مع أوائل عام 1952 وبالتحديد فى 26 يناير كانت مصر على موعد مع (حريق القاهرة) الذى احترقت فيه العديد من المحلات والمتاجر ودور السينما، والكثير من النوادى والكازينوهات والمكاتب والمعارض والشقق السكنية والفنادق .. إلخ .. ناهيكم عن عدد المتوفين من المصريين والأجانب، والأعداد الغفيرة من الإصابات بخلاف ما أدى إليه الحريق من تشريد آلاف العمال نتيجة لغلق مصادر أرزاقهم بعد حرقها!! أوضحت التحقيقات أن المجموعات التى قامت بتنفيذ هذا الحريق على مستوى عالٍ من التدريب والمهارة، وأنهم كانوا على معرفة تامة بأسرع وسائل إشعال الحرائق، وعلى درجة عالية وجيدة من الدقة والسرعة فى تنفيذ عملية الحريق، فقد كانوا يحملون معهم أدوات لفتح الأبواب المغلقة ومواقد " إستيلين " لصهر الحواجز الصلبة على النوافذ والأبواب، كما استخدموا نحو 30 سيارة لتنفيذ العملية فى وقت قياسى، وكان اختيار توقيت الحريق يُعد دليلاً آخر على مدى دقة التنظيم والتخطيط، فقد اختارت هذه العناصر بعد ظهر يوم السبت حيث تكون المكاتب والمحلات الكبرى مغلقة بمناسبة عطلة نهاية الأسبوع، وتكون دور السينما مغلقة بعد الحفلة الصباحية،، وهكذا ... وبرغم كل هذه المعلومات التى توافرت فقد قُيدت حادثة حريق القاهرة ضد مجهول!! ومع أوائل عام 2011، وبالتحديد فى 28 يناير، وبنفس الدقة والمستوى العالى من التدريب والمهارة والسرعة، كانت مصر على موعد مع حريق آخر فى كافة محافظاتها بدءا من ميدان التحرير حيث احترق مبنى الحزب الوطنى الضخم الفخيم على كورنيش النيل بطريقة تتشابه تماماً مع الدقة والسرعة والمهارة والتنظيم والتخطيط التى احترقت بها القاهرة فى 1952، ومعه أحترق أكثر من 95 قسم شرطة، وأكثر من 10 مديريات أمن، ناهيك عن ما حدث من تهريب مساجين مصريين وعرب من سجون فولاذية البناء، إضافة إلى حرائق اشتعلت فى محاكم ونيابات ومولات تجارية من أدنى مصر إلى أقصاها!! وبرغم كل هذه المعلومات والشواهد والشهادات الحية إلا أن الأمر يبدو لنا حتى الآن ونحن نقترب من منتصف عام 2013 أنه فى طريق قيده ضد مجهول أيضاً!! ومع أوائل الربع الأول من عام 2013 وبالتحديد فى 3 أبريل، كانت مصر على موعد مع حريق آخر التهمت فيه النيران مبنى أثريا يُشار إليه بأنه (محكمة جنوبالقاهرة)، تحمل فى أدراجها ودواليبها – ربما – أكثر من نصف ذاكرة مصر القضائية من ملفات ومستندات قضايا قرن فائت، فقد استيقظت مصر ومعها المصريون صباح يوم 3/4/2013 على رائحة دخان كثيف يُشير إلى تفحم الدور الثالث من المبنى الأثرى بباب الخلق بجوار مديرية أمن القاهرة، وأن النار لم تكن برداً وسلاماً على ملفات قضايا مهمة حديثة منها ما هو فى طور التداول، ولم تكن النار كذلك على المكاتب والمحتويات!! والغريب أن الأمر يبدو لنا - حتى الآن - أن تنفيذه تم بالدقة والمهارة والسرعة والتخطيط الذى تم به حريق القاهرة فى يناير 1951، وتم به حريق مصر فى يناير2011!! فهل هذا الحريق سيلاقى نفس مصير من قبله من حرائق، ويُقيد ضد مجهول؟!