فى أحد فروع عمر أفندى يقف عم عبدالحفيظ، الذى قارب على الستين من عمره، سيساعدك فى اختيار الجهاز الكهربائى الذى تريده، وفق خبرته الممتدة عبر ما يقرب من عشرين عاماً، قضاها فى المكان، وسيصحبك أيضا فى ركن الكتب والدوريات، هو أيضاً يصحبك بثقافته الموسوعية الغريبة، فيشير عليك بشراء هذا الكتاب، ويخبرك عن طبعته ومحتواه، ومثيلاته أيضاً كى تفاضل وتختار الأفضل. خاف عبدالحفيظ أن يستيقظ صباحاً فيما بقى من عمره، فلا يجد من يقول له: «صباح الخير يابابا»، خاف أن يأتى عليه يوم، لا يستطيع أن يصطحب ابنه أحمد لصلاة الجمعة بسلاسة كأى أب آخر، خاف أن يأتى على أحمد وشيماء يوم يبيتان فيه فى بيتهما دون الإحساس بالأمان، لأن «بابا» غير موجود، خاف أن يأتى يوم عليهما يتزوجان فيه، ويصبح هو لهما سبة أو منقصة، لأنه تسبب فى أن يحرمهما من الأسرة والبيت والحضن، فيعيرون بأنهم أبناء طلاق، وبيت مفكك، وأسرة مهشمة. هذه هى بعض مخاوف «عم عبدالحفيظ» الذى رفض أن يجعل أبناءه يتعرضون لها، إذا انفصل عن والدتهم، حتى كبروا، وتزوج أحمد 31 سنة الحاصل على ليسانس الآداب قسم يونانى، وتزوجت أيضا «شيماء» 26 سنة الحاصلة على بكالوريوس العلوم السياسية. ففى عام 1977 تزوج عم عبدالحفيظ الشاب وقتها من أم أولاده، وبدأت مشكلته. يحكى عم عبدالحفيظ عن قصته يقول: «تعلمت من والدى الذى كان طباخاً لدى الملك فاروق، تذوق الحياة والإحساس بالناس، توفى والدى وقد انتهيت من دراستى بالمرحلة الإعدادية، فاضطررت إلى ترك الدراسة والعمل لأجل تربية اخواتى البنات الأربع، وأخى الأصغر الذى كان عمره وقتها 7 سنوات، فتعلمت تحمل المسئولية، والقيام على الأسرة من سن صغيرة جداً، وفى عام 1970 دخلت الجيش، وشاركت فى حرب أكتوبر وكنت «عسكرى صاعقة» فى الفرقة التى احتلت ميناء إيلات، وكنا بنحمى منطقة البحر الأحمر والصعيد من أى هجوم ممكن يحصل من هذه الجهة». سافرت بعدها إلى السعودية للعمل ثم عدت وتزوجت، وكانت زوجتى حاصلة على دبلوم التجارة، وبعد الزواج بعامين اشتغلت هى فى وزارة البحث العلمى فى قسم المعاشات، ثم جاءتها منحة من الشغل للحصول على بكالوريوس التجارة، ترددت هى وتحججت بالبيت والعيال، لكننى شجعتها بشدة، وقلت لها «ذاكرى وملكيش دعوة بحاجة، وكل شئ ح يبقى زى الفل»، وبالفعل بدأت أساعدها فى شئون المنزل، وأستذكر مع الأولاد دروسهم، ونجحوا وتفوقوا وهى أيضاً، ولم يكن حصولها على البكالوريوس أو عملها سبباً لأى مشكلة بالنسبة لى، إلا أن المشكلات بدأت تدب بيننا، وتفاقمت الخلافات بشكل متزايد، ضاق فجأة «خلق» مراتى، وبدأت هى تطلب الطلاق، وكان الأمر صادما بالنسبة إلى، فأنا بنيت أسرة ليست قابلة للهدم، وليس لدى أى استعداد لتنفيذ أمر الإزالة والهدم ولا المساهمة فيه، وعليه استمررت أنا كما أنا «أب»، أقوم بواجبى، وزوج لابد أن يحافظ على بيته، فأنا لدى مبدأ وهو عدم المسارعة إلى شىء يبغضه الله مهما يكن، حتى جاء عام 2003 و دخلت زوجتى العمليات لإجراء جراحة فى الرحم، وأخدت أجازة من الشغل أسبوعا لكى أخدمها، ثم شفيت ورجعت بيننا المشاكل تانى! صمد عم عبدالحفيظ، وعلى عكس المثل القائل «الأم تعشش والأب يطفش»، عشش محافظاً على بيته وعلى أحمد وشيماء حتى أتما دراستيهما بتفوق وتزوجا، يضيف: «على إثر مشادة كلامية فى رمضان الفائت، طلبت أم العيال الطلاق يمكن للمرة المليون، وكانت ليلة القدر فوعدتها بإتمام الأمر ولكن بعد انتهاء الشهر الكريم والعيد، وبالفعل أخدت شقة إيجار قانون جديد على أدى، وتركت لها الشقة لأنها لم تعد زوجتى صحيح، لكنها «أم» وللأم التكريم زى ما قال ربنا، وكمان علشان أحفادنا يعرفوا يزوروها! عم عبدالحفيظ لم يكتف بذلك وإنما، وكما يقول، أحس بأن مسئوليته الحقيقية بدأت بعد طلاقه من أم أولاده، فهو لم يتركها فى شقة الزوجية على الرغم من أنها لم تعد حاضنة فحسب، وإنما يرسل إليها نفقات للمعيشة وهدايا فى العيد والمناسبات، يقول: «دى ست أنا عشت معاها عمر، وخلفت منها عيال، وأى إساءة ليها هى إساءة لولادى، أنا لازم أبقى قدوة لولادى وأزواجهم، وعلى فكرة أنا مش راجل عبيط زى ما بعض الناس ممكن تفكر، أنا راجل كريم، ومسئوليتى إن أحفادى يشوفوا ستهم معززة ومكرمة، ولو أنها بقت طليقتى»، وهكذا مازال عم عبدالحفيظ صامداً، يحب دفء الأسرة، ولا يحب الطلاق، ويبكى بالدموع كما يقول كلما سمع أن أحداً يعرفه أو لا يعرفه فعلها، يقول: «أنا حالياً عضو فى مجموعة لإصلاح ذات البين لحل المشكلات بين الأزواج تبع الجامع اللى بأصلى فيه».