكتوبة بعين عربى يعيش فى مدينته الغربية، مونتريال هى مدينتى التى أعيش تفاصيل الحياة بها كل يوم، بصمة ثقافتى العربية طاغية فى أحداث ربما تكون شبيهة بحكايات ألف ليلة وليلة ولكن كلها كندية، وقد حاولت أن أكون صادقا جدا مع القارئ العربى الذى أكتب له وأثق كثيرا فى ذكائه، فرسمت له عالما أتمنى أن يكون ممتعاً ومفيداً. أما بالنسبة لاستقبال القراء العرب للرواية، فأسعدنى جدا استقبالهم لها، ورغم أننى أعيش بعيدا جدا عن القاهرة، إلا أننى أتابع بشغف التقييم المدهش للرواية فى موقع جود ريدز، وأشعر بنشوة وسعادة لا حدود لهما من الرسائل المشجعة التى أتلقاها فى بريدى الالكترونى أو مواقع التواصل الاجتماعى. _ألا تفكر فى ترجمتها للفرنسية ونشرها فى مونتريال؟ أتمنى بالطبع ترجمة الرواية، ولكن هذه الخطوة تبقى دائما كنتيجة لنجاح الرواية وسط جمهورها الأصلى، يهمنى جدا نجاح الرواية على الصعيد العربى، أنا مصرى مهاجر أحمل مصر فى قلبى وأتعذب بحبها، تماما ككل العشاق المكويين بنار البعاد، وأى نجاح فى أى مكان لا يساوى طعم النجاح فى مصر والعالم العربى. _ هل لنا أن نعرف من هم الأدباء الذين تأثرت بهم؟ تأثرت كثير بألف ليلة وليلة وجيل عمالقة الأدب العربى، تأثرت أيضا بإنسانية كتابات الدكتور محمد المخزنجى الذى لولا تشجيعه ربما لتوقفت عن الكتابة تحت تأثير ظروف الحياة ومتاعبها، أيضا كتابات الأساتذة بهاء طاهر، وصنع الله إبراهيم، والمنسى قنديل. عربيا تعلمت كثيرا من عبد الرحمن منيف، والطاهر بن جلون، وإبراهيم الكونى، وتبقى دائما كتابات ماركيز وإيزابيل الليندى، وخوان خوسيه مياس، وجورج أمادو، ولكلزيو وميلان كونديرا وسرماجو أعمالا أتمنى أن أصل إلى مستوى عمقها وإدهاشها. _ أنت أحد أعضاء "رابطة حكايات عربية فى مونتريال"..حدثنا عنها..وأخبرنا كيف جاءت فكرة الرابطة؟ رابطة حكايات عربية مجموعة من المثقفين العرب المقيمين بمونتريال، نعقد جلسة أسبوعية فى أحد مقاهى المدينة لمناقشة أعمال مكتوبة أو مترجمة للعربية، تأسست مجموعتنا تقريبا من ثلاث سنوات بفكرة من الصحفية والشاعرة الشابة سماح صادق، ومع انصهار أفكارنا ونضج تجربتنا، بدأنا مشروعاً طموحاً لنشر أعمالنا الأدبية، محاولين أن نقدم للقارئ فى أوطاننا البعيدة هذه الأعمال. كانت البداية مع روايتى "الاختفاء العجيب لرجل مدهش" وسيصدر للمجموعة خلال أيام رواية "سيزيرين" للدكتور خالد ذهنى. يتبعها صدور مجموعة "أشجان من المهجر" للكاتب القصصى المهندس شريف رفعت. _بالنسبة لمصر..كيف تتابع الوضع السياسى لمصر.. من مونتريال؟ مصر هى جلدنا الذى نحتمى به من ضياع أرواحنا فى بلاد الغربة البعيدة، ورغم أن الوضع السياسى فى مصر شديد التعقيد، فدائما أراهن على الغد الأفضل الذى نستحقه كشعب علم الدنيا الفن والثقافة وحب الحياة، لقد شاركت كالكثيرين هنا فى مونتريال فى تظاهرات مصاحبة لثورة 25 يناير وكل ما تبعها، أثق تماما فى وطنية ونقاء جيشنا المصرى العظيم ورجاله، وأؤمن بأهمية مدنية مصر والحفاظ على وسطيتها الدينية السمحة، وحق كل أبنائها فى رخاء يستحقونه. _ ماذا عن أعمالك الأدبية القادمة.. وما هى أحلامك الأدبية؟ انتهيت من رواية عن تجربة اكتسبتها من خلال فترة إقامتى بمدينة تولوز فى جنوبفرنسا، الرواية اسمها "تولوز..أغنية أخيرة لأكورديون وحيد"، وهى حكاية عن حياة عائلة من المهاجرين الأسبان إلى فرنسا خلال الحرب العالمية هروبا من حكم فرانكو الديكتاتور الأسبانى الشهير، مصحوبة بحكاية عائلة مصرية تعيش فى حارة بمدينتى الأثيرة المنصورة، تسافر منها أجيال متعاقبة إلى فرنسا، لتتداخل الأحداث بين مصير الأسرتين. أما عن أحلامى الأدبية، فأتمنى أن أقدم أدب مختلف، وجدير بالقارئ العربى، تجربة حياتية أعيشها وأحب أن أشركه فيها، عوالم جديدة ومدهشة تسمح له بأن يرى العالم بشكل مختلف.