بشرى سارة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال رسميًا    أمريكا تستعد للإعلان عن عقود أسلحة بقيمة 6 مليارات دولار لأوكرانيا    تشكيل ريال مدريد المتوقع أمام ريال سوسيداد في الدوري الاسباني    عاجل.. رمضان صبحي يفجر مفاجأة عن عودته إلى منتخب مصر    رضا عبدالعال: إخفاء الكرات بمباراة القمة كان في صالح الأهلي    إصابة 8 أشخاص في تصادم 3 سيارات فوق كوبري المندرة بأسيوط    تطبيق "تيك توك" يعلق مكافآت المستخدمين لهذا السبب    انطلاق حفل افتتاح مهرجان الفيلم القصير في الإسكندرية    تشرفت بالمشاركة .. كريم فهمي يروج لفيلم السرب    أبرزها الاغتسال والتطيب.. سنن مستحبة يوم الجمعة (تعرف عليها)    البنك الدولي يشيد بالاستراتيجية المصرية في الطاقة المتجددة    رمضان صبحي يحسم الجدل بشأن تقديم اعتذار ل الأهلي    "أكسيوس": مباحثات سرية بين مصر والاحتلال لمناقشة خطة غزو رفح    يونيو المقبل.. 21364 دارسًا يؤدون اختبارات نهاية المستوى برواق العلوم الشرعية والعربية بالجامع الأزهر    نقابة محاميين شمال أسيوط تدين مقتل اثنين من أبنائها    الزراعة: منافذ الوزارة تطرح السلع بأسعار أقل من السوق 30%    «زي النهارده».. استقالة الشيخ محمد الأحمدي الظواهري من مشيخة الأزهر 26 أبريل 1935    ليلى زاهر: جالي تهديدات بسبب دوري في «أعلى نسبة مشاهدة» (فيديو)    نجم الأهلي يعلق على طلب زيزو لجماهير الزمالك في مباراة دريمز    أحمد أبو مسلم: مباراة مازيمبي صعبة.. وكولر تفكيره غريب    الزمالك: هناك مكافآت للاعبين حال الفوز على دريمز.. ومجلس الإدارة يستطيع حل أزمة القيد    فلسطين.. المدفعية الإسرائيلية تقصف الشجاعية والزيتون شرقي غزة    عيار 21 يسجل هذا الرقم.. أسعار الذهب اليوم الجمعة 26 أبريل بالصاغة بعد آخر انخفاض    عاجل - بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024 فعليًا.. انتبه هذه المواعيد يطرأ عليها التغيير    «عودة قوية للشتاء» .. بيان مهم بشأن الطقس اليوم الجمعة وخريطة سقوط الأمطار    عاجل - تطورات جديدة في بلاغ اتهام بيكا وشاكوش بالتحريض على الفسق والفجور (فيديو)    مواقيت الصلاة بالتوقيت الصيفي .. في القاهرة والإسكندرية وباقي محافظات مصر    ذكري تحرير سيناء..برلماني : بطولات سطرها شهدائنا وإعمار بإرادة المصريين    "حزب الله" يعلن ضرب قافلة إسرائيلية في كمين مركب    أحمد كشك: اشتغلت 12 سنة في المسرح قبل شهرتي دراميا    عاجل - محمد موسى يهاجم "الموسيقيين" بسبب بيكا وشاكوش (فيديو)    بالصور.. مصطفى عسل يتأهل إلى نهائي بطولة الجونة الدولية للاسكواش    حركة "غير ملتزم" تنضم إلى المحتجين على حرب غزة في جامعة ميشيجان    القومي للأجور: قرار الحد الأدنى سيطبق على 95% من المنشآت في مصر    هل المقاطعة هي الحل؟ رئيس شعبة الأسماك في بورسعيد يرد    برج العذراء.. حظك اليوم الجمعة 26 أبريل 2024 : روتين جديد    أنغام تبدأ حفل عيد تحرير سيناء بأغنية «بلدي التاريخ»    كل سنة وكل مصري بخير.. حمدي رزق يهنئ المصريين بمناسبة عيد تحرير سيناء    هل العمل في بيع مستحضرات التجميل والميك آب حرام؟.. الإفتاء تحسم الجدل    حكايات..«جوناثان» أقدم سلحفاة في العالم وسر فقدانها حاستي الشم والنظر    السعودية توجه نداء عاجلا للراغبين في أداء فريضة الحج.. ماذا قالت؟    أنغام باحتفالية مجلس القبائل: كل سنة وأحنا احرار بفضل القيادة العظيمة الرئيس السيسى    عاجل - "التنمية المحلية" تعلن موعد البت في طلبات التصالح على مخالفات البناء    رئيس الشيوخ العربية: السيسي نجح في تغيير جذري لسيناء بالتنمية الشاملة وانتهاء العزلة    فيديو جراف| 42 عامًا على تحرير سيناء.. ملحمة العبور والتنمية على أرض الفيروز    قيادي بفتح: عدد شهداء العدوان على غزة يتراوح بين 50 إلى 60 ألفا    المحكمة العليا الأمريكية قد تمدد تعليق محاكمة ترامب    لوحة مفقودة منذ 100 عام تباع ب 30 مليون يورو في مزاد بفيينا    سرقة أعضاء Live مقابل 5 ملايين جنيه.. تفاصيل مرعبة في جريمة قتل «طفل شبرا الخيمة»    استشاري: رش المخدرات بالكتامين يتلف خلايا المخ والأعصاب    «اللهم بشرى تشبه الغيث وسعادة تملأ القلب».. أفضل دعاء يوم الجمعة    طريقة عمل الكبسة السعودي بالدجاج.. طريقة سهلة واقتصادية    مواطنون: التأمين الصحي حقق «طفرة».. الجراحات أسرع والخدمات فندقية    يقتل طفلًا كل دقيقتين.. «الصحة» تُحذر من مرض خطير    عالم أزهري: حب الوطن من الإيمان.. والشهداء أحياء    بالفيديو.. ما الحكم الشرعي حول الأحلام؟.. خالد الجندي يجيب    قبل تطبيق التوقيت الصيفي، وزارة الصحة تنصح بتجنب شرب المنبهات    6 نصائح لوقاية طفلك من حمو النيل.. أبرزها ارتداء ملابس قطنية فضفاضة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إحسان عبدالقدوس.. أخلى سبيل رغبات الأنثى في قصصه.. فكشف عورات المجتمع (بروفايل)
نشر في المصري اليوم يوم 11 - 01 - 2014

اتهمه الأدباء والنقاد بأنه صاحب مدرسة أدب الفراش، وأنه كاتب الجنس للجنس، وأن قصصه تدعو للرذيلة، لكن من يقرأ روايات إحسان عبدالقدوس بوعي وبصيرة يدرك أن قصصه تدعو للفضيلة، وأن أبلغ رد على هذه الاتهامات هو ما يقوله «إحسان» نفسه على لسانه: «إن نشر هذه العيوب سيجعلهم يسخطون، وهذا السخط سيؤدي بهم إلى الاقتناع بضرورة التعاون على وضع تقاليد جديدة لمجتمعنا، تتسع للتطور الكبير الذي نجتازه ونحمي أبناءنا وبناتنا من الأخطاء التى يتعرضون لها نتيجة هذا التطور، وهذا هو الهدف من قصصي».
إحسان محمد عبد القدوس أحمد رضوان، نشأ فى بيت جده لوالده المرحوم الشيخ أحمد رضوان، وكان من خريجي الجامع الأزهر، ويعمل رئيس كتاب بالمحاكم الشرعية، وهو بحكم ثقافته وتعليمه متدين جداً، كان يفرض على جميع العائلة الالتزام والتمسك بأوامر الدين، وأداء فروضه والمحافظة على التقاليد، بحيث كان يُحرم على جميع النساء فى عائلته الخروج إلى الشرفة بدون حجاب، أما الوالدة فهي الفنانة والصحفية السيدة روز اليوسف، سيدة متحررة تفتح بيتها لعقد ندوات ثقافية وسياسية، يشترك فيها كبار الشعراء والأدباء والسياسيين ورجال الفن.
وكان ينتقل وهو طفل من ندوة جده حيث يلتقى بزملائه من علماء الأزهر، ويأخذ جرعته الدينية التى ارتضاها له جده وقبل أن يهضمها يجد نفسه فى أحضان ندوة أخرى على النقيض تماما لما كان عليه، إنها ندوة روز اليوسف.
ويقول إحسان فى هذا الأمر: «كان الإنتقال بين هذين المناخين المتناقضين يصيبنى فى البداية بما يشبه الدوار الذهنى حتى اعتدت عليه بالتدريج واستطعت أن أعد نفسى لتقبله كأمر فى حياتى، لا مفر منه».
وإحسان عبد القدوس من أصول ريفية، فجده كان أول من هاجر إلى المدينة من عائلته والتى لا تزال تقيم بكفر ممونة التابع لقرية شبرا اليمن بمركز زفتى بمحافظة الغربية، وكان يقضى إجازته الصيفية فى القرية، كأى تلميذ من أصل ريفى يعايش فيها الفلاحين معايشة كاملة من ركوب الحمار للصيد والاستحمام فى الترعة، وكان جده يحرص أشد الحرص على أن يبعده خلال أشهر الصيف عن القاهرة حتى لا يتصل بوالده الفنان محمد عبدالقدوس، الذى غضب منه وطرده من البيت بسبب اشتغاله بالفن.
نشأ والده محمد عبد القدوس وتربى فى بيئة متدينة، حيث كان والده أحد علماء الأزهر، وكان يقطن فى حى العباسية، وهو نفس البيت الذى نشأ وتربى فيه «احسان»، أما والدته السيدة فاطمة اليوسف فقد ولدت فى احدى قرى لبنان، وعرفت اليتم والغربة منذ بداية حياتها فقد توفى والدها، وأدركت الوحدة فى هذا العالم المخيف، واحتضنتها أسرة صديقة لأسرة الوالد الراحل وضمتها اليها كواحدة من بناتها، وتقرر هذه الأسرة أن تهاجر إلى أمريكا كما هو الحال دائما فى لبنان، وتستقل الأسرة ومعها الطفلة اليتيمة فاطمة إحدى البواخر متجهين إلى المهجر المجهول، ولكن يبدو أن القدر رسم ل«فاطمة» اليتيمة حياة أخرى، فحينما رست الباخرة فى ميناء الاسكندرية لتتزود بالوقود والماء، صعد سطحها صاحب فرقة مسرحية معروفة آنذاك هو اسكندر فرح، لكى يودع الأسرة المهاجرة، ومع الأسرة شاهد الطفلة الصغيرة فأعجبه جمالها وحسن تصرفها ولاحظ نظرة الحزن والانكسار البادية عليها والتى كست الوجه الجميل الصغير بملامح مأساوية كبيرة، واستطاع اسكندر فرح إقناع الأسرة بالتنازل له عن اليتيمة الصغيرة، ليتولى هو تربيتها فى مصر ووافقت الأسرة بعد إلحاحه.
وانتقلت «فاطمة» لعائلها الجديد اسكندر فرح وبدأت حياة جديدة، وفى القاهرة وفى بيت صاحب الجوقة التمثيلية، تبدأ فاطمة اليوسف أولى خطواتها فى عالم الشهرة والأضواء «عالم الفن»، إلى أن تلتقى بعزيز عيد الذى استطاع أن يخلق منها نجمة كبيرة تجيد الوقوف على خشبة المسرح وإيصال الفن المسرحى للجهور، أحس عزيز عيد بقدرات وامكانيات ومواهبة فاطمة اليوسف فتولاها بالرعاية والاهتمام فعلمها القراءة والكتابة.
وتتعرف فاطمة اليوسف على المهندس محمد عبدالقدوس المهندس بالطرق والكبارى فى حفل أقامه النادى الأهلى، وكان «عبدالقدوس» عضوا بالنادى ومن هواة الفن، فصعد على المسرح وقدم فاصلا من المنولوجات المرحة، أعجبت به الفنانة الصاعدة روز اليوسف فأسرعت لتهنئته، ومن هنا كانت البداية، بداية اللقاء الذى جمع بين القلبين المتفقين على الفن وعلى الحياة واتفقا على الزواج، ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، فأصر والده على عدم الزواج بالممثلة فاطمة اليوسف، وعلى الرغم من ذلك تزوجها محمد أفندى عبدالقدوس والتى أصبح اسمها روز اليوسف عام 1917، ويتبرأ الأب من ابنه إلى يوم القيامة ويطرده من بيته، ويستقيل الابن المتمرد من وظيفته الحكومية ويتفرغ للفن ممثلا ومؤلفا مسرحيا.
ومن محاولات الشيخ أحمد رضوان إبعاد ابنه عن الفن وروز اليوسف، أنه سعى لدى المسؤولين لنقله إلى الصعيد، وفعلا ينجح الأب فى نقله ولكنه يفشل فى ابعاده عن الفن إذ يعين ناظراً لمدرسة الأقصر الصناعية ولكن حبه للفن كان يشغل كل كيانه وتفكيره ولم تفلح الوظيفة فى ابعاده عن عشقه الفنى فاستقال من نظارة المدرسة، وعاد إلى القاهرة، ولم يعد موظفا بوزارة المواصلات إلا بعد مولد «إحسان» بأيام قليلة، وظل موظفا ومهندسا إلى آخر حياته حتى يضمن دخلاً ثابتاً يكفيه للإنفاق على ابنه، وإن كان فى الوقت نفسه ظل يعمل بالفن.
والغريب فى الأمر أن الشيخ أحمد رضوان الرافض لعالم الفن ومجالسهم، كان من هواة الغناء وكان يدعو إلى بيته عبده الحامولى وكثيرا من المطربين، وكانت قاصرة على الرجال فقط، لدرجه أنه سمى ابنه «عبدالقدوس» على اسم عازف ناى كان معجبا به.
وتبدأ غيرة الزوج العاشق على زوجته الشابة الفاتنة التى تبحث عن المجد وتجرى وراء الشهرة والمال، وتعمل كل هذه العوامل ما لم يستطع عمله الشيخ «رضوان»، فتحكم عليهما بالفراق ويتم الطلاق بينهما فى العام الثانى من زواجهما، وكانت روز اليوسف حاملاً فى شهرها السابع، وبعد شهرين تضع مولودها «إحسان» فى مستشفى «الدكتور سامي» بشارع عبدالعزيز فى الأول من يناير عام 1919.
وفى نفس اليوم أيضا قرر الجد الشيخ «رضوان» نزعه من بين أحضان أمه، التى رضيت مرغمة أن تتركه للجد حيث تتوفر له سبل الرعاية التى لن تستطيع هى أن توفرها له، وقررت المضى فى طريق الفن حيث الشهرة والأضواء.
وأدخل محمد عبدالقدوس ولده كتابا بالعباسية قبل أن يسافر إلى إيطاليا عام 1924 لدراسة فن التمثيل ثم ألحقه بعد عودته بمدرسة البرامونى الأولية بالعباسية والسلحدار الإبتدائية فى باب الفتوح والنيل الإبتدائية بشبرا وخليل أغا الإبتدائية ليكون فى رعاية صديقه محمد عبدالوهاب، مدرس الموسيقى والأناشيد بالمدرسة.
واستمرت الحياة تداعب الطفل «إحسان» فتقذف به يمينا تارة ويسارا تارة أخرى، فنجد والده يلحقه عام 1928 بمعهد الموسيقى العربية لدراسة الكمان ولكن الفتى يفشل، فيتركه الأب يواصل دراسته الابتدائية إلى أن حصل عليها عام 1933، فيحاول معه مرة أخرى فهو يريد أن يصبح أبنه فنانا مثقفا وبأى ثمن فيحاول إقناعه بدراسة التمثيل، وهو طالب فى السنوات الأخيرة من المرحلة الثانوية، ويكاد «إحسان» يقتنع لولا تدخل الأم والعمة معاً لكى يبعدا «إحسان» عن العالم الذى قاست منه الأم تجربة قاسية، وخافت منه العمة عن سماع لما يدور فى محيط الفن وما يقع فيه من مآسٍ ومحن لايقوى على تحملها ابن أخيها.
ويقع «إحسان» الطالب بمدرسة فؤاد الأول الثانوية بين مغناطيسية أبيه وأمه، فكل من والديه يرسم له طريق المستقبل الذى يريده وهو يحاول بشتى الطرق جذبه اليه، فنجد «إحسان» يحاول كتابة الزجل والقصة استجابه لتوجيه أبيه ويحاول الإشتغال بالصحافة إستجابة لتوجيهات أمه التى أرادته صحفياً.
«إحسان» فى بيت نعمات هانم
فى البيت الكبير، بيت الجد، يجد «إحسان» صدراً حنونا يعطف عليه ويرعاه، هو صدر عمته التى أغدقت عليه من الحب والحنان بلا حدود، عاش فى ظل جده يتعلم منه وفى ظل عمته يرتوى منها المودة والحب إلى أن أصبح شابا يافعا وتجاوز عمره الثامنة عشرة، فقرر وكان القرار فى غاية الصعوبة أن يعود إلى أمه ليعيش معها.
وعن هذه الفترة يقول إحسان عبدالقدوس: «كنت فى الواقع بين نارين، فأنا أحب عمتى حبا شديدا وفى نفس الوقت، أريد أن أستمتع ببنوة عمتى العظيمة التي لم تتخل يوما عن مسئولياتها تجاهى حتى بعد وفاة جدى الشيخ أحمد رضوان، ارتبطت بعمتى عاطفيا، وقد شعرت بصدق احساس عمتى وشعرت بتدفق عواطفها نحوى، وكان جدى على الرغم من خصومته مع والدتى إلا أنه سمح لى أن أزورها يوم الجمعة من كل أسبوع، فكنت أحس أننى مجرد زائر فى بيت أمى فى (حارة جلال) بإحدى شقق العمارة التى كان يملكها أمير الشعراء أحمد شوقى، وكان اللقاء بيننا حافلا فى نهاية كل أسبوع».
«لولا».. الحب الأول والأخير في حياته
بعد أن اجتاز إحسان دراسته الجامعية بنجاح، وتخرج فى كلية الحقوق عام 1942، أتخذ أهم قرار فى حياته، فقد قرر أن يتزوج الفتاة الوحيدة التى أحبها «لولا»، وعنها يقول إحسان: «هى حبى الأول والأخير وقد لا يصدق الكثيرون هذا ولكنها الحقيقة، فمنذ عرفتها فى مطلع عام 1942، وكنت حينذاك طالبا بالحقوق وحتى الآن لم تستطع أى امرأة أن تزحزح مكانها فى قلبى، فلولا ثقتها بى وأنا فى مستهل حياتى لما وجدت الشجاعة على الاستقلال بنفسى، وهذا الذى جعل أمى تطمئن بقدرتى على المضى فى الحياة، لقد أعطتنى لولا الصورة المثالية للزوجة التى تفهم دورها فى حياة زوجها، والتى تستطيع أن تشكل هذا الدور تبعا للظروف التى يمر بها زوجها فى مراحل حياته المختلفة، فقد عشنا ظروفا عصيبة وأياما صعبة، ففى بدء حياتى كان دخلى لا يزيد عن عشرة جنيهات، وكانت رسالتها آنذاك وشغلها الشاغل هو البحث عن وسائل لتوفير حياة معقولة بهذا المبلغ البسيط، وعندما تغيرت حياتى، وأصبحت المشكلة الاقتصادية ليست مشكلة حياتى الأولى، وسارت زوجتى بذكاء لتغيير دورها فى حياتى، من تدبير الوسائل التى تسهل لدخلى البسيط أن يكفينا حتى آخر الشهر، إلى حمايتى ككاتب عليه أن يعطى الكثير من وقته لقلمه، من مشاغل الحياة اليومية التى تشغل بها كثير من الزوجات بال الزوج الذى يجب أن يتفرغ لما هو أهم من التفكير فى إصلاح الثلاجة أو شراء لوازم البيت».
ويكمل: «لقد كانت البداية مع طبق عاشوراء، فقد كنا ليلتها فى ليلة عاشوراء، وذهبت مع صديقى أحمد جعفر لكى نوصل طبق عاشورة من صنع والدته إلى أسرة صديقة لهم ووقفنا على الباب، ولكن السيدة ربة البيت أصرت على أن ندخل الصالون لكى نأكل العاشورة عندها، وكانت تلك عادة العائلات فى العباسية تبادل الهدايا فى المناسبات والأعياد، وفى الصالون رأيت صورة (لواحظ المهيلمى) فشغلتنى نظرة البراءة والذكاء الحاد المطلة من عينيها، عن طبق العاشورة اللذيذ الذى قدمته لى شقيقتها ربة البيت، وسألت صديقى أحمد جعفر عن صاحبة الصورة وكانت البداية، وقد عرفت فيما بعد أن زوجتى كانت موجودة عند شقيقتها فى نفس اللحظة التى كنت مشدودا فيها لصورتها، وأتتنى سراً وبادلتنى على البعد نفس الاهتمام، ومنذ تلك الليلة بدأت أهتم بتتبع أخبارها، وأتعمد التواجد فى المجتمعات العائلية التى يمكن أن ألتقى بها خلالها».
وبعد عثور إحسان على حبه الحقيقى وتأكده منه يمضي إحسان في كلامه عن «لولا» قائلًا: «صادفتنا مشكلة، كلانا يحب الآخر وكلانا مقتنع بأنه وجد شريك عمره، ولكن نظرة أسرتها لى لم تكن نظرة الرضا فضلاً عن الإعجاب أو الترحيب، ووجدنا أن الحل فى فرض الأمر الواقع على الجميع، وفى عصر أحد أيام نوفمبر سنة 1943 دخل المأذون إلى بيت محمد التابعى ليعقد قرانى سراً على زوجتى، ثم استأذنت (لولا) لتعود إلى بيت أسرتها وظللت أنا فى بيت (التابعى) الذى كنت أقيم عنده بعد خلاف وقع بينى وبين أمى لقد كنت واهما حين تصورت أن زواجى سراً من حبيبتى، سيضع حدا لمتاعبى، صحيح أن قلقى النفسى انتهى وأن احساسى الدائم بالوحدة والاغتراب النفسى عن كل ما حولى قد زال وتلاشى، وصحيح أننى وجدت أخيرا الانسانة التى تفهمنى وتحس بكل ما فى قلبى ولكننى وجدت أمامى مشكلة فظيعة يتحتم على أن أصل إلى حل عاجل لها قبل أن أصل إلى سعادتى فى بيت يضمنى مع زوجتى، فلم يكن مرتبى من مجلة روز اليوسف يزيد على اثنى عشر جنيها فى الشهر، تضاف إليه خمسة جنيهات كنت اتقاضاها كمحام تحت التمرين، وهو دخل لايسمح لى بفتح بيت وإقامة أسرة مستقرة ماديا».
ويذكر أن إحسان بعد تخرجه من كلية الحقوق عام 1942 قد التحق كمحامٍ تحت التمرين بمكتب واحد من أشهر المحامين آنذاك وهو إدوار قصيرى، ويقول في هذا: «كنت محامياً فاشلاً لا أجيد المناقشة والحوار وكنت أدارى فشلى فى المحكمة أما بالصراخ والمشاجرة مع القضاة، وأما بالمزاح والنكات إلى أن ودعت أحلامى فى أن أكون محامياً لامعا».
بالعودة لقصة زواجه السري يقول: «لم يمض أكثر من ثلاثة أشهر حتى عرفت أسرة (المهيلمى) بهذا الزواج، حين بدأوا بتضييق الخناق عليها ثم منعوها من الخروج، واستدعوني وطلبوا مني الابتعاد عنها فأخبرتهم أننا تزوجنا منذ ثلاثة أشهر، فأغمى على أختها الكبرى فى الحال، وأخيراً أعترفوا بزواجنا، وعملوا كتب كتاب صورى وأحضروا نفس المأذون الذى عقد قراننا، ووقفنا لالتقاط الصور كأى عروسين يوم زفافهما».
كانت السيدة فاطمة اليوسف رافضة لزواج ابنها لصغر سنه فقط ولم تحضر الفرح، أما والده فكان سعيدا جداً، وتنازل طائعاً عن شقته الصغيرة لابنه «إحسان» ليبدأ حياته.
إحسان عبد القدوس الأديب
كان عبد القدوس فى أعماله الأدبية يُعرى المجتمع ليكشف أخطاءه، حيث كتب أكثر من ستمائة قصة وقدمت السينما عدداً كبيراً من قصصه، فلقد اتجه فى مجموعاته القصصية الثلاث التى أصدرها قبيل ثورة 23 يوليو 1952 باسم «صانع الحب» عام 1948 و«بائع الحب» عام 1949 و«النظارة السوداء» إلى تصوير دقيق لفساد المجتمع المصرى وما يعانيه خلال تلك الفترة من انغماس فى الشهوات والرذيلة والبعد عن الفضيلة والأخلاق السامية.
ويظهر ذلك فى روايته الخالدة «شىء فى صدرى» التى صدرت عام 1958 نجده يرسم لنا صورة دقيقة وصادقة للصراع القائم بين المجتمع الرأسمالى والمجتمع الشعبى والمعركة الدائرة بين الجشع الفردى والاحساس بالمجتمع، فهى قصة عذاب الاحتكاريين والاستغلاليين ومثلهم بحسين باشا شاكر ذلك الذى جمع ثروته من احتكار الآخرين واستغلالهم، وحقق انتصاراته على كل من حوله من الناس بذكائه وأمواله واشترى سكوتهم ومظاهر احترامهم ولكنه لم يستطيع أن يخدع هؤلاء الذين يعيشون داخل نفسه، وهو يحس بعذابهم ويحس باعتدائه على حقوقهم ولذلك فلن يستطيع شراء سكوتهم واحترامهم، لأن قطعة من المجتمع تعيش فى صدره وتعذبه.
وشارك باسهامات بارزة في الرواية وكذلك فى المجلس الأعلى للصحافة ومؤسسة السينما، وقد كتب 49 رواية تم تحويلها إلى نصوص للأفلام و5 روايات تم تحويلها إلى نصوص مسرحية و9 روايات أصبحت مسلسلات إذاعية و10 روايات تم تحويلها إلى مسلسلات تليفزيونية إضافة إلى 65 من رواياته ترجمت إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والأوكرانية والصينية،
ومن القصص التى كتبها إحسان «لم يكن أبدا لها»، و «أين عمرى» و«الوسادة الخالية»، و «الطريق المسدود»، ومن الروايات «لن أعيش فى جلباب أبى»، و«ياعزيزى كلنا لصوص»، و«فى بيتنا رجل».
«إحسان» متهما فى مجلس الأمة
القول بأن إحسان عبدالقدوس كاتب جنس فقط تهمة اطارها الخارجى المزيف إطار أدبى، ولكن أساسها الحقيقى حملة تشهير سياسية ظالمة، شنها عليه خصومه السياسيون لدرجة أن وصل بهم الأمر فى عام 1965 إلى تقديم سؤال فى مجلس الأمة، إلى وزير الثقافة فى ذلك الوقت وكان الدكتور محمد عبدالقادر حاتم، ووقف أحد هؤلاء الخصوم ليسأل فى المجلس: «كيف تسمح الحكومة بنشر قصة (أنف وثلاث عيون) هذه القصة الجنسية الهدامة»، وكان رئيس المجلس فى ذلك الوقت هو الرئيس الراحل محمد أنور السادات، ورد الدكتور «حاتم» على مقدم السؤال: «الحكومة لا تتدخل فى حرية الأدب، وعلى المعترض أن يتقدم للنيابة العامة إذا رأى هناك ما يستحق إبلاغها»، وقد حاول هؤلاء الخصوم أن يشكوه للنيابة العامة، والطريف أن تأتى بعد هذا جميع الأجهزة الفنية المختلفة ممثلة فى الإذاعة والسينما والتليفزيون وتشترى هذه القصة لتنتجها مسلسلا إذاعيا، وفيلما، مسلسلا تليفزيونيا.
جمال عبدالناصر يعترض على «البنات والصيف»
ما لا يعرفه الكثيرون أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر كان من هواة قراءة الروايات بوجه عام وكان متهما بوجه خاص بقراءة كل ما يكتبه إحسان عبدالقدوس من أدب قصصى ويتتبعه تتبعا كاملاً وكان يبدى إعجابه بها ولكنه حينما قرأ مجموعته القصصية «البنات والصيف» اعترض على إحدى هذه المجموعات.
ويقول «إحسان» فى رسالته ل«عبدالناصر»: «أبلغنى صديقى الأستاذ (هيكل) أن سيادتكم قد فوجئت عندما قرأت فى إحدى قصصى (البنات والصيف) ما يمكن أن يحدث داخل الكبائن على شاطىء الاسكندرية، والذى سجلته فى قصصى يحدث فعلا ويحدث أكثر منه، وبوليس الآداب لن يستطيع أن يمنع وقوعه، أنها ليست حالات فردية أنه مجتمع، مجتمع منحل ولن يصلح هذا المجتمع إلا دعوة، إلا انبثاق فكرة تنبثق من سخط الناس كما انبثقت ثورة 23 يوليو، لهذا أكتب قصصى».
وكان أبلغ رد على الرسالة جاء ل«إحسان» من أنور السادات الذى أكد له أن «عبدالناصر» كان فى اجتماع معه واستأذن منه وقال أنه سيصعد لمشاهدة التليفزيون لكى يرى قصة «عبدالقدوس» حيث كان قد طلبها ويخشى أن يكونوا قد عدلوا فيها.
وحاولت مراكز القوى أن توغر صدر «عبدالناصر» غضباً على روايات «إحسان» وتأويلها بتأويلات مختلفة، ولعل أقرب مثال على ذلك قصة «علبة من الصفيح الصدىء»، التى فسرتها مراكز القوى آنذاك على أنها اتهام خطير ل«عبدالناصر»، فهى تقول ببساطة إن ماحدث قبل الثورة مازال يحدث بعدها وكذلك رواية «لاشىء يهم»، ولم ينصت «عبدالناصر» لهمسات من حوله بل أخذ القصة وقرأها بنفسه وبعد أن فرغ من قراءتها أمر على الفور بعرضها فى التليفزيون كما هى دون تغيير أى شىء منها.
«إحسان» لرئيس الوزراء: أمى بتسلم على سعادتك وبتقولك عاوزة شوية أخبار
فى صيف عام 1938، سافر «إحسان» إلى الإسكندرية لقضاء الإجازة، بعد ظهور نتيجة البكالوريا، مكافأة من والدته على نجاحه فى امتحان الشهادة واستيقظ ذات صباح مبكرا بالفندق الذى يقيم به، على مكالمة تليفونية عاجلة من القاهرة، حيث فوجىء بوالدته تخبره بأن مندوب روز اليوسف بالاسكندرية (على بليغ) مريض وأن عليه التوجه فورا إلى رئيس الوزراء الموجود بالمصيف ليحصل منه للمجلة على آخر تطورات الموقف السياسى، وأنهت والدته حديثها معه بعبارة قصيرة ومخيفة قالت فيها: «بسرعة يا احسان المطبعة واقفة ولازم التصريح يوصلنى قبل الظهر»، فوضع سماعة التليفون وقد طار النوم من عينه رعبا، انتابته حالة من القلق لاحتمال الفشل.
وذهب «إحسان» إلى مقابلة محمد محمود باشا، وفى تراس فندق سيسل المطل على البحر الأبيض وقف حائرا مترددا بين الأقدام، وبين خوفه وخجله من هذه المجموعة من المشاهير التى تحيط بدولة الباشا تجىء النجدة له على يدى الشاعر المرحوم كامل الشناوى فيدعوه للدخول مرحباً به بين دهشة الكبار الذين تصادف عدم معرفة أحد منهم له، لأنه كان حتى هذه اللحظة بالنسبة لمجتمع أمه مجرد زائر عابر، وما يكاد صاحب الدولة رئيس الوزراء يعرف شخصيته حتى أقبل عليه مرحبا فى عطف مما زاد ارتباكه، فيتعثر الكلام على لسانه فلا يكاد يبينه، وبعد مقاومة عنيفة لخجله، فوجىء الحاضرون بعبارة كانت نصيب معظمهم بالإغماء من كثرة الضحك حين قال: «أمى بتسلم على سعادتك، وبتقولك عاوزة شوية أخبار».
ويقول الأستاذ إحسان: «كان المرحوم الدكتور محمد حسين هيكل أسرع الحاضرين تمالكا لنفسه بعد موجة الضحك التى انتباتهم، فأسرع يطيب خاطرى ويملينى ما جئت لأجله من أخبار وتصريحات خطيرة، ورغم كثرة ما حصلت عليه من أخبار، فلم أكن سعيدا، ولكنى أديت واجبى الصحفى، وأمليت الأخبار لأمى تليفونياً وكانت سعادتها لا توصف بنجاح ابنها فى أول مهمة صحفية يكلف بها رسميا من المجلة».
وتولى «إحسان» رئاسة تحرير مجلة «روز اليوسف»، وهى المجلة التى أسستها والدته، وقد سلمته رئاسة تحريرها بعد خروجه من السجن عقاباً على مقاله بالمجلة والذى كان تحت عنوان «الجمعية السرية التى تحكم مصر» والتى قال فيها: «كنا جميعًا نعلم أنه ليس محمد نجيب الذي يحكم، وكنت خلال هذه الأيام ألح عليها إلحاحًا مستمرًا ليظهروا أمام الشعب ولكنهم أصروا على أن يظلوا جمعية سرية».
وكانت لإحسان مقالات سياسية تعرض للإعتقال بسببها، ومن بينها قضية الأسلحة الفاسدة وقد تعرض للاغتيال عدة مرات، كما سجن بعد الثورة مرتين في السجن الحربي، وأصدرت مراكز القوى قراراً بإعدامه.
وعن ذكريات إحسان عن حرب أكتوبر يقول إحسان: «على الرغم من أن الرئيس أنور السادات كان يؤكد لى عزمه على خوض المعركة فى كل مرة ألتقى به خلالها، إلا أن ضخامة المشاكل التى كانت تواجهنا قبل المعركة، كانت تجعلنى أقف موقف الحيرة والتساؤل، كيف سيجتاز الرئيس السادات كل هذه المصاعب وهو فى طريقه لاجتياز عقبة العقبات؟، ولكن توالى الأحداث أقنعنى بالتدريج أن فلاح مصر الصبور الصموت أنور السادات، ماضٍ فى طريقه، يقطع خطواته على الدرب الموصل فى صمت وعزم، وقد كنت معه فى جميع الخطوات التى اتخذها، ابتداء من إبعاد مراكز القوى، ثم إبعاد الخبراء الروس، كنت متجاوباً معه فى سياسته ولم يبدأ الخلاف بيننا إلا بعد أن أنتهت معركة 1973».
رحيل إحسان
وبعد عدة تكريمات لأدبه الواقعى حصل إحسان على وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ووسام الجمهورية من الرئيس محمد حسنى مبارك وجائزة الدولة التقديرية فى الآداب فى 1989والجائزة الأولى عن روايته «دمى ودموعى وابتساماتى» عام 1973 وجائزة أحسن قصة فيلم عن رواية «الرصاصة لا تزال فى جيبى»، وفى الثانى عشر من يناير عام 1990 رحل عن عالمنا كاتب وأديب رفض أن يعيش فى جلباب أحد، ليعلنها صريحة للعالم بأنه لا يكذب ولا يتجمل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.