سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
محمد حبيب يكتب: 2014 "التحدى الأخير".. الجماعة تحتاج سنوات طويلة ل«جمع شتاتها» و«الإخوان» لا يتعلمون من أخطاء الماضى والقيادات الهاربة تقود «الإخوان».. وسيناريو «المحنة» تم تصديره لجميع الأعضاء
الأزمة تحولت من «أزمة مع الدولة» إلى «مشكلة مع شعب» الجماعة سفينة مضطربة.. فقدت بوصلتها (1) أسباب السقوط: صعد الإخوان إلى حكم مصر سريعًا.. كانت خطوة غير محسوبة، لم تكن لديهم الخبرة أو التجربة، علاوة على فقدان الرؤية وغياب الاستراتيجية، فضلًا عن فقر القدرات والكفاءات، قاموا بتقديم أصحاب الثقة على أصحاب الكفاءات، لم يلتزموا بما تعاهدوا عليه ووعدوا به، كثير من المساعدين والمستشارين لرئيس الجمهورية قدموا استقالاتهم وتركوا مواقعهم، صحيح كان لكل واحد منهم أسبابه، لكن أغلبهم شعروا بأن وجودهم لم يكن أكثر من ديكور.. كان الإعلان الدستورى الذي أصدره الدكتور مرسي في 21 نوفمبر 2012 بمثابة البداية الحقيقية للسقوط.. لم يكن مرسي هو الحاكم الفعلى لمصر، بل كان هناك أعضاء نافذون في مكتب الإرشاد، وتحديدًا «خيرت الشاطر» و«محمود عزت»، هما اللذان كانا يحكمان أو هما صاحبا اليد الطولى والتأثير في الحكم. فكرة الدولة ومؤسساتها كانت ومازالت غائبة عن الإخوان.. أسلوبهم في إدارة الدولة كان مضحكًا، ومتواضعًا، ومتدنيًا.. غاب عن تفكيرهم أن إدارة الدولة المصرية مختلف تمامًا عن جماعة الإخوان، فالأخيرة تضم فقط بضعة مئات من الألوف، يفكرون بنفس الطريقة، وينتهجون نفس النهج، ثم هم منظمون في هيكل واحد، تنظيمًا وإدارة، وهكذا، وبالتالى فقيادتهم سهلة وبسيطة وتتم من خلال بذل مجهود بسيط. على النقيض تضم الدولة مؤسسات تشريعية، وقضائية، وتنفيذية، فضلًا عن الجيش والشرطة والأزهر والكنيسة..إلخ، كما أن المجتمع المصرى يشمل أكثر من 80 مليونًا من البشر، وبه من التنوع السياسي والثقافى والاجتماعى والاقتصادى ما ليس لجماعة الإخوان، وهؤلاء الملايين لهم على الدولة مسئولية إدارة أمور معايشهم.. هذا فضلًا عن الإرث الرهيب من المشكلات والأزمات التي تركها مبارك في كل المجالات، التعليمية والصحية والنقل والمواصلات والزراعة والصناعة والطاقة والإسكان.. إلخ، من هنا نستطيع فهم لماذا فشل الإخوان؟. (2) ثورة 30 يونيو: في نهاية الستة أشهر الأولى من حكم مرسي، بدا واضحًا أن شرعيته أخذت في التآكل، وأنه غير قادر على تلبية احتياجات الجماهير، فالعدالة الاجتماعية التي قامت الثورة أصلًا من أجلها، لم يتخذ فيها أي خطوة، والعدالة الانتقالية وحقوق الشهداء في القصاص من قتلتهم -التي وعد بها- أعطاها ظهره، إضافة إلى أن الوضع الاقتصادي ازداد سوءًا. قرب نهاية الستة أشهر الثانية، تآكلت شرعية مرسي تماما، وكان من مظاهر ذلك، تمزق النسيج الوطنى، ورعايتهم العنف والإرهاب، وتهاونهم في الحفاظ على التراب الوطنى (مثلث حلايب وشلاتين)، علاوة على الاحتراب الأهلي، فضلًا عن الأزمات الخانقة في الوقود؛ البنزين والسولار والبوتاجاز. بدأت حركة «تمرد» في توزيع وجمع استمارات تطالب بانتخابات رئاسية مبكرة، وتهافت الناس من مختلف القطاعات والفئات عليها.. وفى أسبوعين فقط بلغ عدد الموقعين على هذه الاستمارات 15 مليونًا، وتحدد يوم 30 يونيو لخروج الملايين من شعب مصر للتظاهر. في مواجهة حملة «تمرد»، قامت قيادات من الجماعة الإسلامية (حلفاء الإخوان) بالدعوة إلى ما سموه حملة «تجرد»، غير أن هذه الحملة لم تحقق من الانتشار 25٪ ما حققته حملة «تمرد».. عقدت «تجرد» مؤتمرات في أماكن مختلفة، كان خطابها تكفيريا بامتياز، وفى أحد هذه المؤتمرات التي تمت في الصالة المغطاة بمدينة نصر تحت عنوان «نصرة سوريا»، كان الدكتور مرسي حاضرًا، وكالعادة انطلق أنصار الرجل وحلفاؤه في التهديد والوعيد لمن سيخرجون في 30 يونيو -هؤلاء الكافرون والمنافقون- وأنهم سوف يسحقون(!!) وتحسبا لما يمكن أن يقع، دعت حملة «تجرد» إلى اعتصامي رابعة العدوية بمدينة نصر والنهضة أمام جامعة القاهرة.. وقد بدأ الاعتصامان يوم 28 يونيو. في وسط هذا الخضم وبمبادرة منه، حاول الفريق أول عبد الفتاح السيسى إعطاء مهلة أسبوعًا للتحرك ولملمة الشمل، لكن لا حياة لمن تنادى.. وفى 30 يونيو، خرج عشرات الملايين من أبناء مصر في حشود لم يسبق لها مثيل، في القاهرة والإسكندرية، والغربية، والمنوفية، والدقهلية، ودمياط، وبورسعيد، وغيرها.. خرج الجميع وليس لهم سوى مطلب واحد هو: إزاحة حكم المرشد، وتحرك الفريق أول السيسى، وأعطى مهلة أخرى لمدة 48 ساعة، لكن للأسف أضاع مرسي والإخوان هذه الفرصة، كما أضاعوا ما قبلها. وفى 3 يوليو خرج عشرات الملايين إلى الشوارع والميادين للمرة الثانية في مظهر غير مسبوق في تاريخ مصر والعالم. انحاز الفريق أول السيسى والقيادة العامة للقوات المسلحة لمطالب الجماهير، وتم عزل الدكتور محمد مرسي، والإطاحة بحكم الإخوان، مخافة أن تنزلق البلاد إلى أتون حرب أهلية، كانت صدمة الإخوان وأنصارهم كبيرة.. أسقط في أيديهم، لم يتصوروا أن ما حدث حقيقة، ظنوا أنه وهم أو خيال أو حلم مفزع أو كابوس مخيف، وأنهم سيفيقون منه لا محالة، وهذا سر ترديدهم المستمر: مرسي راجع.. حتمًا راجع، ظلوا فترة طويلة في حالة إنكار لما حدث. (3) الصفقة مع الجماعات التكفيرية: يبدو أنه كانت هناك صفقة تمت بين الإخوان والجماعات التكفيرية، خاصة أثناء الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة، كانت الفائدة متبادلة، الإخوان يحصلون بموجب الصفقة على الأصوات التي تمكنهم من الوصول إلى قمة هرم السلطة، فضلًا عن دعمهم في مواجهة أي خروج عليهم، والجماعات التكفيرية يسمح لها بالتدفق والوجود في سيناء دونما أي عوائق، وإقامة تشكيلاتها وتنظيماتها وضمان وصول كل أنواع الأسلحة إليها، وإصدار العفو الرئاسى والإفراج عن قياداتها من السجون المصرية، وغض الطرف عن أعمال التدريب العسكري، علاوة على التواصل مع الجماعات التكفيرية المناظرة لها في قطاع غزة عبر الأنفاق. هناك عمليات كثيرة قامت بها الجماعات التكفيرية.. آخرها عملية تفجير السيارة المفخخة في مديرية أمن المنصورة في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء 24 ديسمبر 2013، والتي راح ضحيتها 16 شهيدًا، وأكثر من 134 مصابًا، لن تتوقف هذه العمليات، لكنها سوف تقل كثيرًا في المستقبل القريب، صحيح أن الجيش والشرطة يبذلان قصارى جهدهما في مواجهتها، غير أن التضحيات سوف تكون كبيرة، فهذه الجماعات لديها خبراتها وتجاربها في أماكن كثيرة؛ أفغانستان، والبلقان، والعراق، والصومال، وسوريا، وغيرها، إضافة إلى الدول التي تقف خلفها الآن؛ أمريكا، وتركيا، وقطر، والاتحاد الأوربي. سوف يكون لهذه العمليات الإرهابية آثارها السلبية بعيدة المدى في التيار الإسلامي كله بشكل عام والإخوان بشكل خاص، فالتعاطف الذي كانت تراه من الجماهير، سوف يتراجع كثيرًا، بل سوف تحل محله كراهية وبغضاء.. لقد خسر الإخوان وأنصارهم كثيرًا، وأعتقد أنهم سوف يختفون من المشهد خلال السنوات المقبلة. (4) مستقبل جماعة الإخوان: من أهم وأبرز المعالم التي تميز الإخوان أنهم لا يتعلمون من أخطائهم، بل لا يوجد لديهم أي استعداد للاعتراف بها، لذا هم دائمًا يقعون في نفس الأخطاء.. والسبب في ذلك يرجع إلى مجموعة من العوامل؛ أولها: إن الإخوان لديهم «شوفينية» عالية، فهم يعتقدون أنهم أفضل الناس، رغم أن الأستاذ البنا قال يوما: «كم منا وليس فينا، وكم فينا وليس منا»، ثانيها: السمع والطاعة والثقة الكاملة في القيادة، الأمر الذي يؤدى غالبًا إلى تبرير كل ما يصدر عنها حتى وإن كانت تحمل تناقضًا، ثالثها: غياب نظام حقيقى وفاعل للرقابة والمتابعة والمحاسبة والمساءلة، خاصة بالنسبة للقيادات العليا للجماعة، ومن ثم تتراكم الأخطاء، مما كلف ويكلف الجماعة كثيرا، على سبيل المثال يعتبر الإخوان ما مر بهم من عزل مرسي والإطاحة بحكمهم وإلقاء القبض على قياداتهم أنه محنة شأنها شأن بقية المحن التي مرت بهم من قبل، وهم من المؤكد -بعد سنة أو سنوات- سوف يخرجون منها وهم أقوى شكيمة وأصلب عودًا.. لن تكون هناك محاسبة لأحد، سوف يدور الزمان دورته ليعودوا للمرة المائة إلى المربع رقم واحد.. وهكذا. الكثير من قيادات الصف الأول والثانى الآن في السجون، وهم محالون إلى محاكم الجنايات.. قد يحكم على البعض بالمؤبد، والبعض الآخر بسنوات، قد تتراوح بين 15 عامًا وعام واحد، وقد يحصل البعض على البراءة، الذي يقود الجماعة الآن بعض القيادات الهاربة، يعنى قيادة على البعد، وشتان بين قيادة لصيقة وقيادة بعيدة.. القيادة اللصيقة الآن هي قيادات الصف الثالث أو الرابع، وهذه تفتقر إلى الخبرة والتجربة، وليس لديها نضج أو وعى كافيان، ثم هي تريد إثبات ذاتها وقدرتها، فإذًا كل ما يصدر عنها عبث أقرب إلى الفعل الصبياني منه إلى أي شيء آخر. ما نشاهده الآن عبارة عن سفينة مضطربة في خضم بحر هائج، تتقاذفها الأمواج من كل جانب، في الوقت الذي فقدت فيه بوصلتها، ولا تدرى إلى أين تتجه ولا ما يؤول إليه مصيرها.. سوف يمضى وقت طويل حتى يمكن السيطرة عليها والتحكم فيها.. هذا إذا لم تتحطم وتتحول إلى ألواح متناثرة على السطح وأشلاء تغوص إلى القاع. كنت آمل أن يلعب الإخوان دورًا على المستويين المحلى والإقليمي في توحيد الأمة وإخراجها وإنقاذها من الفتن العرقية والمذهبية التي تعصف بها، غير أنهم -للأسف- كانوا دون مستوى التحدى بكثير.. لم تكن لديهم القدرة للنظر فيما يخطط لهم، ابتلعوا الطعم الأمريكى عن آخره.. وجاءت ثورة 30 يونيو لتطيح بالمخطط الأمريكى في المنطقة، سواء في ضمان أمن وأمان العدو الصهيونى وتوسعاته أو في الدفع بمصر في الصراع المذهبى بين أهل السنة والشيعة. الآن جماعة الإخوان جزء كبير من المشكلة، وأعتقد أنه سوف يمر وقت طويل، طويل جدًا، قبل أن تلملم الجماعة شتاتها وشعثها، قد تنجح وقد تفشل، لكنها سوف تكون على أي حال عملية صعبة، إن لم تكن مستحيلة، وهذا يتوقف على عوامل كثيرة طوال تاريخها، كانت مشكلة الجماعة مع النظم الحاكمة، أما الآن فالمشكلة مع الشعب في المقام الأول، وهذا مما يزيد من عمق مشكلتها ومأساتها.. من المؤكد أن موقف الدولة -بمؤسساتها- في هذه الفترة يمثل عاملًا حاكمًا، فكلما كانت الدولة قوية وحاسمة وحازمة ولها هيبتها والتزامها الكامل بسيادة القانون، ولا تهتز لما يقوله أو يتقوله الغرب، كلما كان التيار الإسلامي كله، بل كل القوى السياسية والوطنية منضبطة، والعكس صحيح.. بعد صدور قرار مجلس الوزراء يوم الأربعاء 25 ديسمبر باعتبار جماعة الإخوان منظمة إرهابية، هل يفيد الاعتراف بثورة 30 يونيو، وخارطة المستقبل، وإدانة العنف والإرهاب بكل أشكاله وصوره؟ وهل هناك استعداد للالتزام بالقانون وتغيير الفكرة عن الوطن؟ وهل يفيد الشعور بالندم والاعتذار للشعب المصرى عما كان، أم فات الأوان؟! "نقلا عن العدد الورقي"