حسن حمدى أنت وأنا والناس التى تسير بجوارنا فى الشوارع سلمنا ورفعنا الراية البيضاء، كل ما نفعله هو انتظار من يأتى ليتخذ القرارات بالنيابة عنا، من يأتى ليحصرنا بين جدارين إما هذا أو ذاك، أو إما أن نتقبل بهذا أو تخبط رأسك فى الحيط، أما فيما يتعلق بمسألة حرية الاختيار، فكل ما نعرفه أن أستيكة ما قد مرت فوق هذه الكلمة ودهستها ثم شطبتها من قاموس المصريين، ومن يومها لم يعد للاختيار مكان فى حياتنا، على طول الخط أنت مجبر وإن تم تخييرك، فأنت مضطر للاختيار من بين بديلين تم تحديدهما مسبقا دون مشاركة منك، الأزمة فى الماضى كانت فى الديكتاتورية التى تدفعك دفعا للاستجابة والصمت على ما تختاره هى و أنت تعلم ذلك بالضرورة، وإلا بماذا تفسر لى صوتك الذى تضعه فى صندوق الانتخابات للمرشح المستقل فتجده بقدرة قادر قد ذهب لمرشح الحزب الوطنى، أو صوتك الذى يدخل صناديق الانتخابات الشفافة فى أوقات الاستفتاءات الرئاسية وهو يقول « لا» فيخرج منها لوسائل الإعلام وهو يقول «نعم»؟، الأزمة فى الماضى كانت تتلخص فى أن السؤال الشائع كان.. إنت معانا ولا مع التانيين؟ أما أزمة الآن فهى أخطر بكثير لأنه لم يعد هناك تانيين، شطبوا الاختيارات بأستيكة وتركوا اختيارا واحدا، وبالتالى لم تعد هناك إجابة عن السؤال سوى أنك مجبر بالطبيعة أن تكون مع الطرف الوحيد الباقى. انظر إلى انتخابات النادى الأهلى لكى تدرك كيف اختفى سؤال « إنت معانا ولا مع التانيين؟»، أعضاء الجمعية العمومية للنادى الأهلى لن يسألهم أحد هذا السؤال فى يوم 31 يوليو الحالى، لأن الواقع يقول إنه مافيش تانيين.. مافيش بديل، الواقع يقول إن الاسم المطروح على الساحة هو حسن حمدى، فإما أن يذهب العضو ليضع اسمه فى الصندوق أو يجلس فى بيته ممتنعا عن التصويت، لا بديل آخر أمام أعضاء النادى الأهلى مع احترامنا الكامل لمناوشات هؤلاء القادمين من مناطق الظل. الانتخابات فى النادى الأهلى بشكلها الحالى مجرد نموذج لحال البلد بشكل عام، الذى كلما ظهر أحدهم ليصرخ فى وجه الرئيس كفاية، ويسألونه عن البديل، يتلعثم ويظل ينقب فى باطن الأرض ثم ينطق باسم أى حد فى لعبة لا تتم إلا بوجود أسماء واضحة ومحددة وصريحة قادرة على المنافسة والصمود، وليست تلك الأسماء التى أدت ببراعة التمثيلية الهزلية فى انتخابات 2005، لا أحد ينكر على حسن حمدى وإدارته تلك الإنجازات التى تحققت للنادى، ولا أحد ينكر عليهم حبهم وإخلاصهم للنادى، ولكن وجود البديل الذى ينافس ويضع أمام الجمعية العمومية بدائل واختيارات مختلفة هو جزء من عمل مجلس الإدارة.. جزء من إنجازه وحبه للنادى، واختفاؤه ليس سوى دليل على أن الرئيس أى رئيس- فشل فى توفير جو من الديمقراطية ومنح المساحات لشخصيات من حقها أن تكون فى الصورة. الاستقرار الذى ينادى به حسن حمدى ويفتخر به مع قائمته، لا أحد ينكره ولا يشكك فيه، ولكنه لايمنحه الحق فى تحويل النادى إلى ضيعة خاصة بحسن حمدى ورفاقه، من حق أعضاء النادى الأهلى أن يجدوا تلك المنافسة التى تعلو بشأن كل الأمم، أن يجدوا من يمنحهم تلك المميزات التى فشل الآخر فى تحقيقها، أن يجدوا برامج عمل مختلفة ليختاروا من بينها من يجدونه الأنسب للمرحلة، لا أن يكونوا مضطرين إلى اختيار حسن حمدى لأن مفيش حد غيره. بالتأكيد هناك الآلاف من أعضاء النادى لا يحبون حسن حمدى ولا يتفقون مع طريقة إدارته للنادى، بالتأكيد هناك الآلاف يسعون نحو التغيير والأفضل، كل هؤلاء سرق حسن حمدى حقهم، وانتهك حريتهم فى الاختيار حينما لم يتح الفرصة لظهور البدائل على أرض النادى، حينما حول الانتخابات إلى مايشبه انتخابات الفصل تدور فى سرية تامة، مع منافسين جاءا من المجهول ولم يسمح لهما بتعليق يافطة أو عمل مناظرة بحجة الحفاظ على الاستقرار والهدوء، وهى نفس الحجة التى نجح من خلالها بتحييد الأسماء التى كانت تشكل البدائل الحقيقية له مثل ياسين منصور واللواء سفير نور، هؤلاء وغيرهم من الكبار الذين فكروا فى خوض الانتخابات على مقعد الرئاسة، فوجدوا أنفسهم متهمين بإشعال الفتنة وزعزعة استقرار وهدوء النادى.. هذا الهدوء الشديد الذى يعتبره البعض ميزة لانتخابات النادى الأهلى، ليس هو هدوء الديمقراطية الذى نتحدث عنه ونتمناه، ولكنه هدوء الموت الذى يؤكد عدم وجود منافس، عدم وجود بديل قادر على أن يمنح الناس اختيارات أفضل أو مميزات تشعل المنافسة، وتدفع الطرف الآخر للابتكار بشكل أفضل والسعى بقوة لإغلاق جميع منافذ الفشل. الوضع فى النادى الأهلى يشبه كثيرا ما يحدث فى نادى الصيد الذى اختفت فى انتخاباته القادمة البدائل الحقيقية وبقى حسين صبور وقائمته هم الاختيار الوحيد أمام أعضاء نادى الصيد، ومثله مثل حسن حمدى لا يمكن أبدا أن تغفل إنجازات صبور للنادى ولكن صبور نفسه غفل عن حق الإعضاء فى الاختيار حينما فشل فى أن يقدم لهم كوادر جديدة، أو أن يفتح أبواب النادى أمام قيادات جديدة قادرة على أن تكبر وتبتكر وتنافس وتقدم نفسها للجمهور كبدائل قوية للمستقبل، فضيق على أعضاء النادى دون أن يدرى مساحة الاختيار حينما حصرها فى نفسه ومجموعته فقط. ما يحدث فى انتخابات النادى الأهلى ونادى الصيد وما قد يحدث فى سموحة وغيرها من أندية مصر قد يمثل للبعض صدمة، بعد فترة طويلة عشنا فيها مؤمنين بأن انتخابات الأندية هى التجربة الديمقراطية التى يمكن من خلالها أن نؤكد على نجاحنا فى تطبيقها على المستوى العام، الواضح الآن.. أن عدوى التمسك بالكرسى وتضييق الخناق على البدائل انتقلت من الساحة السياسية إلى الساحة الرياضية أو إلى كل مكان فى مصر إن شئنا الدقة، وكل هذا يتم تحت حماية الحجة الجاهزة.. الحفاظ على الاستقرار. الأمر لا يقتصر على الأندية فقط، ولكنه متعلق بأى كرسى رئاسة فى مصر.. خد عندك الكرس البابوى وحالة الخلاف والجدل الدائر داخل الكنيسة من أجل البحث عن بديل للبابا شنودة، وعدم وضوح الرؤية أو وجود اسم يتمتع بشهرة كافية أو بقوة تفرض وجوده على الساحة، أو كراسى الرئاسة فى الأحزاب السياسية والنقابات وكرسى مرشد الإخوان المسلمين والشركات الكبرى التى تصاب بهلع إذا اختفى مؤسسها أو رئيسها مثلما حدث مع شركة طلعت مصطفى، هذا الصرح العملاق الذى اهتز فى البورصة وأصابته الرعشة فى السوق لمجرد دخول هشام طلعت السجن، وعدم وجود بديل على نفس القدر من الكفاءة والقوة. الغريب أن ظهور البدائل فى أى معركة انتخابية داخل مصر لا يعنى بالضرورة إتاحة فرصة الاختيار للناخبين بقدر مايعنى إتاحة الفرصة للعالم كله أن يشاهد معركة ضارية غير شريفة تبدأ بالتشهير وتنتهى بالسنج والمطاوى وأحيانا بقنابل المولوتوف مثلما حدث فى حزب الوفد حينما ظهر لنعمان جمعة محمود أباظة كبديل، أو كما حدث فى نقابة المحامين حينما تحولت المعركة الانتخابية بين سامح عاشور وحمدى خليفة ورجائى عطية إلى معركة تشهير بالذمم وتشويه للسمعة وضاع فى وسط الشتائم حق المحامين فى انتخاب واختيار نقيب قادر على تحقيق مطالبهم أو تحقيق أى تغيير، فى انتخابات الأندية أيضا ظهر البديل فى نادى الاتحاد وتحولت الانتخابات إلى معركة غير شريفة بين مصيلحى والسادات، ومايحدث فى الاتحاد السكندرى الآن، حدث فى نادى الزمالك من قبل حينما تحولت الانتخابات إلى ساحة معركة بين إسماعيل سليم ومرتضى منصور، وبين مرتضى منصور وممدوح عباس وهى المعركة التى مازالت نارها مشتعلة حتى الآن بسبب تهديدات منصور باللجوء إلى القضاء لإسقاط المجلس الحالى. قد يكون للحوادث السابقة معنى واحد للأسف، هو عدم قدرة المصريين على إدارة معركة انتخابية ديمقراطية بشكل سليم يحقق مصلحة الناخب أولا، على اعتبار أن وجود متنافسين يضع أمام الناخب عددا من الاختيارات والمميزات التى تحقق فى النهاية مصلحة البلد أو الكيان الذى تدور فيه الانتخابات سواء كان ناديا أو شركة أو نقابة أو دولة، التاريخ الطويل لتزوير الانتخابات وتقفيل الصناديق والبلطجية أحدث دون وعى حالة من الخلل فى العقل الانتخابى المصرى وحول المنافسة الديمقراطية إلى معركة، وجعل من المرشحين خصوما وأعداء، ودفع كل رئيس أو مسئول دون أن يدرى إلى تجفيف كل المنابع التى قد يظهر له منها شريك أو منافس أو حتى أى متطلع للرئاسة، ومع مرور السنوات خسرت مصر صفا ثانيا كان من المفترض أن يكون مستعدا لخوض المنافسات، أن يكون البديل لأولئك الذين ظنوا أنهم فقط الأصلح! ولكن هل يعنى ذلك أن البلد بلا بدائل؟ الواقع لن يجيبك على هذا السؤال سوى بنعم، والدليل تلك الحالة من اللخبطة التى تصيب المعارضة المصرية كلما سألهم أحد إذا كنتم لا تريدون مبارك فمن هو البديل؟ هذه اللخبطة تتجسد فى عدم تحديد أسماء واضحة ليتم تصديرها للناس بشكل جيد، بدلا من سيل الأسماء الذى يتم طرحه فى محاولة للتأكيد على أن البلد مازال قادرا على الإنجاب، دون أن يضع هؤلاء المتبرعون بطرح هذه الأسماء كبدائل فى اعتبارهم حالة التشتت وعدم الجدية التى تسببها الأسماء الكثيرة التى يأتى أغلبها غير مطابق للمواصفات التى تم تعديلها فى الدستور مؤخرا، هذا بخلاف تبرع النظام نفسه بحرق هذه الأسماء سواء بتجهيلها أو تحييدها أو نفيها مثلما حدث مع كل شخصية برز اسمها كبديل رئاسى بداية من عمرو موسى ومرورا بأيمن نور وأحمد زويل وانتهاء بالدكتور البردعى، ورغم كل ذلك فإن مشكلة البديل الحقيقية ليست فى مطاردة أصحاب الكراسى له، أو تضييق الخناق عليه أو فى عدم وجوده من الأصل بقدر ماهى فى تلك الثقة المفقودة من الجمهور فى شخصه، بدليل أن أغلب المصريين على قناعة من أن رحيل الرئيس مبارك من القصر الرئاسى قد يعنى بداية لمرحلة من الفوضى لا تنتهى، مثلما يقتنع جمهور الأهلى تماما أن رحيل أبوتريكة عن الفريق يعنى الحصول على المركز الأخير فى جدول الدورى حتى ولو كان هناك من هو أفضل منه. لمعلوماتك... ◄2007 تأسس الاتحاد الشباب الليبرالى المصرى، وهو جماعة غير حكومية بمبادره من مجموعة من الشبان المصريين المؤمنين بالأفكار الليبرالية، ويمارسون أنشطتهم من خلال الحملات، وورش العمل، والمسابقات الثقافية والفنية، فضلاً عن الأنشطة الإلكترونية.