«البنا» نفذ سيناريو «أخونة الهضيبى» ب«مقالات الإخوان».. والمرشد الثانى يرد الجميل ب«الاستقالة» عرف الجماعة صدفة وترك المحاماة من أجل عيون المرشد.. والبنا استكتبه في مجلة الإخوان 1951.. اختيار المرشد الثانى للإخوان حسن الهضيبى 1947.. أولى رسائل البنا للهضيبى عبر جريدة الإخوان المصادر.. مذكرات حسن الهضيبى تقارير عن رسائل حسن البنا لأعضاء الجماعة علاقته ب«مؤسس الإخوان» جعلته خليفة له.. و«الإطاحة» ب«السكرى» صنعت منه أخا عاملًا «الأخ أحمد السكري.. سأتبع معك المثل القائل خير الكلام ما قل ودل، وأرجو أن تمتنع عن هذا الهذيان في حق سيدك وولى نعمتك، وإلا فإنى والله وأنت أدرى بقسم الإخوان سأقتلك حتى ولو أتوا بحرس الدولة كلها وستكون نهايتك أحقر نهاية، فلك أن تختار بين أمرين، إما أن تحفظ لسانك وإما الموت الحقير، وسأشنع بلسانك هذا حتى بعد موتك». إمضاء: سيدك. ملحوظة: تأكد أننى سأفى بوعدى ووعيدي، ولن يقف أمامى أي عائق ممن تنشد معونتهم سواء من البوليس أو غيره. بهذا الخطاب أطاح مؤسس جماعة الإخوان حسن البنا برفيق التنظيم لأكثر من 27 عاما، والرجل الثانى في الجماعة أحمد السكري، ليتبنى بعدها المستشار حسن الهضيبى باعتباره بديلا أقوى يصلح لإدارة أمور مكتب الإرشاد بعد رحيل البنا. أما أسباب طرد حسن البنا للشيخ السكرى فكانت تتلخص في اعتراض الأخير على استبداد البنا بالأمر واستيلائه على مبلغ يزيد على ثلاثة آلاف جنيه من الأموال التي جمعها الإخوان باسم الدفاع عن فلسطين، إضافة إلى رفضه التستر على فضائح صهر «البنا» عبد الحكيم عابدين، حيث اتهمه الإخوان بدخول بيوتهم دون وجودهم. صلة الهضيبى بالإخوان المسلمين لم تأت بسعى من الجماعة لاكتساب الهضيبى كما اعتاد التنظيم إيقاع الأفراد في خلايا الجماعة هنا وهناك، فتحديدا عام 1944 تعرف الهضيبى على عدد من أعضاء الجماعة فأعجب بتدينهم وفهمهم للأمور السياسية، ومن هذا اللقاء الذي تم مصادفة تحرك اهتمامه نحو شئون الجماعة، فبدأ يقرأ مطبوعاتها، واقتنع بفكرها، وبدأ يحضر اجتماعاتها، ولا غرابة في أن تجتذبه تعاليم الجماعة إذا علمنا أنه متدين وينحدر من أسرة مسلمة شديدة التدين. ولم يذكر التاريخ على وجه الدقة إذا كان الهضيبى قد انتمى بالفعل للإخوان المسلمين في هذه الفترة أم لا، ولكن من الثابت أنه استطاع بطريقة ما أن يصبح صديقا حميما لحسن البنا مؤسس الجماعة ومرشدها العام، خاصة أثناء عمل حسن الهضيبى بالمحاماة، ففى هذه الأثناء قرأ مقالا لحسن البنا بتاريخ 3 ديسمبر 1947، ولم يوافق البنا على آرائه المسرودة في المقال، فأرسل له خطابا يقول فيه: حضرة صاحب الفضيلة المرشد العام الأخ الشيخ حسن البنا.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... وبعد، فقد قرأت اليوم – 3 ديسمبر 1947 – مقالكم الثانى ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد، وقد استوقفنى منه عبارة جاءت في مقام الرد على اعتراض افترضتموه في من يجهل حقيقة الإسلام وما فيه من مرونة في الأحكام تتسع لما يجد من الأحداث، وقد يتوهم من يقرأ هذه العبارة صحة إخضاع حكم الدين لأحكام الزمان ومعاذ الله أن يكون الأمر كذلك. فإن أحداث الزمان يجب أن تخضع لكتاب الله وسنة رسوله مهما تراءى للناس أن الدنيا لا تحتمل هذا الإخضاع فالدين هو السنة التي وضعها الله للناس كما وضع السنن الكونية الأخري، لذا فبودى أيها الأخ الكريم لو أعدتم النظر في هذه الجملة بما يزيل الشبهة أو لعلى مخطئ، وأنتم بذلك أعلم منى بلا ريب.. من المخلص حسن الهضيبي. ولم يفوت البنا هذه الفرصة لكسب حسن الهضيبى كبديل للسكري، خاصة أنه كان يشعر في هذا الوقت بدنو أجله، فأرسل رده للهضيبى في العدد رقم 488 من جريدة الإخوان والصادر بتاريخ 4 ديسمبر 1947 قائلا: «الأخ المستشار حسن الهضيبي، إنا لنشكر لحضرته هذه الغيرة الجليلة على دين الله والدقة الجميلة في البحث والتمحيص، وجميل جدا أن نرى من كبار رجال التقنين المصريين من يحمل مثل هذا القلب المؤمن والذهن الصافى المستنير مع الدأب على الدرس والإلمام بكل أطراف الموضوع فجزى الله الأستاذ حسن الهضيبى عن الدين والحق والعدالة خير الجزاء وأكثر فينا من أمثاله». وبدأ حسن البنا تربطه صداقة قوية بالهضيبي، وعمل لفترة قليلة على إصباغ شخصية الهضيبى بصبغة مكتب الإرشاد، خاصة أنه كان يعلم جيدا أن الهضيبى حافظ لكتاب الله ورغم أنه التحق بالأزهر لعام واحد إلا أنه بقى مولعا بالقرآن، يبذل قصارى جهده من أجل تطبيق الشرع، وفى هذه الفترة استكتبه البنا في مجلة «الإخوان المسلمون» ليكتب عدة مقالات منها سلسلة مقالات «هذا القرآن» على مدى عامل كامل. ورغم أن الهضيبى كان يكبر حسن البنا بخمسة عشر عاما تقريبا إلا أن الأخير كان يرى أن هناك عوامل مشتركة بينهما لدرجة أنه أرسل لقيادات الجماعة ذات مرة قبل سفره وبحضور الهضيبى قائلا: «لا يعلم إلا الله متى أعود إن قدر لى أن أعود، فإن احتجتم في غيابى إلى رأى فالتمسوه عند حسن الهضيبى المستشار بمحكمة النقض فإنى أحسبه مؤمنا هادئا صائب الرأي». ومن هذه الرسالة يتضح أن الهضيبى لم يكن عضوا داخل جماعة الإخوان حتى هذه اللحظة. كما أن الهضيبى بعد هذه الجلسة خرج ليقول أمام أعضاء مكتب الإرشاد في مدح عمل الجماعة ودور البنا: عرفته أول ما عرفته من غرس يده، كنت أدخل المدن والقرى فأجد إعلانات عن الإخوان المسلمين دعوة الحق والقوة والحرية فخلت أنها إحدى الجمعيات التي تعنى بتحفيظ القرآن والإحسان إلى الفقراء ودفن الموتي، والحث على العبادات من صوم وصلاة». ويضيف الهضيبى في مذكراته فيما يخص وداع البنا: «كان وداع استشهد بعده بعشرة أيام وعلمت بالخبر فعدت فورا إلى القاهرة عاقدا العزم على ألا أعود إلى عملي. وكيف أعمل لحكومة قتلت رجلا يقول ربى الله»..! وفى هذا الوقت كان هناك أربعة من الإخوان مرشحين لتولى منصب المرشد هم: «عبد الرحمن البنا شقيق حسن البنا، صالح عشماوي، عبد الحكيم عابدين صهر البنا، أحمد حسن». ورغم أن الهضيبى لم يكن حتى رحيل البنا عضوا في جماعة الإخوان المسلمين، إلا أن قيادات مكتب الإرشاد استقرت على مبايعته مرشدا للجماعة، لأنهم لم يستطيعوا الاتفاق على اختيار أحد منهم، ما جعل كبار الإخوان يفكرون في البحث عن شخص يلتقى عليه جميع الإخوان، ولا يكون موضع تنازع أو اختلاف، ولم يكن جمهور الإخوان يعرفون حسن الهضيبي، ولا يعرفون علاقته بحسن البنا ولكن المقربين منه أوضحوا أن الهضيبى كان صديقا محبا لحسن البنا وكان يقدره ويعتبره مجدد الدعوة الإسلامية لهذا القرن، لذا اتفقوا على أنه أصلح الأشخاص للقضاء على الفرقة والتنازع داخل الجماعة. وبعد ثورة يوليو1952 انقلبت الجماعة على الضباط الأحرار، وزادت مطالبهم في تولى عدد من الوزارات والمؤسسات المهمة في الدولة، الأمر الذي رفضه جمال عبدالناصر، وبعد أن شعر بخطر الجماعة على أهداف الثورة وتعطيل مسارها قام باعتقال حسن الهضيبى عام 1952م حتى 1961م، ثم من 1965م حتى 1971م، وبعد انتهاء فترات اعتقاله بعامين تقريبا نشرت جريدة الأهرام في ركن الوفيات تنعى ذوى الهضيبى في رحيله، يوم السبت 11 نوفمبر 1973.