إن عبث البشرية مع أشياء لا تدرك مدى خطورتها أمر يجلب الوبال والمصائب على هذه البشرية، وعندما يكون هذا العبث مع الأشياء التى تجلب لها الموت فإن النتائج تكون وخيمة, هكذا استطاع الإنسان باستخدام العلم أن يطور من قدرات الميكروبات القاتلة والممرضة, ليجعلها أشد فتكا بالبشرية عن طريق ما يعرف بإنتاج الأسلحة البيولوجية. فإذا ما كان هذا الميكروب هو الطاعون فذلك قمة العبث، لأنه العبث مع الموت الأسود, وكأن الجنس البشرى يحمل بين طياته عوامل دماره وهلاكه وهو يظن أنه يحسن صنعا. نعم الموت الأسود , هكذا أسماه الأوربيون, لما جلبه عليهم من سواد فى حياتهم, ولما أظهره من علامات السواد على جلود الملايين من الضحايا الذين أصابهم, فإنه المرض الذى يودى بحياة المصاب به خلال يومين إلى خمسة وسبعين يوما من الإصابة, الذى يصعب علاجه إذا اكتشف فى حالة متأخرة, الذى أهلك ملايين البشر على مر التاريخ, والذى يطول مكثه فى الأرض التى يطؤها ولا يغادرها من قريب, فقد دخل مصر فى عام 1346 ميلادية، ولم يخرج منها إلا فى عام 1805 فانخفض عدد السكان من ثمانية ملايين إلى ثلاثة ملايين، ودخلها ثانية فى عام 1889 ولم يخرج منها إلا فى عام 1947, وهو المرض الذى يصيب سنويا ما بين ألف إلى الثلاثة آلاف من البشر حول العالم فى وقتنا الحالى، حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية. الموت الأسود يسكن دوما فى القوارض وبخاصة الفأر الأسود فيدور فيها عن طريق البراغيث، حتى يودى بحياتها ثم يبحث عن عائل آخر فلعله يكون الإنسان, وما أكثر الفئران فى بلادنا نراها صباح مساء فى البيوت والطرقات والحقول وعلى شواطئ الترع تمرح هنا هناك وتعبث بكل شىء فلا يستطيع أحد أن يوقفها, تتخذ لها مخابئ لا يصل إليها الإنسان ولها قدرة على البقاء غير مسبوقة فزوج الفئران يمكنه أن ينتج سنويا ثلاثة آلاف فأر، ولذلك نجد دولة مثل ألمانيا على الرغم من تقدمها ونظافتها، إلا أنها تعلن أن كل مواطن ألمانى يعادله أربعة فئران يعيشون فى ألمانيا, فكيف بتعداد الفئران فى بلادنا؟ وهى العائل الرئيسى والأساسى للمرض, كما أن الفأر له موهبة خاصة فى التعرف على مصدر الموت وتجنبه، لذلك فإن عملية مقاومته تعد من الصعوبة بمكان, ولكن تبقى المشكلة الأكبر, ففى حالة قتل الفئران فسوف تنتقل البراغيث حاملة المرض إلى الإنسان لتنقل إليه المرض, أما ثالثة الاسافى فإن القطط إذا أكلت الفئران أصبحت بدورها حاملة للمرض، ومن ثم تنقله إلى الإنسان أما عن طريق العض أو عن طريق مخالبها. الموت الأسود ينقله أيضا البرغوث الأسود، وذلك عندما يتغذى على دم الفأر المريض فإن الميكروب يتكاثر حتى يسد معدة البرغوث، ولكن العجيب أن البرغوث يشعر بحالة كبيرة من الجوع فيبحث عن أى مصدر للغذاء, وبخاصة عند موت الفأر الذى كان يتغذى من دمه, فإذا ما صادف إنسانا وضع فمه وخرطومه ليمص الدم فلا يستطيع, لامتلاء المعدة بالميكروب فعندها لا يملك إلا أن يتقيأ الميكروب داخل دم الإنسان أثناء عملية الامتصاص فينقل المرض للإنسان. والبرغوث أيضا كائن يصعب التخلص منه، نظرا لأنواعه المتعددة التى تصل إلى ألف وخمسمائة نوع وأعداده الهائلة التى لا يمكن أن يحصيها إنسان, فكيف به فى بيئتنا وخاصة فى الريف, الأمر بحق يحتاج إلى وقفات. إذن فما رأيكم بالعبث مع الموت الأسود ؟. وحتى نخرج من حالة السواد الذى قد يطولنا فى ظل وجود العالقين من المصريين على الحدود مع ليبيا لابد من المسارعة إلى ما يمكن اتخاذه من إجراءات، تبدأ من مساعدة البلد الذى ظهرت به المشكلة ألا وهى ليبيا، لأنه فى حال السيطرة على الوباء هناك فلن يصل المرض إلينا, ثانيا لابد من التدقيق الشديد فى كل القادمين من ليبيا حتى لا يتسلل إلى البلاد من يحمل المرض, ثالثا لابد من المكافحة المتزامنة لكل من الفئران والبراغيث، لأن القضاء على الفئران منفردة قد يزيد المشكلة, رابعا لابد من إعطاء التحصينات اللازمة للسكان فى محافظات الحدود، وكذلك الذاهبين والقادمين من ليبيا, خامسا لابد من عمل توعية عامة بين المواطنين لمكافحة الفئران والبراغيث فى هذا الظرف الدقيق وبخاصة فى محافظات الحدود, وختاما نسأل الله أن يقينا شر الموت الأسود.