يأتي علينا شهر ديسمبر حاملاً في جعبته ذكرى ميلاد العديد و العديد من الأعلام الذين أثروا حياتنا و حياة أمتنا في مجالات شتى و ساهموا في إثراء الأمة و هذا لا يمنع من محاسبتهم إذا أخطأوا لأن من لا يخطيء لا يعمل و الذي ينطبق عليه هذا المعيار رجلاً قدم لأمته الكثير فأصاب و أخطأ كغيره ممن خدموا الأمة و هو المستشار حسن الهضيبي المرشد الثاني لجماعة الإخوان المسلمين. ولد حسن الهضيبي في عرب الصوالحة بمركز شبين القناطر بمديرية القليوبية في ديسمبر 1891 الموافق 14 شوال 1309ه ، حفظ القرآن الكريم بكتاب القرية و ألتحق بالأزهر الشريف حيث بانت عليه سمات التقوى و الروح الدينية و الورع ثم تحول بعد ذلك للدراسة المدنية حاصلاً على الشهادة الإبتدائية عام 1907 ثم ألتحق بمدرسة الخديوية الثانوية ليحصل على شهادة البكالوريا عام 1911 ليلتحق بمدرسة الحقوق التي تخرج منها عام 1915 لينتقل بعد ذلك إلى القاهرة للعمل في سلك المحاماة تحت التمرين و عمل بعد ذلك محاميًا لفترة قصيرة بشبين القناطر ثم أنتقل بعد ذلك للعمل بسوهاج التي عمل بها حتى عام 1924 ليلتحق بسلك القضاء و تكون مديرية (قنا) هي أول مديرية يعمل فيها قاضيًا و بالتحديد بنجع حمادي عام 1925 ماكثًا بها خمس سنوات لينتقل عام 1930 للمنصورة و بعدها في المنيا ثم أسيوط ثم الزقازيق إلى أن أنتقل للجيزة عام 1933 ليكون مستقره بالقاهرة عاصمة البلاد ليتدرج في المناصب القضائية ما بين مدير إدارة النيابات ، رئيس التفتيش القضائي ثم مستشارًا بمحكمة النقض. إنضم المستشار حسن الهضيبي لجماعة الإخوان المسلمين عام 1944 و سر إنضمامه للجماعة بناءً على روايته حينما وجد الفلاحين في قريته عرب الصوالحة و هو يتحاور معهم على الرغم من أميتهم الأبجدية إلا أنهم يتمتعون بثقافة دينية واسعة و معرفة سياسية لا بأس بها فاكتشف أن السر في هذا هم أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الذين لعبوا دورًا محوريًا في إنتشار تلك التوعية. من هنا أراد الهضيبي أن يعرف أكثر عن جماعة الإخوان المسلمين و تسلم من أعضاء الجماعة من القرية بعض المنشورات الخاصة بهم و ظل يقرأ حتى مطلع الفجر و صلى الفجر و وصل لنتيجة بأنه جندي مجندًا لتلك الجماعة الكبرى. كان هناك إجتماعًا مقررًا له بالجيزة لجماعة الإخوان المسلمين و قيل أن حسن البنا وجه دعوة رسمية لحسن الهضيبي لحضور هذا الاجتماع و لكن قامت وزارة الداخلية بإصدار أوامر لمصلحة البريد بتمزيق الدعوات الخاصة بالإخوان المسلمين و تمزقت الدعوة المرسلة لحسن الهضيبي و لكن رغم ذلك ذهب الهضيبي للاجتماع و شهد حسن البنا و هو يخطب خطبة عصماء فكان بداية الصداقة بين الإثنين و قام حسن البنا بزيارته في منزله و تحدثوا في أمورٍ شتى إلى أن توجت تلك المحاورة بإنضمام حسن الهضيبي لجماعة الإخوان رسميًا و كان معه في نفس التوقيت المستشار محمد بك العوارجي. في 11 فبراير من عام 1949 قابل حسن البنا حسن الهضيبي في منزله ليخبره بالمفاوضات المزمع عقدها مع السرايا لحل مشكلة (حل جماعة الإخوان المسلمين) التي حدثت عام 1948 بقرار من محمود باشا النقراشي وزير الداخلية و التي أدت لقتله في نفس العام و قال الهضيبي أنه شعر بضيق في صدره حينما سمع بهذا اللقاء حيث تمتم مع نفسه كلمة (القتل) مستشعرًا بأن هذا اليوم هو شهادة وفاة مبكرة لحسن البنا و عند الرحيل دمعت عيني الهضيبي لشعوره بأن هذا اللقاء هو الأخير بينهما و صدق حدسه يوم 12 فبراير من عام 1949 حيث قتل حسن البنا أمام جمعية الشبان المسلمين بميدان الملكة نازلي (ميدان الأسعاف حاليًا) لتنتقل الجماعة إلى مرحلة أخرى في تاريخها. أجمعت الهيئة التأسيسية لجماعة الإخوان المسلمين على إختيار المستشار حسن الهضيبي عام 1949 مرشدًا لها خلفًا لحسن البنا و ذلك بناءً على وصية البنا التي قال فيها (لو حدث لي شي و أختلفتم إلى من يكون مرشدًا بعدي فاذهبوا إلى المستشار حسن الهضيبي فأنا أرشحه مرشدًا من بعدي).
أخذ الهضيبي يؤدي عمله ستة شهور سرًا و هو في القضاء و جاء مصطفى باشا النحاس يدعو للهيئة التأسيسية لجماعة الإخوان المسلمين بالاجتماع و طُلب من الهضيبي أن يرأس الاجتماع لكنه رفض ذلك لأن انتخابه من قِبل الهيئة التأسيسية في المرحلة السرية لا يعد تعبيرًا عن اختيار جمهور الإخوان له كمرشد للجماعة فطلب منهم اختيار شخصًا آخر يتولى الإرشاد لكن رفض الإخوان هذا فقامت وفودًا إخوانية تتلاحق كأمواج البحر على بيته ليقبل المسئولية بتولى إرشاد جماعة الإخوان المسلمين و بعد نقاش طويل وافق الهضيبي على تولي المسئولية و إستقال من سلك القضاء ليتفرغ للإرشاد و تم تنصيبه رسميًا مرشدًا لجماعة الإخوان المسلمين يوم 17 أكتوبر من عام 1951. قامت ثورة 23 يوليو من عام 1952 التي وقعت من قِبل الجيش المصري و كان للإخوان دورًا في نجاح تلك الثورة و كانت هناك نية أيام محمد نجيب بإشراك الإخوان في السلطة و لكن كانت هناك خلافات بين مجلس قيادة الثورة و جماعة الإخوان المسلمين على الوزارات السيادية و كانت الفترة التي تولى فيها حسن الهضيبي الإرشاد كانت مرحلة الأزمات حيث الإصطدام بالنظام الجديد الممثل في مجلس قيادة ثورة يوليو و كان هناك حوارًا منشورًا في أحد الجرائد للهضيبي عنوانه (ما المانع من أن نتولى السلطة) كتصريح على تصويب نظر الجماعة في إعتلاء زمام الأمور بمصر. أعتقل حسن الهضيبي في يناير 1953 مع أعضاء آخرين بالجماعة و أُفرج عنه في مارس من نفس العام و أعتقد هنا أن الذي ساهم في الإفراج عنه هو اللواء محمد نجيب لأن هناك بعض التكنهات بإنتمائه لجماعة الإخوان المسلمين و تلك التكهنات تحتاج إلى أدلة مادية مؤكدة ، قام بعض الضباط بزيارته في السجن معتذرين عما حدث لشخصية الإمام الهضيبي المهيبة و هنا عاد الحوار بين الجماعة و مجلس الثورة و ظلت الأراء مختلفة بينهما حيث كان الصراع على الوزارات السيادية من قِبل الإخوان مما أدى إلى إنتهاز الفرص حيث قام جمال عبد الناصر بتحديد إقامة اللواء محمد نجيب حصن الإخوان المفترض و عزله من الرئاسة و اعتلاء ناصر زمام الحكم مما أدى إلى إكتمال المذبحة بأقلمة أظافر الإخوان في نوفمبر 1954 بإعتقال الإخوان و حل جماعتهم و كان على رأس المعتقلين الإمام الهضيبي خاصةً بعد إتهام الإخوان بتدبيرهم عملية إغتيال جمال عبد الناصر في المنشية بالأسكندرية و كانت الفرصة سانحة لإتمام المذبحة. بعد عام من سجنه تم نقله إلى الإقامة الجبرية عام 1955 و ظل تحت الإقامة الجبرية حتى عام 1961 حيث رفعت الإقامة الجبرية عنه لإصابته بالذبحة الصدرية و تم الإفراج عنه حتى عام 1965 حيث جاء يوم 23/8/1965 أعيد إعتقاله بسبب إتهام الإخوان بمحاولة إحداث حركة إنقلابية على نظام الحكم و هي القضية التي أتهم فيها سيد قطب و التي أدت إلى إعدامه في أغسطس 1966 و تم إعتقال الهضيبي بالأسكندرية و وجهت له التهمة بمحاولة إحياء التنظيم و حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات على الرغم من بلوغه السبعين من عمره و أخرج لمدة خمسة عشر يومًا لتلقيه العلاج بالمستشفى ثم عاد لمنزله إلى أن تحسنت صحته فعاد للسجن مرةً أخرى و مددت مدة السجن إلى أن صدر قرارًا جمهوريًا بالإفراج عنه يوم 15 أكتوبر 1971 و ظل حسن الهضيبي مرشدًا للجماعة إلى أن توفي يوم 11 نوفمبر 1973. للهضيبي مؤلفات عديدة من بينها (دعاة لا قضاة – إن هذا القرآن – الإسلام و الداعية و هي مجموعة كتابات قام بجمعها أسعد سيد أحمد) و له أقوال مأثورة مثل: (أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم ، تقم لكم في أرضكم). و هنا أرى أن تلك المقولة هي دعوة للجماعة و للجماعات السلفية بلسان مرشدها بأن نقيم دولة الحق في قلوبنا حتى تقوم على أرضنا بأن نزيح أغراضنا الشخصية و أهوائنا من على الوطن لكي تسير الأمور على ما يرام و ندعو الله أن نرى دولة الإسلام تقام في قلوبنا لكي يشع النور من القلب ليصل إلى الأذهان ليكون الوطن أفضل مما كان.