فى مدينة ك"سانت كاترين" عليك أن تستعد للذهاب إليها، ارتدى حذاءا جبليا مناسبا وقبعة واحمل معك بعض قارورات الماء واستعد لتقطع مسافة كبيرة مترجلا، والأهم أن يكون مرشدك من هناك لتستمتع بكل دقيقة داخل الدير المقدس بسانت كاترين، حيث سيقتسم معك معرفته الفائقة للمنطقة وحكايات كل شبر على أرضها، وكشف أسراره الروحانية. قادنا الحظ لمرشد من أبناء الدير، إنه "منير عبدالسيد"، الرجل النحيل ذو الأربعون عاما، ببشرته الشقراء وعينيه التى تشبه الجبل بقوتها، قرر محبة فى الدير والمحمية والجبال، أن يرافقنا فى الرحلة بلا مقابل ليفتح لنا الأبواب المغلقة ويجلسنا مع كبار رهبان الدير، ويكشف لنا الأسرار والحكايات. بدأت الرحلة من الدور الثانى للديرعلى عكس ما يتم مع كل السياح، ووقف "منير" يروى تفاصيل بناء الدير وتطور البنايات داخله مع مر العصور مؤكدا أن الدير بكنيسته ومسجده وقبة المعبد اليهودى وشجره العليقة كانوا على مساحة بسيطة لا تتجاوز ال100 متر. واصطحبنا لمكان الأسانسير القديم الذى مازال على حالته ولا يشاهده أحد حتى لا يهوى، فهو عبارة عن عامود خشبى مزود من المنتصف بأعمدة خشبية ملوفوف حولها حبل سميك مجدول من سعف النخيل، ومثبت فى الأرض ممتد فوق رافعة معلقة فى سقف الفناء، يبعد عنه بارتفاع درجتان حجرة خشبية بمساحة مترين فى متر يتوسطها من أسفل باب خشبى يتم رفعه لأعلى بارتفاع دورين من الأسفل، وبدأ يشرح كيف كان يستخدم من خلال جذب الحبل للخلف لرفع ما يتم تحميله ثم يتم إغلاقه، مؤكدا أن الأسانسير تم تصنيعه على هيئة برج وكان يستخدم للمراقبة من بين الفتحات الصغيرة بين ألواح الخشب. وبالقرب من الأسانسير صعدنا درجات 7 تقودنا لفناء الجامع بالمقابل لمنارة الكنيسة، حيث تظهر قبة المسجد الذى بناه أحد الرهبان للأمر بأحكام الله فى العصر الفاطمى، دون معرفة منه لاتجاه القبلة أو المسافات الهندسية فجاءت القبلة خطأ على حسب رواية "منير". ويعود "منير" ليحكى لنا أن الجامع يتم إقامة شعائر دينية فيه على فترات متباعدة وزاره الشيخ الشعراوى والسلطان قابوس ابن سعيد وكثير من رؤساء الدول خاصة اليونانيون والروس، وكشف لنا "منير" عن السر فى إقامة شعائر داخل الجامع حيث بنى الجامع على جذوع النخيل ولم يتم تطويره وبقى على حالته. وبجوار ساحة الجامع وبابه الرئيسى الذى تم إغلاقه بإحكام ومنارة الكنيسة صعدنا درجات سلم أخرى لنجد نفسنا فى الدور الثالث من الدير على اليمين استراحة كبار الزوار التى لا تفتح إلا لرؤساء الدول الروس وليونانيون فقط، وبالصدفة كان فيها بعض الزوار فانتظرنا حتى خرجوا وعدنا لها غرفة بمساحة 8 فى 4 متر يكسو جدرانها صور لشخصيات ورؤساء روسيين ويونانين ومن بينهم "تونى بلير". وأخذنا منير للدور الثالث فى الدير حيث سكن الرهبان والإدارة والسكرتارية قائلا، "يعيش هنا أقدم الرهبان بعد المطران يطلقون عليها اسم "الأجلومية" ومخصصة، والمطران الحالى الذى يشغل منصب رئيس الدير هو مصرى يونانى يحمل الجنسيتين المصرية واليونانية ويسمى أبونا "ديماينوس" الذى جاء الدير وعمرة 27 عاما والآن عمره 85 سنة تقريبا، وكلنا نتمنى أن يعيش معنا أول فترة ممكنة لأن لو حدث له مكروه نحن كمصريين لن نستطيع دخول الدير تانى فهو شايل كتير عننا قوى". ويكمل منير قائلا "تنسج الثلاثة منارات لوحة متناغمة مع جبل موسى الذى يطل عليها ويحيط بها من أمامها حيث تظهر الثلاثات منارات ومأذنه الجامع وقبة المعبد اليهودى، وفى الخلف سكنات الرهبان". على يمين سكن الرهبان استراحة كبار الزوار، غرفة مستطيلة 8 متر فى 4 متر يتوسطها ثلاثة مناضد دائرية وتكسو جدرانها صور لكل رؤساء اليونان وروسيا وأحدثهم صورة لتونى بلير اختلف بروازها وموقعها وفى واجهة الغرفة ثلاثة كراسى أثرية يتوسطهم الكرسى المخصص للمطران وممنوع أن يجلس عليه أحد غيره، ويقدمون واجب الضيافة من حلويات وبسبوسة وكنافة وجلاش صنعت فى مطعم الدير وقهوة عربية مغلية مذاقها مختلف عن أى قهوة تشربها فى أى مكان. وكشف منير ل"اليوم السابع" عن الزيارات المتعددة لتونى بلير التى تتجاوز 4 مرات فى العام الواحد، وقيامه ببناء مبنى مقابل لسكن الرهبان ومشروع فلترة لمياة البئر الوجودة بالدير، لاكتشافهم أن مياه البئر التى لا تضاهيها مياه أخرى فى أى مكان واحتوائها عن أملاح معدنية مكثفة وقام بتركيب مجموعة من الفلاتر بالدير لاستخدام مياه البئر بشكل دائم مؤكدا أن المياه التى يشربها يشعر بالارتواء والشبع وكأنه تناول وجبة دسمة وبالفعل جربناها. عدنا لمدخل سكن الرهبان عبارة عن غرف متلاصقة بأبواب خشبية أمامها سياج خشبى بطول الدور بالكامل ويأخذ الشكل المربع ممتد بمساحة 20 مترا فى 20 مترا طول و بجوار كل غرفة "مصطبة"، يعلوها سقف خشبى تتدلى منه بعض المصابيح القديمة، هو أحدث مبنى بالخرسانات فالمبنى القديم بنى بالطين وتم تطويره. وما زال "اليوم السابع" فى سكن الرهبان حيث صادف توقيت زيارتنا للدور أثناء نومهم، وأكد منير أن هناك 40 راهبا موجودون فى الدير ويعيشون فيه فى هذا الوقت ويحضرون للصلاة كل 12 بمفردهم أما فى الأعياد والمناسبات يأتى أكثر من 100 إلى 120 راهب للمكان ويقيمون فيه، وعن الراهبات أكد منير أن سكن الراهبات بوادى فيران على بعد 50 كيلو من هنا ويصل عددهن 8 راهبات تقريبا". لم تنتهى جولتنا فى الدور الثالث بالدير، حيث قادتنا ممرات دير الرهبان إلى ثلاث سراديب من إجمالى 40 سردابا موجودين بالدير، وبدأت كاميرا "اليوم السابع" تخترق السرداب والذى وصل طوله لأكثر من 50 مترا، فيمكن للرهبان سلوك السراديب التى يؤدى كلا منها لمكان مختلف، فمن أمام مبنى الرهبان 3 سراديب تؤدى إلى المطعم والمطبخ وغرفة الطعام. وأنت تسير داخل السرداب تقودك بؤرة من نور تتمركز فى نهاية السرداب فلا تحتاج لإضاءه، وكل سرداب يقودك لسرداب آخر بمعدل 3 سراديب لكل مكان يبدأ من مكان وينتهى لمكان آخر على حسب خريطة منطقة السراديب المحفوظة فى غرفة الوثائق. كان حظنا المرور فى السرداب الذى يبدأ من أمام سكن الرهبان يؤدى للكنيسة أسفله سرداب آخر يقود للكنيسة ومن الشمال على سكنة رئيس الدير ومن اليمين للمطعم. فى نهاية السرداب وقف أحد آباء الرهبان ينظر إلينا مستنكرا انتهاكنا لخصوصية هذه السراديب لكنه أخذ طريقه لغرفة الطعام وتعتبر من أهم الأبنية فى الدير حيث تشبه كنيسة ذات أربع جوانب وسقفها ذو أقواس حادة فى القمة ويوجد عليها كتابات لاتينية وشعارات وصفها أحد الآباء لنا وهو القس ميخائيل أنها شعارات عائلية، وفى أحد الأركان جدران مزخرفة برسومات عجيبة يرجع عهدها للقرن السادس عشر وأنها تمثل زيارة الله لإبراهيم بهيئة ثلاثة ملائكة يرمزون إلى الثالوث المقدس. ويأخذك نظرك بعض الرموز الموجودة فى أعلى الغرفة قام برسمها على الجدران أحد الرهبان وهو الراهب باخومييوس، وفى الوسط مائدة منحوتة من الخشب صنعت فى القرن السابع عشر وبجوارها، غرفة "الجرسية" وتضم 12 جرسا ذات أحجام مختلفة، بالإضافة إلى أحد الأجراس الخشبية يعد أقدم من الأجراس المعدنية يقرع عند صلاة العصر، أما الأجراس الكبرى فتقرع حينما يقام خدمة القداس الألهى فى أيام الآحاد والأعياد، إلى جانب ذلك يضم الدير معصرة لاستخراج الزيت من الزيتون، وبئر ماء ومخزن قديم للطعام وحوله حديقة واسعة تضم أشجار اللوز والزيتون وأشجار للزينة وفاكهة لم تراها أعيننا فى مكان بخلاف الدير.