الجنس كان ولا زال وسيلة أشهر الروائيين والأدباء في التعبير عن رؤيتهم للعالم، سواء لرصد الظواهر الاجتماعية وعلاجها أو للكشف عن الطبيعة الإنسانية وآلامها. العديد من الكتاب برعوا في ذلك، على رأسهم الأديب العالمى نجيب محفوظ، وكاهن معبد الحب إحسان عبد القدوس، وأمير القصة العربية يوسف إدريس، والروائى إسماعيل ولي الدين. واستطاع نجيب محفوظ أن يرسم صور البغايا والمنحرفات بشكل وطعم مختلف، فقد منحهن مساحات واسعة في حكاياته، باحثا في الهامش الإنسانى الطاهر، وراصدا لظواهر اجتماعية، ومؤرخا لوحشة الفقر الذي طالما عانى منه المصريون. كانت " نور" في تحفته "اللص والكلاب" بائعة الهوى التي منحت البطل "سعيد مهران" نفسها وبيتها، وحمته من الشرطة، ومن رغبته في الانتقام من زوجته، بل وحمته من نفسه أيضا، فكانت نموذجا للإخلاص والحب والوفاء، وهى الصفات التي تتناقض تماما مع حياتها كمنحرفة، فكانت النور الوحيد في حياة المجرم الهارب. صاحب جائزة نوبل في الأدب، أطلق أيضا إحدى بطلاته "حميدة "، تلك الفتاة اللعوب صارخة الأنوثة في "زقاق المدق" والتي تتطلع لحياة أرقى تنتشلها من الفقر المدقع، فتسعى إلى الإيقاع بالرجال في شباكها، إلى أن تحول جمالها إلى رأسمال اجتماعى تعطيه لمن يمنحها الذهب والمال، لتتحول في النهاية إلى " تيتى محظية" ترفه عن جنود الاحتلال البريطانى. ولا ينسى للأديب العالمى بطلته في "القاهرة 30" الفتاة الشقية الفقيرة "إحسان شحاتة" وخطيبها الاشتراكى "على طه"، والتي تدفعها أمها للزنى والبغى بتصريح أبوى، فتلقى بنفسها في أحضان الباشا، وتبدأ ملحمة " القاهرة 30" وظهور الشخصية الأسطورية محجوب عبدالدايم. وهناك "ريرى" القادمة من الريف في " السمان والخريف"، والتي حولها الحب إلى فتاة ليل، فألقت بنفسها في أحضان "عيسى" ذلك الشاب الذي ينتمي لأحد الأحزاب التي انتهى دورها بعد ثورة يوليو، فيتخبط في حياته، وبعد أن يستبعد من المراكز الحساسة التي كان يتقلدها، يطردها بعدما أخبرته بحملها منه، لينتهى بها الحال بالزواج من العجوز صاحب المطعم. وفى رائعته "بداية ونهاية " حاول نجيب محفوظ الاقتراب من الظروف النفسية للانحراف، والتي دفعت "نفيسة" تلك الفتاة العانس التي تعمل خياطة لإعالة أمها وإخوتها ولا يخطب ودها الشباب، فتلقى بنفسها في بيوت البغاء بحثا عن المتعة المحرومة منها، وتتوالى الأحداث لتصل بها في النهاية إلى الانتحار. أما إحسان عبد القدوس ففضل أن يأخذ منحى آخر بعيدا عن الفقر - التيمة المشتركة بين بغايا محفوظ - لينتقل برواياته بين الطبقة المتوسطة وأوساط المتعلمين، فرصد في رائعته" أنف وثلاث عيون" أزمة الحب والشباب في فترة الستينيات، وخرج منها بصور متنوعة للمنحرفات، فنجد "أمينة" تلك الفتاة الساذجة التي تقع في حب الطبيب الوسيم "هاشم "، وبعد أن تنجح في إقامة علاقة معه يتركها بدعوى أنه لا يفكر مطلقا في الارتباط، وتتزوج أمينة من آخر، ولكنها ما تلبث أن تمل من الحياة مع زوجها وتطلب الطلاق، وتعود للدكتور هاشم الذي اعتاد أن يتهرب منها رغم حبها الشديد له، من أجل "نجوى" إحدي مريضاته التي يقع في حبها ويقرر أن يتزوجها، لكنها تعترف له أنها تعيش مع رجل يعولها وأنها لا تصلح للزواج منه، فينهار قبل أن يقابل "رحاب" الفتاة المتحررة والتي لا تتوانى عن أن تقيم علاقة مع أي شاب، ولكنه يرفض تحررها هذا ولا يستطيع مجاراتها، وفي النهاية، يلتقى هاشم "أمينة" في أحد البارات ليفاجأ بأنها أصبحت عاهرة. أما يوسف إدريس فيحكي في قصته "بيت من لحم" عن نوع جديد من الانحراف، والذي ولد مع نهاية الستينيات وبداية ظهور العشوائيات والطبقات المعدمة كليا، وتدور هذه القصة داخل حجرة صغيرة لأرملة وبناتها الثلاث، وتقرر الأرملة الزواج من المقرئ الكفيف بعدما رفضته بناتها، ليعيشوا سويا داخل هذه الحجرة الضيقة، وكان خاتم الزواج هو وسيلته للتعرف على أنثاه وسط هذه الكومة من اللحم الدافئ، وفى لحظة ما يفترس العجوز والقهر النسوة، وترى الأم بناتها الجياع، ولكنه جوع من نوع آخر فرضه الفقر والقبح واليتم ليزج بهن ليتقاسمن "اللقمة" الواحدة ولو بالحرام، وتبقى الأم بين نارين، نار الحرام ونار جوع البنات الذي لا يبرد، وتتوالى الأحداث ليصبح الصمت هو العنصر الأساسى داخل الحجرة، ويصم الجميع أذنه عما يجرى حتى لا يصبح الحرمان من نصيبهم. ويجسد لنا الكاتب المبدع إسماعيل ولي الدين في رائعته "درب الهوى" عالم الدعارة والرذيلة خلال فترة الأربعينيات، والذي تدور أحداثه حول أحد الوزراء ورئيس حزب اسمه "الفضيلة والشرف"، كان ينادى بغلق بيوت الدعارة نهارا، لكنه في الليل كثير التردد على بيوت الدعارة حيث إنه شخصية تستعذب الضرب والإهانة. ومازال محفورا في ذاكرة السينما مشهد الباشا الوزير في غرفة إحدى الباغيات وهو يستعد للقائها وتبادره بالاحترام قائلة: "ياباشا " فينفعل، لأنه المفضوح في شقق الليالى الحمراء، وهو ما جسده الفنان القدير الراحل حسن عابدين في فيلم "درب الهوي" في المشهد الشهير "أنا عاوز حد يهزأني يهزأني يهزأني". ولم يقتصر الأدب على هذا، بل حفلت الروايات والقصص العربية بكثير من ألوان الجنس والرذيلة، كما في الثلاثية والحرام والعيب والطريق المسدود والرباط المقدس، وغيرها من الأعمال....