سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تونس بين توتر العلاقات الجزائرية وارتباك الموقف الفرنسى.. مقتل الجنود التونسيين على الحدود مع الجزائر يرفع درجات الترقب لأزمة جديدة.. وإسلاميو تونس مرتبكون من الموقف الفرنسى الجديد
"الحزن عم" هكذا يمكن وصف المشهد فى الشارع التونسى، حزن ترجم إلى إعلان حالة الحداد ثلاثة أيام بعد حادثة اغتيال تسعة جنود على الحدود التونسيةالجزائرية، بأيدى مسلحين فى جبل الشعانبى بولاية القصرين على الحدود التونسيةالجزائرية، لتصبح تلك المذبحة أكبر الهجمات فيما يبدو على قوات الأمن القومى لتونس، ليزيد من حده الاضطرابات السياسية فى تونس. مذبحة الحدود التونسيةالجزائرية تفرض على الأذهان ثلاثة مشاهد، الأول مقتل الجنود المصريين على الحدود المصرية والثانى توتر العلاقات الجزائريةالتونسية والتى تميزت بالمد والجزر، لكنها قد توصف فى الوقت الحالى بالاستقرار، طالما أن الجزائر لم تتورط فى أى موقف معاد للوضع فى تونس، واكتفت بدور المراقب، رغم تواتر التخوفات من تأثير ثورات الربيع العربى ومختلف التحولات فى المنطقة على القرار الجزائرى، المشهد الثالث والأخير هو طبيعة العلاقات التونسية مع دول الجوار الغربية وتحديدا فرنسا خاصة بعدما شهدت العلاقات بين تونس وباريس بعد الثورة بعض الفتور نتيجة لتصريحات بعض مسئولين فرنسيين كبار وخصوصا وزير الداخلية "مانوال فالس"، الذى صرح عقب اغتيال شكرى بلعيد أن تونس لم تعد نموذجا لثورات الربيع العربى، وأن بلاده تدعم المعارضة ضد الحكومة التونسية، محذرا مما أسماه "إسلاما فاشيا" وما يمثله من خطر على الديمقراطية والقانون فى تونس، على حد تعبيره إعادة تحديد معالم السياسة الخارجية بين تونسوالجزائر، بدءًا بالسياسات الداخليّة لكلّ منهما، بالدخول فى شراكة تنعِش الاقتصاد وتقضى على البعض من مشاكل البطالة والفقر، أمر لا يعتبر بالسهل خاصة الأيام الجارية، فغياب التنسيق والتفاهم بين البلدين، يرجع بسبب التهديدات الإرهابية المتواصلة، والوضع الحالى المتأزم فى الحدود بينهما جهة القصرين، بالتوازى مع اتخاذ تونس لتدابير استباقية من جانب واحد، اتضحت فى رفض السلطات الجزائرية، أوائل العام الماضى، قرار الحكومة التونسية، القاضى بالسماح للرعايا الجزائريين بالدخول إلى تونس باستعمال بطاقة التعريف الوطنية فقط، مبررة موقفها بأنَها غير معنية بالأمر، وعزت ذلك إلى الظروف الأمنية الّتى تَحكُم المنطقة المشتَركة، والّتى لا تُشجِّع على هذا القرار. هذا القرار فى حد ذاته يفسر عدم جدوى الزيارات التى قام بها أعضاء الحكومتَين السابقة والحالية للجزائر، ومنها زيارة رئيس الحكومة السابق حمادى الجبالى بداية شهر ديسمبر 2012، والتى سعت أساسا إلى كسر جمود العلاقات بين البلدين، خاصة وأنها تأجَلت لأكثر من مرة، فى دلالة واضحة على برود الطرف الجزائرى. من جانب آخر، تتواصل المساعى التونسية لكسب الود الجزائرى، من خلال منح الرعايا الجزائريين المقيمين بتونس الحق فى الملكية ومزاولة النشاطات المهنية، والحق فى الإقامة، كما صرح رئيس الحكومة التونسية على العريض، فى زيارته للجزائر أبريل الماضى، أكد أن الشعب التونسى بحاجة لخبرة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، تَلَتها زيارة لرئيس المجلس الوطنى التأسيسى مصطفى بن جعفر وبقية رؤساء الكتَل خلال الأسبوع الجارى، بهدف تفعيل المجلس الأعلى للشراكة بين البلدين، هذه الشراكة الّتى يترجمها رقم المعاملات التجارية بين تونسوالجزائر، البالغ نحو مليار ونصف المليار دولار، أغلبها فى قطاعات كالصناعات الغذائية والكهرباء والإلكترونيات والطاقات المتجددة، مما يدل على تواضعها بسبب ظاهرة التهريب من جهة والتعطيلات الإدارية من جهة أخرى. بالنسبة للعلاقات الفرنسية التونسية فهو أكثر ارتباكا، فتصريحات وزير الداخلية الفرنسى أثارت استياء أنصار حزب حركة النهضة، واعتبرت هذه التصريحات تدخلا فى الشأن الداخلى التونسى قبل أن تطوى هذه الصفحة لتعود العلاقات إلى التحسن فى انتظار الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسى فرانسوا هولاند إلى تونس، أيضا من جانب آخر عبرت الصحافة الفرنسية لأوجه النظر المضادة للحكومات الإسلامية، حيث كتبت صحيفة "لاكروا" الفرنسية فى عددها الصادر الثلاثاء: "فى مصر وتونس أخفق الإسلاميون بوضوح فى السلطة، فهم كانوا فى المعارضة خبراء فى النشاط الاجتماعى، لكنهم فى الحكومة مديرون سيئون"، وذكرت الصحيفة أن "رغبة الإسلاميين فى أسلمة المجتمع بسرعة قوبلت بمعارضة شديدة من قبل الطبقة المتوسطة الحضرية والأكاديمية والأقليات الدينية وقطاع كبير من الشباب الذين يميلون إلى طريقة الحياة الغربية والديمقراطيات النشطة"، ورأت الصحيفة أن "الإسلاميين أعماهم فوزهم فى الانتخابات لدرجة أنهم لم يروا ما هو آت". ليصبح السؤال الآن هل تدخل تونس فى معركة جديدة مع الجزائر بعد مقتل 7 جنود على الحدود بين البلدين وكيف سيؤثر وضعها الحالى فى ظل الاحتقان الشعبى الداخلى على دول الجوار، الأمر الذى أجاب عنه المحلل السياسى عبد الله العبيدى، موضحا أن الحكومة التونسية اليوم بصدد استشارة حلفائها القطريين، وهذا ما يفسر غياب الإجابة الرسمية الواضحة على المبادرة الجزائرية الّتى اقترح خلالها وزير الداخلية الجزائرى "داحو ولد قبالية" تكفّل الأجهزة العسكرية الجزائرية بتمشيط الحدود التونسيةالجزائرية، للبحث عن العناصر الإرهابية المتحصّنة بجبل الشعانبى". لكن الثابت حسب رأى العبيدى أن الجزائر لا تنظر بعين الرضا لوصول حركة النهضة للحكم، لأنها حركة ذات طابع إسلامى، عانى منه النظام الجزائرى سنوات التسعين، مع إقرار بأن هذا قد يشكل خطرا على حدودها، فى ظل أوضاع إقليمية متوترة، خاصة فى مالى وليبيا.