يتردد في السير الذاتية التي يقرأها أي نادي جالب لمدرّب لفظة "شخصيته القوية"، هذه هي الميزة التي تتشكل من خلال عدد من المواقف، والتي تجعل النادي لا يتردد في التعاقد مع المدرّب. أليكس فيرجسون كان واحداً من أهم أصحاب الكفاءات الفنّية الذين وعوا مبكرّا كيف يصبح المدير الفنّي مميزاً حين يمتلك مقوّمات الإدارة، وفي هذه الحلقة، سوف نستعرض مجموعة من المواقف التي سردها في سيرته الذاتية. يحكي أليكس عن واقعة جمعته باللاعب "جيم ميكن" في بدايته، حيث جاء اللاعب إلى السير وأخبره بذهابه في عطلة طويلة تصل لثلاثة أسابيع تعوّد أن يقضيها مع العائلة. قال له أليكس: "اذهب لعطلتك، لكن لا تلعب مباراة السبت، ولا تعود مرة أخرى إلى هنا". خشى اللاعب من فيرجسون، لم يسافر ولعب مباراة السبت، وبعدها مباشرة التحق بعائلته في بلاك بول. يوم الاثنين تلقى أليكس مكالمة من اللاعب جيم: "يا مدير. لقد كسرت قدمي ولن أستطيع العودة". يقول أليكس إنّه في هذه اللحظة شعر أن اللاعب تعامل معه كغبي. أجابه فيرجسون: "لا أسمعك جيداً، اعطني رقم هاتفك، وسوف أعاود الاتصال بك مرة أخرى". سادت لحظات من الصمت، فأردف أليكس فيرجسون "جيم. لا تعد إلى النادي مرةً أخرى". وفي عام 1974، في أول يوم له في نادي مارين الاسكتلندي، جاء المصوّر لكي يلتقط الصور التذكارية المعتادة لتسجيل مثل هذه اللحظات. حين نُشرت الصور في اليوم التالي، وجد أليكس فيرجسون أن كابتن الفريق يظهر من ورائه وهو يشير بعلامة V خلف السير بغرض المزاح. ما كان من أليكس إلا أن هاتف كابتن الفريق وأخبره: "لديك ميزة الانتقال الحر من الفريق الآن، لأنّه لم يعد لك مكان. لن تلعب معي في المستقبل". سأله الكابتن "لماذا؟". أجابه أليكس: "أن تشير بعلامة V خلف المدرّب في اليوم الأول يوضّح أنّك لا تمتلك خبرة الكابتن، أو أنّك شخص طبيعي في الأساس. إذا بحثت عن كابتن فسوف أجد ضالتي في شخص طبيعي يكون قدوة للآخرين". هذه هي منهجية السير، المزاح له بعض الوقت، والجد له معظم الوقت. يضع نصب عينيه دائماً النصيحة التي قالها له أحد الأساطير الاسكتلدنية بيج جوك "لا تحب أي لاعب تقوم بتدريبه، يوماً ما سوف ينقلب عليك ويخونك". يستمر أليكس في سرد بعض المواقف، التي ربما يريد أن يقول من خلالها "هذه هي التي شكلتني وصنعت أليكس الذي أصبحتم تروه يحصد الإنجازات". في عام 1977، كان اليوم سبت وأمام 15 ألف متفرّج كان السير يدرّب سانت مارين. وخسر أمام فير بارك 2-1. قدّم يومئذ مذكرة إلى الاتحاد الاسكتلندي يقول فيها بإن الحكم ليس قوياً بالقدر الكافي. كان محبطاً من الهزيمة. عاد إلى المنزل، تلقى اتصالا من صديق يقول له "لم أحبذ الاتصال بك قبل المباراة، لأنني أعلم أنّ ذلك سوف يدفعك للعصبية المفرطة. لكنني شاهدت ماجارفي مساء الجمعة في البار". ماجارفي، هو فرانك ماجارفي نجم الفريق الأول، والذي انتقل في سنوات لاحقة إلى سيلتك وساهم مع الفرق التي لعب معها بالفوز بالبطولات. على الفور هاتف السير منزل فرانك، ردت والدته وأخبرته أنّه غير موجود. طلب منها أن يهاتفه بمجرّد عودته للبيت، أخبر الأم أنّه لن ينام حتى يسمع صوته. في الحادية عشر وخمسة وأربعين دقيقة، هاتفه ماجارفي، علم السير أنّه من هاتف بالشارع عبر صوت نقود معدنية دفعها، لكن اللاعب أخبره أنّه يكلّمه من المنزل، وأن الرنين الخاص بالهاتف المدفوع هو هاتف خاص بمنزلهم. لم يصدّقه السير، وسأله بغتة: "أين كنت ليلة الجمعة". أجابه اللاعب: "لا أتذكر". رد عليه السير: "حسنا سوف أخبرك، كنت في بار وترلو، تشرب الخمر. لا تعد مجدداً، تم الاستغناء عنك. لن تلمس الكرة مرة أخرى في حياتك". لماذا سرد هذا الموقف بالتفصيل؟.. لأنّه يعبّر عن السير بكل دقّة، المدرّب الذي يتابع نجومه، يعرف ما يفعلون، وطالما لا يخدم ذلك الفرقة يتدخّل، وإن وصل الأمر لطرد النجم في مقابل أن تستوي بقيّة الفرقة. حاول ماجارفي العودة، وكان يقفز أمام السير في الشوارع وهو يتأبط يد زوجته يسأله الرجوع. رضخ السير وفي أول مباراة هامة سجّل. لكن بالبحث عن اللاعب، وجدت أنّه ما أن اعتزل حتى أدمن لعب القمار، خسر كل نقوده، واضطر أحياناً للعمل كنجار. كانت نظرة أليكس فيرجسون لا تخيب في لاعبيه، يقسو عليهم لصالحهم، والأهم، لصالح الفريق. أهم ميزة يمتلكها السير كما يقول بنفسه "القدرة على اتخاذ القرار". لا يرى هذه الميزة بالوراثة عن والده. يوماً ما كان 15 عاماً وتألق لاعباً في مباراة لصبية جلاسكو الذي كان معهم أمام إيدن بلرج، ذهب لوالديه وأخبرهم أنّه لا يحب أن يكون نسخة منهم، يحب أن يكون صاحب قراره لذا قرر الذهاب إلى ناد كبير قدّم إليه عرضاً. يومها استغرب أنّه لم يسأل والديه رأيهما. أيقن من هذه اللحظة أنّه صاحب قرار. كان يناقش مدربيه وهو بعد لاعب. أحد المدرّبين يوماً قال له: "أليكس أنت مزعج بشكل دموي". كان الشاب يناقش الخطط ويقول الرأي، أدرك أن صفات المدرّب تغلب عليه أكثر من صفات اللاعب. مستقل برأيه، منظّم في حياته، موجّه للآخرين، يجيد اختيار اللاعبين، يعرف كيفية التعامل مع النجوم. هذه هي الصفات التي ذكرها أليكس عن نفسه من خلال عديد المواقف، والتي يمكن استخلاص أنّه كتب فصل "جذور جلاسكو" الذي قمنا بعرضه، ليقول: أنا كذلك من عشرات السنين، فقط وقتها لم تكن الأضواء مسلّطة عليّ بالشكل الكافي. في الحلقة القادمة: لماذا قرر السير إنهاء عقده مع مانشستر يوناتيد بسبب مدرّب الأرسنال؟ سيرة فيرجسون (1).. حين قرر الرحيل لوفاة أخت زوجته وعدم تحمله خسارة الدوري سيرة فيرجسون (2).. حين طالبه مشجّع برد قيمة التذكرة فنصحه بالالتحاق بدار المسنين