وضِعت فى الحُب مئات بل آلاف القصائد والأشعار، وألف الكتاب من الروايات ما إن وضع فى مكتبة لملأ مئات الأرفف؛ ليظل وحده الدفعة الحقيقية والوحيدة فى اتجاه كل نجاح، بغض النظر عن ماذا نُحب ومن نحب، وكيف نعبر عن هذا الحب، فالأهم أن تكون بداخلنا تلك الطاقة الفياضة التى تعيننا على عبور الصعاب. بدأت قصائد الحُب أو الغزل العذرى منذ الجاهلية، وينسب لبنى "عُذرة" بالقرب من المدينةالمنورة، وارتبط بالغزل العفيف الذى امتدح فيه الشعراء أخلاق المحبوبة وجمال روحها وحسبها ونسبها، بدون أن يتطرقوا لوصف أو مدح يخدش حياءها، فكانوا يمتلكون رقة القلب وصدق المشاعر. إلا أن البعض ممن سيطرت عليه الشهوات وترف العيش أخرجوا الحُب العذرى عن خجله المعهود، فامتد لوصف جسد المرأة ومفاتنها، بل إلى وصف الخمر وغيرها من أمور الدنيا، لينتقل التعبير عن المشاعر الدافئة، إلى بنى عامر، ويظهر "قيس ابن الملوح"، ومن أروع ما قال فى محبوبته: أنِيرى مَكانَ البَدْرِ أن أفَلَ البَدْرُ *** وَقومِى مَقَامَ الشَمسِ ما استأخَرَ الفَجْرُ ففيك من الشمس المنيرة ضؤوها *** وَلَيْس لهَا مِنْكِ التبَسُّمُ وَالثَغْرُ ومن ينسى عنترة بن شداد "عاشق عبلة" حينما قال: عقاب الهجر أعقب لى الوصالا *** وصدق الصبر أظهر لى المحالا ولولا حب عبلة فى فؤادى *** مقيم ما رعيت لهم جمالا عتبت الدهر كيف يذل مثلى *** ولى عزم أقد به الجبالا حتى جاء الإسلام بتلك المشاعر الفياضة، لم يُحرم الحُب أو التعبير عنه بل أيده وأدبه، وجعله أساسا فى الصداقة حينما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما تحاب اثنان فى الله إلا كان أحبهما إلى الله أشدهما حُبا لصاحبه"، حتى فى الزواج فلم يحرم المرأة من حقها فى الاختيار. وفى حُب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ضرب حسان بن ثابت أصدق وأنجح الأمثلة فى أن الحُب لا يشترط أن يكون من رجل لإمرأة أو العكس، فقد قال فى رسول الله ما يصف حبنا وشوقنا لرؤياه وحاجتنا لشفاعته: يا ركن معتمد وعصمة لائذ *** وملاذ منتجع وجار مجاور يا من تخيره الإله لخلقه *** فحباه بالخلق الزكى الطاهر وبما أن "الحب" لا يقتصر على حب شخص لشخص، فلا نستطيع أن نغفل رابعة العدوية، تلك المرأة التى قالت فى حب الله عز وجل ما تدمع له العيون وترق له القلوب: عرفت الهوى مذ عرفت هواك *** وأغلقت قلبى عمن سواك وكنت أناجيك يا من ترى *** خفايا القلوب ولسنا نراك وهكذا هى الحياة، تمر مشاعر الحب بأحوال وأحوال، لنسهر ونلمح فى القمر ملامح أروع محبوب، صورته أبيات نقشها شعراء العصر الحديث، أمثال أحمد شوقى ونزار قبانى وأمل دنقل، ذلك المحبوب الذى تعددت صوره بين رجل وامرأة ووطن، فهو الحُب الأكبر الذى يضم فى طياته أصدق مشاعر الحب الحقيقى.