استقرار أسعار الدواجن والبيض في الأسواق المحلية اليوم الإثنين 13 أكتوبر 2025    ارتفاع جديد في أسعار الذهب داخل الأسواق المصرية اليوم الإثنين 13 أكتوبر 2025    الاحتلال الإسرائيلي يُصدّق على قائمة احتياطية تضم 5 أسرى من غزة    مظاهرات حاشدة فى مدن وعواصم عالمية دعمًا للفلسطينيين    الأمل فى شرم الشيخ    هل يجوز الدعاء للميت عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟.. «الإفتاء» توضح    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الاثنين 13 أكتوبر    مصر تعلن قائمة الدول المشاركة في قمة شرم الشيخ    بدون محصل.. 9 طرق لسداد فاتورة كهرباء شهر أكتوبر 2025    ارتفاع الحديد واستقرار الأسمنت.. أسعار مواد البناء اليوم 13 أكتوبر 2025    أسماء مرشحي القائمة الوطنية بانتخابات مجلس النواب في عدد من المحافظات    حضور إعلامي دولي واسع لنقل قمة شرم الشيخ للعالم.. 88 وسيلة إعلامية كبرى    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 13 أكتوبر 2025 في القاهرة والمحافظات    إعلام عبري: إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين من غزة يبدأ صباح اليوم على دفعتين    الرئيس الإندونيسى يؤكد مشاركته فى قمة شرم الشيخ للسلام    تصريحات ترامب اللافتة بشأن غزة.. أتمنى أن تطأ قدماى أرضها الأبرز (فيديو)    ترامب: منحنا حماس موافقة مؤقتة لاستعادة النظام ونوكل لها مراقبة ألا تكون هناك جرائم ومشاكل في غزة    كوكا يوضح موقفه من تجديد تعاقده مع الأهلي    صلاح عبد الله: محمد صلاح يستحق أن تُدرّس قصته في المدارس    تأهل لنصف النهائي.. المغرب يكتسح أمريكا بثلاثية في كأس العالم للشباب تحت 20 عام    إعانة وسكن كريم للأطفال.. استجابة إنسانية من محافظ قنا لأسرة الزوجين المتوفيين    مقتل شاب دهسه أحد أقاربه بسيارة في فرح بالبحيرة    أجواء خريفية ونشاط للرياح.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الإثنين 13 أكتوبر    تعدي ولى أمر بالسب والضرب على مدير ووكيل ومعلم داخل مدرسة فى أسيوط    ماذا قال المتهم بإضرام النيران في شقته بالوراق    قبل عرضه بمهرجان الجونة.. طرح البوستر الرسمى لفيلم «50 متر»    انطلاق تصوير فيلم «شمشون ودليلة» ل أحمد العوضي ومي عمر    سلوكيات تدمر أقوى الصداقات.. تجنبها قبل فوات الأوان    وائل جسار يُشعل ليالي لبنان بحفل طربي قبل لقائه جمهور بغداد    منال سلامة توجه رسالة عميقة عن السعادة: الرضا هو سر الطمأنينة الحقيقية    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الاثنين 13 أكتوبر    مواقيت الصلاة فى أسيوط اليوم الاثنين 13102025    أخو صالح الجعفراوى يكشف وصية أخيه الأخيرة: لا تبكوا عليّ وأكملوا طريق الحرية    عاجل- رئيس هيئة الرعاية الصحية يراجع جاهزية المستشفيات والمخزون الدوائي لقمة السلام بشرم الشيخ    طريقة مبتكرة تعتمد على جزيئات الذهب لعلاج أمراض دماغية خطيرة    خبراء التغذية يحددون أفضل الأطعمة لصحة المفاصل والوقاية من الالتهابات    إبراهيم حسن: اكتشفنا إن صلاح في حتة تانية.. وسننتحر في المغرب للفوز بكأس الأمم    زيزو: التأهل للمونديال لحظة تاريخية.. وأتمنى تحقيق حلم المشاركة في كأس العالم    زيلينسكي يصرح بأن الرئيس الأمريكي لم يتخذ بعد قرارا نهائيا بشأن صواريخ توماهوك    مصرع شخصين في انقلاب سيارة بطريق مصر – الفيوم    حسام حسن: صلاح مثل أخي الصغير أو ابني الكبير.. إنه نجم العالم    حصيلة ممتلكات سوزي الأردنية.. 3 وحدات سكنية ومحافظ وحسابات بنكية.. إنفوجراف    مياه الشرب بدمياط تعلن فصل خدمات المياه عن قرية السنانية 8 ساعات    عبد الظاهر السقا: تنظيم أكثر من رائع لاحتفال المنتخب بالتأهل لكأس العالم    محمود حميدة وشيرين يشاركان فى مهرجان القاهرة بفيلم شكوى رقم 713317    غريب في بيتك.. خد بالك لو ولادك بعتوا الصور والرسايل دي ليك    محمد الشرقاوي لليوم السابع: عروض فرقة المواجهة والتجوال في رفح 18 أكتوبر    أنواع الأنيميا عند الأطفال وأسبابها وطرق العلاج    منتخب مصر ضد غينيا بيساو.. موعد قرعة كأس العالم 2026    نائب محافظ قنا يتفقد عددًا من الوحدات الصحية لمتابعة جودة الخدمات المقدمة للمواطنين    القائمة الكاملة لأسعار برامج حج الطبقات البسيطة ومحدودي الدخل    حبس رجل أعمال متهم بغسل 50 مليون جنيه في تجارة غير مشروعة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم 12-10-2025 في محافظة الأقصر    رئيس منطقة مطروح الأزهرية يكرم الطالبة هاجر إيهاب فهمي لتفوقها في القرآن والخريدة البهية    بالأسماء.. الرئيس السيسي يُصدر قرارا بتعيينات في مجلس الشيوخ    "الوطنية للانتخابات" تواصل تلقي طلبات الترشح لانتخابات مجلس النواب 2025 لليوم الخامس    مراكز خدمات «التضامن» تدعم ذوى الهمم    استبعاد معلمي الحصة من حافز ال 1000 جنيه يثير الجدل.. خبير تربوي يحذر من تداعيات القرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حريق القاهرة.. حادثة عمرها 58 سنة والفاعل مجهول!!
نشر في بص وطل يوم 26 - 01 - 2010

في 26 من يناير عام 1952 وقع حريق القاهرة.. ذلك الحادث اللغز الذي ما زال يطرح الأسئلة حول الفاعل الحقيقي رغم مرور قرابة ستين عاما على وقوعه، حريق القاهرة.. والذي ظلّ حتى الآن بقعة سوداء في تاريخ القاهرة التي تحولت بفعل فاعل -ظل مجهولاً حتى اليوم- إلى ساحة للفوضى والاضطرابات، التي لم تنتهِ، قبل أن تتشح المدينة بالسواد، لتظل الأسئلة تجر خلفها علامات الاستفهام والدهشة، بحثاً عن إجابة للسؤال... من أحرق القاهرة؟!
قبل سرد تفاصيل الحريق الذي التهم أهم معالم القاهرة وقتها لا بد من الإشارة إلى أن حادثة الحريق لم تكن منفصلة عن الأحداث التي سبقتها، وبالتحديد التي وقعت في محافظة الإسماعيلية في 25 من يناير من نفس العام، ذلك الحادث الذي كان سببا بعد ذلك في الاحتفال بعيد الشرطة من كل عام، حيث سقط 50 شرطيا في ثكناتهم في المحافظة بعدما رفض قائد البوليس المصري طلب القائد البريطاني بتسليم أسلحة رجال البوليس وجلائهم عن ثكناتهم، وأبلغوا بذلك فؤاد سراج الدين وزير الداخلية في ذلك الوقت، فأيد موقف رجال البوليس، وقرر رجال البوليس المقاومة حتى النهاية، وحتى نفدت آخر طلقة بعد ساعتين من القتال وسقوط 50 شهيداً.
فما كان من الإذاعة المصرية إلا أن أذاعت مساء الجمعة 25 يناير 1952 بياناً لوزارة الداخلية عن مجزرة الإسماعيلية، فصعق أهل القاهرة لوقع النبأ، وازداد سخطهم على الممارسات والفظائع البريطانية، وظلوا ينتظرون رداً لائقاً من الحكومة على هذه المجزرة، وبدت نُذُر الكارثة تلوح في الأفق وعندما لم تتخذ الحكومة -وبالأخص الداخلية- أي إجراء احتياطي يحفظ الأمن والنظام. وقبل فجر السبت 26 يناير 1952 تجمّع في مطار القاهرة عمال المطار وجنوده وموظفوه من المصريين، حول 4 طائرات تابعة للخطوط الجوية البريطانية، وحالوا دون نزول الركاب من الطائرات، الذين كانوا من جنسيات مختلفة، كما امتنعوا عن تزويد الطائرات بالوقود وحاول البعض إضرام النار فيها، فلما علمت الداخلية بالأمر أوفدت أحد ضباطها ليقنع المتجمهرين بالعدول عن موقفهم، لما سيترتب عليه من عواقب دولية وخيمة، فأذعنوا وعادوا لأعمالهم وأقلعت الطائرات، ومع ذلك فإن وزارة الداخلية لم تتوقف عند الحادث بالتأمل، باعتباره شرارة أولى وإحدى تجليات مجزرة الإسماعيلية.
وفي السادسة من صباح ذلك اليوم تمرّد جنود بلوكات النظام في ثكناتهم بالعباسية، وامتنعوا عن العمل، وخرجوا يحملون السلاح في مظاهرة شبه عسكرية، وتذرعوا بمجزرة الإسماعيلية، فيما كان السبب الأساسي وقف صرف بدل الطوارئ لهم، ورفعوا شكوى إلى فؤاد سراج الدين، وأمر بحفظها، ولم يصرف لهم البدل طوال 3 شهور قبل إضرابهم..
خرج الجنود ينددون بمجزرة الإسماعيلية، وساروا من العباسية إلى الأزهر ثم العتبة الخضراء فميدان الإسماعيلية "التحرير حاليا" ثم الجيزة واتجهوا للجامعة، وهناك اختلطوا بالطلبة، وسار الجميع في مظاهرة بلغت العاصمة وتدفقت عليهم مظاهرات أخرى، والتقوا جميعًا في ميدان عابدين ومنه إلى رئاسة الوزراء في الحادية عشرة صباحًا، وهناك أطلّ عليهم عبد الفتاح حسن وزير الشئون الاجتماعية مجاريا لهم في حماسهم، وألقى فيهم خطبة عصماء، ونادت هذه المظاهرات برغبتها في السفر لمنطقة القنال لمحاربة الإنجليز.
الغريب أن الداخلية لم تحتط، ولم تحرك ساكنًا رغم التحذيرات التي تلقّتها من قادتها، ورفضت اقتراحات تعطيل الدراسة، وفتح الكباري والاستعانة بالجيش، فكانت النتيجة أن بدأت حوادث الحريق من ميدان الأوبرا ظهرًا، حيث هاجم فريق من المتظاهرين كازينو أوبرا وأشعلوا فيه النار، وحال المتظاهرون دون عمل رجال الإطفاء، وأتلفوا خراطيم المياه، وسرت عدوى إشعال الحرائق إلى أماكن أخرى والتهمت النيران ميادين بأكملها، ووصلت إلى شوارع فؤاد والجمهورية وعدلي وقصر النيل وسليمان باشا وعبد الخالق ثروت ومصطفى كامل وشارع شريف ورشدي والبستان وعماد الدين ونجيب الريحاني ومحمود بسيوني والبورصة وأحمد عرابي، وعدة شوارع رئيسية أخرى.
تصاعدت الحرائق، التي اجتاحت في طريقها الكثير من المرافق والمحال، وظلت النيران مستقرة من الحادية عشرة صباحًا حتى الليل، وطالت ما يزيد على 700 منشأة ومحلا كان معظمها مملوكًا للأجانب وبعضها لمصريين، ومن بين ما التهمه الحريق في ذلك اليوم 300 متجر و30 مكتبًا للشركات و13 فندقًا، بينها شبرد ومتروبولتيان و40 دار سينما منها "ريفولي" و"راديو" و"مترو" و"ديانا" و"ميامي" و73 مقهى ومطعمًا منها "جروبي"، "والأمريكين"، وبلغ عدد القتلى نحو 26 شخصًا 13 منهم من العاملين ببنك "باركليز".
وردا على هذا الحريق قدّم النحاس باشا استقالته، وأعلنت الأحكام العرفية، وتوقفت الدراسة كلها في مصر، ويُذكر أن الملك فاروق في هذا اليوم قد دعا إلى قصر عابدين حوالي ألفين من ضباط الجيش، كان من بينهم قادة بارزون إلى مأدبة غداء، وأدى تلكؤ قيادة الجيش في الاستجابة لاستغاثة الحكومة إلى اشتداد الحريق؛ لأن السيطرة عليه كانت فوق طاقة البوليس.
كما أدى إلى تشريد آلاف من العاملين في المنشآت، وأجمعت المصادر الرسمية وشهود العيان على أن الحادث كان مدبّرًا، وأن المجموعات التي قامت بتنفيذه كانت على مستوى عالٍ من التدريب والمهارة؛ فقد اتضح أنهم كانوا على معرفة جيدة بأسرع الوسائل لإشعال الحرائق، وأنهم كانوا على درجة عالية من الدقة والسرعة في تنفيذ العمليات التي كُلّفوا بها، كما كانوا يحملون معهم أدوات لفتح الأبواب المغلقة ومواقد لصهر الحواجز الصلبة على النوافذ والأبواب، واستخدموا نحو 30 سيارة لتنفيذ عملياتهم في وقت قياسي، كما أن اختيار التوقيت يعد دليلاً آخر على مدى دقة التنظيم والتخطيط لتلك العمليات، فقد اختارت هذه العناصر بعد ظهر يوم السبت، حيث تكون المكاتب والمحال الكبرى مغلقة بمناسبة عطلة نهاية الأسبوع، وتكون دور السينما مغلقة بعد الحفلة الصباحية.
ورغم كل هذه الأدلة التي تجمعت بمرور الوقت لم يوجد أي سند أو دليل علمي وتاريخي يقطع بضلوع الإنجليز أو الملك في هذا الحريق..
ورغم تعدد الأطراف في تلك الأزمة إلا أنك ستجد من يرجّح كفة طرف عن الآخر في مسئوليته عن الحادث مثل "أحمد مرتضى المراغي" آخر وزراء الداخلية المصريين قبل الثورة في مذكراته التي صدرت مؤخرا في طبعة جديدة عن دار "الشروق" بعنوان "غرائب من عهد فاروق وبداية الثورة المصرية"، بوصفها شهادة شاهد عيان، فيشير بشكل غير مباشر إلى ضلوع الملك فاروق في التأكيد غير المباشر على تلك الواقعة، مستشهدا بوليمة قال إن الملك أقامها فجأة يوم 26 يناير أي نفس يوم الحريق، ودعا إليها قائد الجيش وكبار الضباط، قبل أن يأتيهم نبأ الحريق بعد تناول الغداء.
كما استشهد "المراغي" بإنقاذ الأوبرج من الحريق؛ وهذا لأن مالكه كان من الحاشية المقربة للملك، بالإضافة إلى أن الملك كان يقضي سهراته فيه.
أيضا لم يسلم الجيش من تلميحات "المراغي" بالتورط في الحريق؛ إذ توقف كثيرا أمام اشتراك الضابط "محمد علي عبد الخالق" وتزعمه للمظاهرات التي اندلعت عقب وأثناء الحريق، بالإضافة إلى جنود السواري وبلوكات النظام، وجميعهم من القوات المسلحة التي يحظر عليها التظاهر. وبالمناسبة فإن أحمد بهاء الدين في كتابه "أيام لها تاريخ" يكاد يقطع بضلوع الملك والإنجليز في حريق القاهرة لتبقى الحقيقة في ذمة التاريخ.
ومع ذلك ستجد أيضا إشارات ممن عاصروا الفترة باتهام بريطانيا، والمخابرات الأمريكية، وحتى عبد الناصر ستجد من يتوجهون بأصابع الاتهام إليه خاصة بعدما عُرف بعد ذلك بأن الحريق كان واحدا من الأسباب الهامة التي عجّلت بثورة يوليو 1952 فيقول عبد الناصر: "حرقت القاهرة، وحرق معها كفاحنا في القنال، ومن ذلك اليوم 26 يناير سنة 1952 بدأنا نفقد الصبر، وبدأنا نفكر في العمل الإيجابي، وآثرنا أن نصرع الفساد قبل أن يصرعنا، وأن نحطم الطغيان قبل أن يحطمنا، وقبل أن تمضي ستة أشهر قامت الثورة بقيادة الضباط الأحرار".
واللافت حقا أنه بعد كل هذه السنوات التي قاربت الستين عاما لم نعرف حقيقة أكبر حريق شب في القاهرة خلال عقود طويلة، رغم أنه في أي بلد متحضر يُفرج عن وثائق أي حدث مهما كان خطيرا بل وسريا بعد نصف قرن، ونحن الآن كل ما نملكه هي أقوال وشهادات شهود عيان في السلطة يكيلون الاتهامات للخصوم، ويزيحون التهم عن حلفاء الماضي، دون دليل واحد يشير بأصابع اتهام قوية إلى طرف من الأطراف التي تزداد بمرور السنوات.. فهل يمكن أن يأتي اليوم الذي نعرف فيه حقيقة حريق القاهرة؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.